طارق الشناوي يكتب: المخرج يفترس الكاتب

الفجر الفني

بوابة الفجر


دائما ما نكرر هذا (الكليشيه): «إذا أردنا أن ننقذ الدراما فعلينا بالأدب»، أول تراشق بين الأدب والسينما شاهدناه قبل نحو 75 عاما، عندما قدم المخرج محمد كريم من إنتاج وبطولة عبدالوهاب «رصاصة فى القلب» ويومها كان تعليق الصحافة «رصاصة عبدالوهاب فى قلب الحكيم».

العمل الروائى العظيم ليس هو الباب المضمون للسينما، للكاتب الكبير بهاء طاهر، حضور قليل جدا فى الدراما، لا يتجاوز روايته (واحة الغروب) التى تحولت قبل ثلاث سنوات إلى مسلسل، أخرجته كاملة أبوذكرى، بعد أن فقدت الأمل فى تقديمها كفيلم، كما أن رواية «خالتى صفية والدير» شاهدناها مسلسلا ومسرحية، وعندما تحمس وحيد حامد لتقديمها سينمائيا، اشترط بهاء أن يوافق أولا على السيناريو، ومن بعدها تعطلت لغة الكلام.

فى تعبير موحى عن العلاقة الشائكة بين الأدب والفيلم قالوا: (إن على المخرج افتراس القصة ليحيلها إلى معادل سينمائى).

توجد مدرستان فى تعامل الأديب مع السينما، الأولى وضع قواعدها نجيب محفوظ فهو مسؤول فقط عن الرواية، الثانية يوسف إدريس الذى كان كثيراً ما يدخل فى معارك قضائية مع المخرجين وكتاب السيناريو ويتهمهم بتشويه أعماله، ولم يسلم من اتهامه مخرجون مثل يوسف شاهين (حدوتة مصرية) برغم أنه كتب فقط الفكرة، وصلاح أبوسيف (لا وقت للحب) وهنرى بركات (الحرام).

هل السينما بحاجة إلى الأدب؟ سؤال يبدو عند البعض يحمل إجابته فى داخله، نعم السينما عندما تستند إلى الأدب تصل إلى ذروة آفاق التعبير، ثم إن الأدباء الكبار الذين استندت السينما إلى أدبهم لاتزال تحقق أفلامهم عادة القدر الأكبر من الإقبال الجماهيرى

لو أحصينا عدد الأفلام التى دخلت تاريخنا لوجدنا قسطا وافرا منها مأخوذا عن أعمال أدبية، أضرب لكم مثلاً عملياً بالأرقام، أهم عشرة أفلام فى تاريخ السينما المصرية طبقاً للاستفتاء الذى أجراه «مهرجان القاهرة» عام 1996 هى «العزيمة»، و«الأرض»، و«المومياء»، و«باب الحديد»، و«الحرام»، و«شباب امرأة»، و«بداية ونهاية»، و«سواق الأتوبيس»، و«غزل البنات»، و«الفتوة».. الأفلام المأخوذة عن روايات أدبية هى «الأرض» عبدالرحمن الشرقاوى، «الحرام» يوسف إدريس، «بداية ونهاية» نجيب محفوظ.. أى أن النسبة لم تتجاوز 30%. وفى استفتاء أفضل عشرة افلام عربية الذى أجراه مهرجان «دبى» عام 2013 احتفظوا بنفس النسبة أيضا «الأرض»، ثم «الكيت كات» عن رواية إبراهيم أصلان «مالك الحزين»، و«المخدوعون» عن رواية غسان كنفانى «رجال فى الشمس»!!

القصة الروائية العظيمة ليست هى بالضرورة الوصفة السحرية لتقديم عمل فنى ممتع، يظل المعيار يتكئ على قدرة المخرج أن يمنح القصة الإحساس السينمائى، من الممكن أن تنجح قصة تقييمها الأدبى متوسط لأنها تنطوى على معادل بصرى وسمعى، مثل (هيبتا) إخراج هادى الباجورى، وتفشل أخرى رغم التقدير الأدبى العظيم الذى تحظى به، مثل رواية (قلب الليل) لنجيب محفوظ ولم ينقذها أن السيناريو لمحسن زايد والإخراج لعاطف الطيب.

من يفترس من؟ الروائى أم المخرج؟ تلك هى المعركة، ولم يتوقف التراشق بين الجانبين منذ رصاصة عبدالوهاب التى أصابت فى مقتل قلب توفيق الحكيم، وهو ما يواجه عشرات القلوب الأخرى!!