خطيب الحرم المكي: للنعم أصول ثلاثة

السعودية

بوابة الفجر



أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي المسلمين بتقوى الله، وقال فضيلته في خطبة الجمعة، التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: أيها المسلمون في كل مكان، العيد شعيرة من شعائر الإسلام، وموسم لتجديد المحبة و الوئام، جعل الله أعيادكم سرورا، و زادكم فرحا و حبورا، وأعاده عليكم في رخاء و إيمان، وأمن وأمان، وصحة وعافية، ورفع للوباء والجائحة.

إخوة الإيمان: إن نعم الله تعالي لاتعد و لا تحصى، وهي نعم ظاهرة وباطنة، ورب نعمة خفية باطنة كانت أعظم من نعمة بينة ظاهرة، فالعباد عاجزون عن عد النعم، فضلاً عن القيام بشكرها، وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغى عنه ربنا، أي نعمك ربنا مستمرةً علينا غير منقطعة طول أعمارنا، ولقد استشعر الناس في هذه الجائحة أصول النعم الثلاثة التي لا يمكن أن يهنأ عيش الإنسان إلا بها، ففي سنن الترمذي بسند حسن قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم آمناً في سربه، معافاً في جسده، عنده قوت يومه، كأنما حيزت له  الدنيا، ففي هذا الحديث الشريف تذكير بنعم اعتادها كثير من الناس حتى كادوا لا يشعرون بقيمتها، فالأصل الأول من هذه النعم هو ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم من نعمة الأمن والأمان في النفس والأهل والوطن والمال، وهو ما بدأ به إبراهيم عليه السلام في دعائه للبلد الحرام: "وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا بلدا آمنا وأرزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر". 

ولقد أمتن الله تعالى على رسوله وأصحابه، في تقديم نعمة أمن المأوى على الطيبات من الرزق، فقال سبحانه: "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون". 

فإذا عم الأمن البلاد، وأمن الناس على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ضربوا في الأرض وسعوا لطلب الرزق، لا يخشون إلا الله تعالى، فاللهم لك الحمد على نعمة الأمن والأمان. 

وتابع بالقول: وأما الأصل الثاني من أصول التعم فهو طلب السلامة والعافية، وهذه النعمة من أكرم المنن، ومن أفضل ما يهبه الله تعالى لعباده، ففي مسند الإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تؤتوا شيئاً بعد كلمة الإخلاص مثل العافية، فاسألوا الله العافية، فمن سره أن تدوم له العافية، فليتق الله تعالى في السر والعلانية، وسؤال الله العافية فيه تقدير لنعم الله العظيمة، واعتراف بحاجة العبد لخالقه، ودوام لطفه وعافيته، وهو من أفضل الدعاء، وأحبه إلى الله تعالي، وكان صلى الله عليه وسلم حين يمسي وحين يصبح يقول: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي. 

وأضاف فضيلته: والأصل الثالث من أصول النعم فهو حصول المرء لقوت يومه من طعامه وشرابه، والماء اعظم النعم وهو أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم، ففي  سنن الترمذي بسند صحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما يُسأل عنه يوم القيامة، يعني العبد من النعيم أن يُقال له: ألم نصح لك جسمك، ونرويك من الماء البارد، ثم لتسألن يومئذ عن النعيم. 

فيا أخي المبارك إذا أردت راحة البال، وحسن المآل فانظر في أمور الدنيا إلى من هو دونك؛ حتى تعرف قدر نعمة الله عليك، وانظر في أمور الدين إلى من هو فوقك؛ حتى تعرف قدر تقصيرك في حق مولاك؛ فتسعى إلى تكميل نفسك، ويا مَن ألبسك الله تعالى ثوب العافية ، ومَنَّ على أهلك بالسلامة، وكفاك قوت يومك، ورزقك أمن قلبك، وطمأنينة نفسك فقد جمع الله لك جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فاستقبل يومك بشكرها، بأداء الواجبات، واجتناب المحرمات؛ لتكون من الشاكرين. 

وقال فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي في الخطبة الثانية: الحمد لله الذي مَن علينا بشريعة الإسلام، وبتيسير الصيام والقيام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أفضل من تعبد لله، وصام وقام. 

إخوة الإيمان، لقد ودعنا قبل أيام قلائل شهر كريم، وموسم عظيم انقضت أيامه، وتصرمت لياليه، وطويت صحائفه، فمن غنم فيه طهارة قلبه، وزكاة نفسه أصبح بعد رمضان على الخير مقبلا؛ لأن من علامات قبول الحسنة، الحسنة بعدها، وأعلم أخي المبارك أن العُجب والرياء مفسدان للعمل، فهذا إبراهيم عليه السلام لما بنى البيت الحرام بأمر من الله تعالى خشي ألا يتقبل منه فقال: "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم". 

وفي صحيح الجامع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العُجب العُجب ، فلذا كان السلف رضي الله عنهم يحذرون من العُجب ،  و يُحذرون منه ، و لئن انقضى شهر الصيام فقد جعل الله الحياة كلها فرصة للصيام و القيام ، فاستكثروا من النوافل و القربات ، و استبقوا الخيرات ، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من صام رمضان ، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ، و ذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فرمضان بعشرة أشهر ، و الأيام الستة بشهرين ، و عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، و جاء الحث على صيام الاثنين و الخميس من كل أسبوع ، و أيام البيض من كل شهر ، و لنعلم معاشر المؤمنين أن أفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل ، و في سنن أبي داود بسند صحيح قالت عائشة رضي الله عنها : لا تدع قيام الليل ، فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يدعه ، و كان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا.