منال لاشين تكتب: حكايات من عالم الأوغاد

مقالات الرأي




تاجر الكاوتش للدكتور: شوف لنا كام غلبان نشترى منهم بلازما

جهاز تنفس صناعى و7 أنابيب أكسجين بمليون جنيه

أجهزة تنفس بالبخار للأحفاد وتخزين الفتيامينات لمدة عام

خوفنا لا يدفعنا أبدًا لارتكاب هذه الجرائم فهم لا يرون مدى حقارتهم وشرهم

من آن لآخر أعود بذاكرتى إلى كتابه العبقرى، إذ كان الراحل جلال أمين يبحث عن إجابة للسؤال المهم والمحير: ماذا جرى للمصريين؟ وحمل الكتاب الذى أعيد طباعته كثيرا نفس العنوان.

من وقت لآخر، ومن موقف يستفزنى إلى موقف يثير دهشتى ونقمتى أيضا، ما بين الموقف والآخر يطرح السؤال نفسه: ماذا جرى للمصريين؟، ومع جائحة كورونا تطاردنا مواقف خسة وجهل بعض المصريين فى حربهم أو مواجهتهم للوباء.

أشكال تبدو آدمية لها رأس وقدمان وذراعان، ولكن قلبهم مغلق على أنانيتهم، وكأن العالم خلى من البشر إلا هم، يموت من يموت ويجوع من يجوع ويتألم حتى النفس الأخير..لا شىء يهم ما دام بعيدا عن دنياهم الصغيرة كخرم الإبرة، المنغلقة بقسوة كحبة عين الجمل. هؤلاء الأصناف المنحطة هى الوجه الآخر من العملة القذرة، فأنانيتهم تشجع تجار الموت ومافيا الاحتكار على الاستغلال. ما سأحكيه قد يبدو خيالاً أو بالأحرى كوابيس ليل، ولكن مع الأسف حقائق مفزعة وخانقة تتحرك بيننا يوميا وندفع ثمنها من حياتنا وأموالنا وصحتنا

1بلازما بالجرام

كان صديقى الطبيب الشاب معتاداً على المكالمات الكثيرة التى لا تتوقف منذ وباء كورونا، أسئلة وطلب استشارات ومطالب بأسماء مستشفيات ومعامل تحليل سواء لعمل المسحة أو للعلاج من كورونا، كان يسمع العجب من أقاربه ومعارفه حول طرق علاج أو الوقاية من الوباء، ويتبادل الضحكات مع زملائه الأطباء عما يسمعوه من الناس، سحر وشعوذة وشطة وينسون ومش وجبنة قديمة وغيرها كثيرا، ولكن الأسبوع الماضى ارتفع ضغطه وكاد يغمى عليه مما سمعه من أحد معارفه، الرجل من كبار تجار الكاوتش، غنى جدا ولكنه غير مشهور، فهو ليس من نجوم المجتمع، لديه أسرة (زوجة وأولاد وأحفاد)، ومنذ أن هبط علينا وباء كورونا والرجل يخصص معظم ثروته وكل اتصالاته ومعارفه لمواجهة الوباء عن أسرته، كان الرجل يستنجد بصديقى الطبيب لمساعدته للحصول على حاجة معينة، حين سأل الطبيب عن الحاجة أو الخدمة تلقى صديقى الصدمة كطرقة شاكوش على رأسه، قال له الرجل إنه يريد منه أن يوصله ببعض المرضى الغلابة اثنين أو ثلاثة، غلابة تلقوا علاجهم من الكورونا فى مستشفيات الحكومة، فالرجل يريد أن يشترى «كام» جرام بلازما من هؤلاء الغلابة، فالرجل يريد أن يحتفظ بالبلازما من المتعافين الغلابة حتى يستخدمها فى علاج أسرته. المثير أن كل أفراد أسرته لم يصابوا بعد بالكورونا، والرجل ما إن سمع أن بلازما المتعافين من الكورونا تصلح لعلاج المرض، حتى قرر أن يبحث عن هذه البلازما، ويدفع فيها كل عزيز من مال، من مائة ألف جنيه إلى مليون جنيه.

لم تفلح محاولات صديقى لإقناع التاجر بالتراجع عن هذه الفكرة، ولكن الرجل قال له إنه سمع أن بعض الأصدقاء من المرضى الفقراء ممكن يبيعوا البلازما بعد تعافيهم، بالنسبة لتاجر الكاوتش وأمثاله الحكاية تبادل تجارية، بيع وشراء، نفع واستنفع، «الغلبان هيخدله قرشين حلوين»، والتاجر يأخذ البلازما لحفظها ليوم قد يأتى أو لا يأتى، يشترى البلازما الذى يحتاجها مريض يواجهه الموت الآن لاحتمال، مجرد احتمال أن يصاب أحد أفراد أسرته الملكية.

