مى سمير تكتب: أمريكا على صفيح ساخن

مقالات الرأي



مظاهرات واضطرابات فى مختلف الولايات.. والمحتجون يلقون «البيت الأبيض» بالحجارة

نظمو المظاهرات يتحدثون عن حرب أهلية تختمر.. وترامب ينتقل إلى مخبأ سرى خوفا من غضب المتظاهرين

مجلة التايم: بعد سنوات من العنصرية الممنهجة تشكل هذه الأحداث نقطة انهيار

نقل عملاء الخدمة السرية الرئيس الأمريكى دونـالـد تـرامـب إلـى مخبأ بالبيت الأبـيـض ليلة الجمعة الماضى، بينما تجمع مئات المتظاهرين

خــارج القصر التنفيذى حيث ألـقـوا الحـجـارة وكـسـروا الحـواجـز الحـديـديـة، تنديدا بمصرع مواطن أمريكى من أصول أفريقية بسبب عنف الشرطة.

قضى ترامب ما يقرب من ساعة بالمخبأ الذى تم تصميمه للاستخدام فى حالات الطوارئ مثل الهجمات الإرهـابـيـة، وفقا لأحــد الجمهوريين المقربين من البيت الأبيض الـذى لم يكن مخولا لمناقشة الأمــور الخاصة علنا وتحــدث شريطة عـدم الكشف عن هويته لوكالة أنباء أسوشيتد برس.

 كانت هذه الحادثة مؤشرا واقعيا على تطور الأوضــاع فـى الـولايـات المتحدة التى تبدو أنها تعيش على صفيح ساخن وسط مظاهرات تندد بمصرع مواطن أمريكى من أصول أفريقية نتيجة عنف الشرطة. 

1- الغضب الأمريكى

اندلعت الاحتجاجات يـوم الجمعة بعد وفاة جورج فلويد، وهو رجل من أصول أفريقية توفى بعد أن قـام ضابط شرطة مينيابوليس بتثبيته من رقبته، وتحولت المظاهرات فى واشنطن إلى أعمال عنف وبدت وكأنها تفاجئ الضباط، وقد أسـفـرت هـذه المـظـاهـرات عـن رفـع أعلى درجـة للإنذارات فى مجمع البيت الأبيض منذ هجمات ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١.

رفضت الإدارة الأمريكية التعليق على الوضع الأمنى، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جود دير: «البيت الأبيض لا يعلق على البروتوكولات والقرارات الأمنية»، وقالت الخدمة السرية إنها لا تناقش وسائل وأساليب عملياتها الوقائية، وتم الإبلاغ عن انتقال الرئيس إلى القبو لأول مرة من قبل صحيفة نيويورك تايمز.

حسب مصادر متعددة شعر الرئيس الأمريكى وعائلته بالاهتزاز من حجم وغضب الجماهير، ولم يتضح على الفور ما إذا كانت السيدة الأولى ميلانيا ونجلها بارون البالغ من العمر ١٤ عاما، انضموا إلى الرئيس فى القبو، وحسب بروتوكول الخـدمـة الـسـريـة، يطلب العملاء الأمنيين من جميع من هم تحت حماية الوكالة بـأن يكونوا فــى المـلـجـأ تحــت الأرض، وقــد أخـبـر تـرامـب المستشارين أنه قلق بشأن سلامته، بينما أشاد بشكل خاص وعلنى بعمل الخدمة السرية.

لقد بدأ المتظاهرون الحرائق بالقرب من البيت الأبـيـض عقب تصاعد الـتـوتـرات مـع الشرطة خـلال المظاهرات التى انطلقت ردا على مقتل جـورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض فى ولايـة مينيسوتا، وقبل ساعة من حظر التجول
فـى الساعة ١١ مـسـاء، أطلقت الشرطة وابـلا كبيرا من قنابل الغاز المسيل للدموع على أكثر من ألف شخص عبر الشارع من البيت الأبيض، ما أدى إلى تشتيت المتظاهرين بالشارع. فأشعل المتظاهرون النيران فى منتصف الـشـارع، كما سحب البعض علم أمريكى من مبنى قريب وألقوه فى النار، وأظهرت صورة جوية نشرت على تويتر
الشوارع حول البيت الأبيض وهى مشتعلة.

