د. هاني أبو العلا يكتب: "رسالة كورونا".. عفوا! وما زال للظلم بقية

مقالات الرأي

بوابة الفجر


منذ أن بدت في الأفق رائحة كرونا، ذلك الفيروس الملعون، شديد الصِغَر، عظيم الأثر والعالم كله في لغط كبير بدءاً من سر ظهور هذا المخلوق العَفِن، فكان سيل من التبريرات، بعضها منطقي و الآخر قد تبدو فيه روائحه الخيال و الدروشة في أحيان أخرى، إلا إن الثابت بلا شك هو إن كرونا قد جاء برسالة يعلمها خالقنا وخالقه.
وأي ما كان سر ظهور كرونا، فالحقيقة أن سلوكياته قد حار معها الأطباء وبروتوكولات العلاج، التي وضعها أعتى شيوخ الطب في العالم، فلا هو يحصد الشيوخ ولا يترك الشباب كما توهم البعض.

وقد كتبت في إحدى مقالتي منذ بداية الأزمة مشيراً لأن جائحة كرونا قد تكون إنذاراً وتساءلت وقتها عن علاج كرونا كل العصور، فمن العَتَه أن يُنْظر للعَرَض دون الاهتمام بأصل المرض.

وأطرح على القارئ الكريم سؤالا؛ ولنسرح بخيالنا قليلاً، ماذا لو ظهرت رسالة معلقة في سماء العالم كله، واضحة جلية للعيان بين طرفة عين وانتباهتها، مكتوبٌ فيها أن "سبب تفشي كرونا هو استشراء الظلم بين البشر"! هل ستتغير ممارسات البشرية وقتها، أم سنظل نكذب و نظلم و نضن و نؤثر على الغير لمصالحنا ولو كان بهم خصاصة.

وهل هذه ستكون نهاية العالم؟ أو كيف نتوقع أن تكون نهاية العالم إذن، فكل التعاليم الدينية على اختلاف الرسالات السماوية تدعو لمكارم الأخلاق ونبذ الأثرة والظلم والكذب والخداع حتى المُحَرَّفْ منها.

و لننظر حولنا! فكيف لمن يتباهى باقتناء قناع للوجه (ماسك) من النوع المفتخر N95 وسط مجتمع بعضه لا يجد لقمة العيش أن يكون قد استوعب الدرس؟ وكيف لمن يجوب بحثا على الأدوية المعالجة لأعراض الفيروس في الصيدليات لتخزينها دون أن يكون مريضا خوفاً أن يصيبه الوباء، دون أدنى مسئولية منه في إنه يشارك في حرمان المرضى الفعليين من جرعة علاج. و على الجانب الآخر تجار للدواء يحتكرون بعض الأدوية والأقنعة وغيرها من المستلزمات لتعطيش السوق، من ثم التَرَبُح منها أضعافاً مضاعفة.

وما هي الكلمات التي يمكن أن يوصف بها اللذين يجبرون الطلاب على النزول لشراء الكتاب أو المذكرة واللذين يبيعون للطلاب أبحاثاً كان من المفترض أن يعكف الطلاب على اعدادها، وهم يعلمون الطلاب كيف يكونوا غشاشين!.

وإن كانت بعض هذه الممارسات التي ألفها البعض لتصبح هي الأصل للعيان وتنحسر الأصول ولا ينظر للعواقب، فهل لم يؤثر فيهم نذير الكرونا! ألم يعوا قوله الله تعالى "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" أم ينطبق عليهم أقواله عز وجل "كلا بل ران على قلوبهم" و"أم على قلوبٍ أقفالها".

وماذا عن قسم علمي بإحدى الكليات يتشبث برفض طلب لنقل زميل ليكون عمله في محافظة إقامته رغم حاجة العمل إليه! ويتسابق أعضاؤه في نسج التعليلات لرفض طلبه وتجميعها، والحقيقة هي الأثرة والتشبث بتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وإذا كنا مسلمين، لكننا لا نؤمن بسماحة الاسلام التي جعلت الأنصار يتقاسمون أقواتهم مع المهاجرين فأي الشرائع والتعاليم نتبع إذن، وبمَ نجيب رسالة السماء؟

وعلى الجانب الآخر هذا الذي أوجعه غلق المسجد فأخذ ينادي هنا وهناك بمدى حزنه وبثه جراء إغلاقه، و إذا به يصبه الوباء ورغم التشديد عليه بالمكوث في بيته والعزل المنزلي، ورغم إقراره وتعهده بذلك، إلا إنه وأسرته يأبون الاعتراف بما أصابه وينتشرون في كل حدبٍ وصوبٍ غير عابئين بمدى ما قد يسببوه من ضرر للآخرين، ويظل ما يشغل باله هو غلق المساجد فقط، وهكذا كانت إجابتهم لرسالة السماء!

وخلف الأبواب ينتظر بعض اللذين رأوا أن ترشحهم لمجلس النواب هو الأكسب بلغة هذا الزمان، فهي المكانة والحصانة و طوبي لمن حمل الأمانة، هؤلاء قابعون خلف الأبواب  لحين غياب رسالة السماء ليمارسون حملاتهم، و وعودهم التي تصلح كل شئ وحتى لم تحركهم شهامتهم التي لا تظهر إلا قبل فتح لجان الانتخاب ولو بالمشاركة في رش الشوارع بالماء والكلور أو حتى الاشراف على المتبرعين، فكيف يكون رد هذه الفئة على رسالة السماء؟

كان هذا عرضاً مختصراً لبعض المظاهر  كاستجابة لرسالة التحذير من الظلم والتساؤل هو متى ينقشع كرونا، والتساؤل الأعظم متى نستطيع أن نجيب على رسالات السماء، وما زال للحديث بقية، او بالأحرى مازال للظلم بقية!

الدكتور هاني أبو العلا
أستاذ نظم المعلومات الجغرافية ووكيل كلية الآداب - جامعة الفيوم