2جهاز تنفس للحفيد

حكاية البلازما تفتح الباب لحكايات أخرى لأثرياء غامضين ليسوا نواباً أو نجوم المجتمع، ولكنهم يملكون عشرات أو مئات الملايين من الجنيهات، وقلوبا مغلقة على أنانيتهم، وكأنهم يعيشون فى كوكب ثانٍ، ففى الوقت الذى يعمل البعض من الناس الطيبين على جمع تبرعات لشراء أجهزة تنفس صناعى، وتوفيرها للمستشفيات، فى الوقت الذى يموت العشرات من مرضى الكورونا لعجزهم على الوصول لجهاز تنفس صناعى، فى هذا الظرف العصيب قام مواطن يحمل الجنسية المصرية بفضيحة، ولكنه لا يحمل شهامة وجدعنة المصريين، اشترى الرجل جهاز تنفس صناعى من النوع المخصص لغرف العناية المركزة، واشترى 7 أنابيب أوكسجين من الحجم الكبير، وطلب من طبيب من معارفه أن يساعده فى تجهيز غرفة عناية فى فيللته، وذلك تحسبا لأن يمرض هو أو أحد أفراد أسرته، هذا الموقف الهمجى القذر الأنانى تكرر مرات ومرات، ممكن تقابل واحد من فئة الأوغاد يقولك: عايز استلقط جهاز تنفس عشان أشتريه إن شاء الله أدفع 300 أو 400 ألف جنيه، ولكن هوس أو فويبا الكورونا أخرجت أسوأ ما فى البعض، فإن الجنون دفع البعض أو طبقة الأوغاد إلى تصرفات مجنونة، واحد من الذين اشتروا جهاز تنفس من النوع المخصص لغرف العناية المركزة لم يكتف بما فعله، بل طلب من الصيدلى أن يرسل له عدة أجهزة تنفس منزلية بالبخار، وبرر طلبه بأن يريد أن يكون لدى كل حفيد من أحفاده جهاز تنفس بخارى لوقت اللزوم.هذا النوع من أجهزة التنفس ضرورى لمرضى حساسية الصدر والربو، فلا يمكن تخطى أزمات هذه الأمراض دون جهاز تنفس منزلى سواء عادى أو بالبخار، هؤلاء المرضى يعانون أشد المعاناة من حالة إصابتهم بأزمات لنقص الجهاز فى السوق، كان الجهاز يباع بـ1000 جنيه منذ عدة أشهر، الآن يباع بـ3 أو 4 آلاف جنيه، ودخل فى فئة سلع السوق السوداء، بالمثل ارتفع سعر جهاز التنفس الشخصى من 400 جنيه إلى ألفى جنيه إن وجد، كل هذا لأن الكثيرين من طبقة الأوغاد هرولوا لشراء وتخزين هذه الأجهزة بعدد أفراد الأسرة وأحيانا شراء جهاز أو اثنين تحسبا لأى ظروف.

حكى لى دكتور صيدلى أنه فوجئ بأحد عملائه يطلب كمية كبيرة من نفس الفيتامين، فأراد أن ينبهه إلى أن العلبة الواحدة بها 90 قرصاً وتكفى لثلاثة أشهر، فرد عليه الرجل: ما أنا عارف بس لازم أشترى لكل واحد من الأسرة علب تكفى لمدة عام.

3- عودة للسؤال

كل هذه الحكايات تدفعنى دفعا للسؤال الذى حاول الدكتور جلال أمين الإجابة عليه، ماذا جرى للمصريين؟

لا أعتقد أن الخوف من الوباء هو دافع طبقة الأوغاد لارتكاب مثل هذه الأفعال أو بالأحرى الجرائم، جريمة أن يخزن إنسان دواء أو جهاز تنفس وأنابيب أوكسجين يحتاج إليه المرضى الآن، وذلك تحسبا ليوم مرضه أو مرض أحد أحبائه، فكلنا نعيش ونتعايش مع الخوف من كورونا، ولكن خوفنا لا يدفعنا أبدا لارتكاب هذه الجرائم، أن يشترى واحد من طبقة الأوغاد جهاز تنفس كان مخصصا لإحدى الجمعيات الأهلية بإجراء مزاد على الجهاز، فيدفع 50 ألف جنيه أكثر من ثمنه الحقيقى، وبدلا من أن تحصل الجمعية على الجهاز وتهديه إلى أحد المستشفيات، وبدلا من أن يعالج العشرات من المرضى بهذا الجهاز، يضع هذا الوغد الجهاز فى الصندوق صامتا كأنه قطعة ديكور أو ذهب شايله للزمن.

هذه الطبقة فقدت الانتماء للوطن أو للمجتمع، إنها تعيش فى جزر مغلقة على رغباتهم وشهواتهم وأنانيتهم المفرطة، طبقة الأوغاد هى التى تشترى الشقق بالعشرات للأولاد منذ سن الحضانة، وتغلق هذه الشقق رافضة تأجيرها، فتزيد أسعار الشقق وتتأزم قضية الإسكان، فئة الأوغاد التى لا ترفض أن تدفع ثمناً أو جزءا من فاتورة أى أزمة من أزمات المجتمع، ففى الثورات والاضطرابات وفى الأزمات الاقتصادية الحادة التى شهدتها مصر، يصر الأوغاد على الانفصال عن المجتمع. هم أحد أسباب ارتفاع سعر الدولار لأنهم يدفعون أى سعر فى السلع المستوردة حتى لو تم تهريبها، هؤلاء الأوغاد هم سبب ضائقة الزواج، لأنهم يتفاخرون بأموالهم ويدفعون الملايين فى فرح وشبكة وجهاز، فترتفع أسعار كل مكونات الزواج على الملايين.

السؤال الذى يطرح نفسه هل هذه الأموال التى ينفقها الأوغاد أموال حلال أو قانونية أو أموال تجاوزات وفساد؟ أعيد السؤال بطريقة أهل البلد هل هؤلاء الأوغاد تعبوا فى أموالهم؟ هل كانت قيم الانفتاح السداح المداح سببا فى قسوتهم وأنانيتهم؟ هل يصدق هؤلاء الأوغاد أنهم يعرفون الله أو الرب حقا؟ أم أنهم يستثمرون فى الجنة بالذكاء أو بالشعور؟

أسئلة كثيرة وعلامات استفهام أكثر تحيط بطبقة الأوغاد الذين لا يرون فى العالم سوى أنفسهم، ولا يرون مدى حقارتهم وشرهم.