الوضع فى محيط البيت الأبيض لا يختلف كثيرا عن الوضع فى مختلف الولايات الأمريكية، فى أعقاب الاحتجاجات، أعلن الحرس الوطنى الأمريكى أنه تم تفعيل ما يقرب من ٥٠٠٠ من الحـــراس والـطـيـاريـن لمـسـاعـدة سلطات إنفاذ الـقـانـون المحلية فـى الــرد على «الاضـطـرابـات المدنية فى ١٥ ولاية ومنطقة كولومبيا».

وجـــاء فــى بــيــان صـــادر عــن مـكـتـب الحــرس الـوطـنـى أن ٢٠٠٠ عضو إضـافـى فـى الحـرس الاحتياطى فـى وضـع الاسـتـعـداد ليتم تفعيلهم إذا لزم الأمـر، وتم اعتقال ما لا يقل عن ٤١٠٠ شخص على مــدى أيــام مـن الاحـتـجـاجـات فى جميع أنحاء البلاد منذ وفـاة جـورج فلويد يوم الاثنين الماضى.

وانتشرت الاحتجاجات التى تحمل شعار (حياة السود مهمة) على الصعيد العالمى، بما فى ذلك فى المملكة المتحدة، حيث شق الآلاف طريقهم إلى السفارة الأمريكية فى باترسى. كان يمكن سماع الحشد وهـم يــرددون «قـل اسـمـه: جــورج فلويد لا أستطيع التنفس» أثناء سيرهم بجانب نهر التايمز، وطالب المتظاهرون بالعدالة من ضباط الشرطة المسئولين عن وفاة فلويد، ويدعون إلى موت العنصرية النظامية.

فـــى ظـــل هـــذه الأحــــــداث المــتــلاحــقــة، لجأ المشاهير وأفـــراد الجمهور إلـى تويتر لمشاركة روابط لصفحات التبرع والدعم القانونى والمالى للمتظاهرين الذين تم اعتقالهم فى جميع أنحاء الولايات المتحدة.

2- نقطة الانهيار

أوضحت مجلة التايم فى تحليل لها بعنوان (نـقـطـة الانــهــيــار) أنـــه بـالـنـسـبـة لـلـعـديـد من الأمريكيين من أصحاب البشرة السمراء الذين غمروا شــوارع عشرات المــدن على مــدار الأيـام الماضية، كان مقتل جورج فلويد أحدث إهانة فى عام اتسم بالموت واليأس على نحو متزايد.

أثـــرت جـائـحـة فــيــروس كــورونــا بشكل غير متناسب على الأمريكيين الأفارقة، الذين هم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا وأكثر عرضة للوفاة من نظرائهم البيض، ويشكل الأمريكيون لأفارقة ١٢ ٪فقط من السكان، لكنهم يمثلون أكثر من ٢٦ ٪تقريبا من حالات الإصابة بفيروس كورونا وحوالى ٢٣ ٪من الوفيات، وفقا لبيانات مــراكــز الـسـيـطـرة عـلـى الأمــــراض. حيث وجدت إحدى الدراسات أن المقاطعات ذات الأغلبية السوداء تمثل ما يقرب مــن نـصـف جـمـيـع حــــالات فـيـروس كورونا وأكثر من ٦٠ ٪ من الوفيات.

كما أثر الانهيار الاقتصادى للفيروس ومحاولة مكافحته بشكل غير متناسب على المجتمعات السوداء، حيث إن ٤٤ ٪ من الأمريكيين الـسـود يقولون إن أحد أفـــــراد أســرتــهــم فقد وظيفة أو حصل على تـخـفـيـض فـــى المــرتــب بـسـبـب الـــوبـــاء، ووفـقـا لمكتب المـراقـب المـالـى، فإن معظم «العمال الأساسيين» الــذيــن خــاطــروا بحياتهم للمحافظة على إدارة مدينة نيويورك هم أشخاص من أصحاب البشرة الملونة.

وفـــــوق كـــل ذلـــــك، أدت سلسلة مــن عـمـلـيـات القتل ضد الأمريكيين السود إلـى جعل الظلم العنصرى المتفشى أكثر حدة، منهم أحمد أربيرى، الذى أطلق النار عليه من قبل الحــراس البيض أثناء ممارسة رياضة الركض فى جورجيا، برونا تايلور، العاملة فى غرفة الطوارئ ُطلق عليها النار ثمانى مرات فى منزلها بولاية كنتاكى بسبب الاشتباه فيها مـن قبل عناصر الشرطة أثـنـاء تنفيذ عملية تفتيش فى المبنى الذى تقيم فيه، وجـورج فلويد، الذى توفى بعد أن ركع ضابط شرطة مينيابوليس على عنقه لأكثر من ثمانى دقائق.

