سامى جعفر يكتب: «أطباء وكورونا».. كيف يمكن خوض حرب والتشكيك فى الجنود؟

مقالات الرأي



الإشادة بالفرق الطبية وتخوينهم مع أول انتقاد ضار جدا ولا يمكن لبلد التهوين من عمل أى من أبنائه

منذ أيام قليلة كانت مصر كلها توجه التحية إلى الأطباء وبقية أعضاء الفرق الطبية الذين يواجهون وباء كورونا، ليس فقط بتقديم مزيد من الجهد فى علاج المصابين ولكن لارتفاع احتمالية إصابتهم بالفيروس، وهو ما حدث بالفعل وتوفى عدد منهم وأصيب آخرون.

ومن المخجل أن تكون عاصفة التأييد الموجهة للفرق الطبية وتسميتها بـ«جيش مصر الأبيض» مدفوعة بإشادة الرئيس عبد الفتاح السيسى بهم، وسرعان ما بدأ البعض يوجه الإهانة لهم بمجرد بعض الانتقادات التى وجهها عدد من شباب الأطباء لإجراءات الوقاية فى المستشفيات ونقص مستلزماتها، مشفوعة بتقديم استقالات من عملهم، وتصاعد الموقف بسرعة شديدة رغم أن الاستقالات لا تنفى أن غالبية الفرق الطبية والمعاونة موجودة بالفعل فى العمل وتمارس واجبها الإنسانى.

النفاق وحده مسئول عن تحويل إصابة عدد من الأطباء بالفيروس إلى أزمة شديدة قد تؤثر بالفعل على خطة الدولة فى مواجهة كورونا وربما النظام السياسى، لأنه لا يمكن الرد على مطلب مشروع بتوفير وسائل الوقاية من العدوى باتهام بالخيانة حتى لو كان صاحب المطلب من غير مؤيدى النظام.

مع بداية أزمة كورونا خصصت الدولة 100 مليار جنيه لمواجهة الآثار المترتبة على انتشار الفيروس منها 7.5 مليار جنيه مخصصات إضافية لقطاع الصحة للإنفاق على المكافآت المرصودة للفرق الطبية العاملة فى مستشفيات العزل وعلى شراء احتياجاتها من مستلزمات الوقاية، ولكن من المفترض أن يلبى المبلغ المطلب الأهم وهو توفير الحماية للعاملين بالمستشفيات مع زيادة احتمال إصاباتهم بالعدوى.

وأؤكد من خلال معرفة مباشرة ببعض المستشفيات أن توفير مستلزمات الوقاية ليس على المستوى المطلوب أو أقل من المطلوب بكثير، إذ يوجد نقص واضح فى الكمامات والقفازات والمطهرات، وتحاول بعض إدارات المستشفيات الحصول على حاجتها مؤقتا من خلال جمع التبرعات من الأثرياء فى المجتمع المحلى.

الأمر الثانى أن بعض الأطباء الذين أعلنوا عن استقالاتهم كانوا حريصين على إعلانها عبر حساباتهم الشخصية على السوشيال ميديا وبدا لى أن الدافع ليس إصلاح القصور ولكن لتفجير أزمة وبث الرعب بين زملائهم ودفعهم لاتخاذ مواقف مماثلة.

وليس غريبا أن يتحول أى ملف فى مصر إلى أزمة وأن تنشب خلافات حول جدوى كوبرى أو مشروع استزراع سمكى أو رصف طريق وغيرها من الأمور، خصوصا مع اهتمام قناة الجزيرة القطرية ببث أخبار وفيديوهات تزعم بوجود انهيار فى المنظومة الصحية فى مصر وأن المرضى لا يجدون أماكن للعلاج وأن الأطباء يطردونهم ويرفضون علاجهم.

وتعود نفس القناة الخبيثة للحديث عن معاناة الأطباء وما يتعرضون له من مضايقات واعتداءات من جانب الأهالى والمرضى والدولة، وهى بالطبع لا تريد خيرا للمريض أو الطبيب على السواء ولكن لإفساد العلاقة بين فئات الشعب وزيادة التوتر بداعٍ أو بدونه.

فى دول كثيرة أكثر تقدما من مصر مثل إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد سمعت منذ نحو شهرين شهادات أطباء عرب يعملون هناك وقالوا إن هناك نقصا فى مستلزمات الوقاية من الفيروس وأنهم يضطرون لشراء كمامات وقفازات من أموالهم الخاصة، وفى مرحلة ما كانوا لا يجدون ما يشترونه مع تأخر فى الاستجابة لطلبات إدارات المستشفيات التى يعملون فيها دون أن يلمح أحدهم إلى أن الأمر رغم خطورته سبب يدعو للاستقالة لأن مساعدة المريض واجب إنسانى والتهرب منها يوازى الهروب من الجيش خلال الحرب.

ورغم هذا يجب على وزارة الصحة وغيرها أن تصمت تماما عن لغة التخوين والإدعاء بأن خرفان جماعة الإخوان يفتعلون الأزمات والاعتراف بوجود تقصير إذا كان موجودا والكشف عن الحقيقة بوضوح وشفافية تامة لأبنائها أولا ولبقية المواطنين.

ويجب أن يكف البعض عن التهوين من دور الأطباء والفرق الطبية لأنه لا يمكن لبلد أن تستهين بدور أحد مواطنيه سواء كان عامل النظافة أو قاضيًا أو ضابطًا أو وكيل وزارة.