تقول بريسيلا بوركر، وهى عاملة اجتماعية تبلغ من العمر ٣١ عاما انضمت إلى المظاهرات فى بروكلين يوم الجمعة: «إما أن يقتلنا فيروس كــورونــا أو يقتلنا رجـــال الـشـرطـة أو يقتلنا الاقتصاد».

تضيف مجلة التايم أنه بعد أشهر من التباعد الاجتماعى لتجنب انتشار فيروس كورونا، مثلت الاحـتـجـاجـات نقطة الانـهـيـار لـيـس فـقـط فى مكافحة عنف الشرطة العنصرية، ولكن أيضا فى مكافحة المرض. من خلال التجمع فى حشود مع فرصة ضئيلة للحفاظ على المسافة الاجتماعية، لم يخاطر المتظاهرون الغاضبون بالتعرض إلى عنف الشرطة فحسب، بل بصحتهم الخاصة، وكـل ذلـك من أجـل سماع صوتهم بإنهاء العنف العنصري.

تقول أوزى لومبكين، مديرة المبيعات البالغة من العمر ٣٠ عاما، والتى حضرت الاحتجاج لتكريم ذكـرى العداء أحمد أربـيـرى: «أشعر بخوف من التعرض للقتل على يد ضابط الشرطة أكثر مما أخشى من الموت بسبب فيروس كورونا». تضيف لومبكين، التى تمـارس بدروها رياضة الركض: «أعتبر الركض حريتى. عندما قتل، شعرت وكأن ً من حريتى قد سلب منى». 

3- حرب أهلية
بعد الاحتجاج لسنوات ضد عمليات القتل التى تقوم بها الشرطة ضد الأمريكيين السود -مايكل براون، وإريك جارنر، وفيلاندو كاستيل، والآلاف الآخرين - يقول بعض النشطاء إنهم يشعرون بـأن القليل قد تغير، يقول جيمس تالتون أحد المشاركين فى المظاهرات: « كنت أسمع قصص عـن نـضـال والـــدى ضـد الفصل العنصرى فى جنوب الولايات المتحدة واليوم أشعر وكأننى ما زلت أتعامل مع نفس المأساة التى عاشها والدي»، لـهـذا الـسـبـب، يـقـول تـالـتـون، إنــه رغــم رفضه لعمليات السرقة والنهب، يتفهم لمــاذا سيدمر المتظاهرون الغاضبون الممتلكات، مضيفا: «كى نحصل على الاهتمام الذى نحتاجه».

يـقـول قـــادة الحــركــة إن هــذه اللحظة مختلفة بين المذبحة الصحية والاقتصادية التى تسببت فيها فيروس كـورونـا، وقمع الـشـرطـة العنيف للاحتجاجات، وتـــغـــريـــدات الــرئــيــس الـتـى وصــــــفــــــت الــــنــــاشــــطــــين بــ«الـبـلـطـجـيـة» وتـهـديـدهـم بــــ «الـــكـــلاب الــشــريــرة»، والتوترات العرقية، تصاعد الوضع إلى نقطة الانهيار.

«هـــنـــاك حــــرب أهـلـيـة تـخـتـمـر بــالــفــعــل»، هـكـذا صــرحــت ألـيـشـيـا جــــارزا، وهى إحدى المنظمين البارزين فـى مـجـال الـعـدالـة العرقية ومـــؤســـســـة مــخــتــبــر بــلاك فـيـوتـشـرز الـــذى سـاعـد فى صياغة عبارة «حياة السود مهمة» التى تحولت إلى شعار لهذه المظاهرات.

أضـافـت غـــارزا: «المتعصبون البيض هم الآن فوق سطح الأرض ويعملون فى وضح النهار ويشجعهم رئيسنا والبيت الأبيض».

وأشــــارت مجلة الــتــايم إلــى أنـه مع هذا المفهوم المثير للقلق، دخلت المعركة مرحلة جديدة، ويقول ديراى مـاكـيـسـون، وهــو نـاشـط فــى مجال الحـقـوق المـدنـيـة وأحــد أبــرز الـوجـوه القيادية فـى هـذه المـظـاهـرات: «الآن يــبــدو الأمـــر وكـــأن الــنــاس يـعـرفـون الـصـواب والخـطـأ، لكنهم لا يعرفون كيفية إصلاحه».