د. هاني أبو العلا: "التعليم عن بعد.. هل هو الحل؟ عفواً! التفكير داخل الصندوق"

مقالات الرأي

بوابة الفجر



تشهد تلك المرحلة لغطاً كبيراً ليس في الأوساط التعليمية فحسب، بل في المجتمع المصري ككل في مسألة الإتجاه نحو التعليم عن بعد، تلك المسألة التي نالت حقها من المناقشات المجتمعية من قبل حين تبناها الدكتور طارق شوقي، وكانت ردود الفعل المجتمعية ما بين مؤيد ومعارض دون أن تنتهي بوضع خارطة طريق واضحة تدعم أحلام وزارة التربية والتعليم في التحول نحو نظام تعليم حقيقي يعتمد على تقنيات العصر، أو أطروحات لمحاولة تذليل العقبات الظاهرة للعيان، فكانت النقاشات بين معارض من أجل المعارضة فقط، و مؤيد لا يشغل باله إلا الدفاع عن الفكرة متجاوزاً لكل العقبات الموجودة ومحاولة التحقير منها، فهذا للأسف هو حال معظم نقاشات المجتمع المصري في هذا العصر.

وحتى لا نسلب وزير التربية والتعليم حقه، ففكرة التحول لا يمكن انكار أنها تمثل حلاً سحرياً لكثير من المشكلات المتراكمة للتعليم من ناحية، كما أنها ترقى بالمنتج التعليمي إلى حد الطالب الباحث المتعلم، المسلح بأدوات العصر، القادر على المساهمة في حل المشكلات كنقلة نوعية من الطالب (الحَفِّيظ) الذي اعتمد على تلقينه المعلومات النظرية في مراكز الدروس الخصوصية ليختزنها في ذاكرته ثم ليفرغها في ورقة الامتحان فحسب وبها ينتقل لكليات القمة.

كانت هذه هي الفكرة والأطروحة، و كان التفكير خارج الصندوق، لكن مع صدق نواياها وعظمتها فقد اصطدمت بكثير من المشكلات لا يمكن انكارها، فالأدوات غير المتاحة، فنقص الأجهزة و نقص وعدم كفائة شبكات الإنترنت كانت أولى هذه العقبات، بينما كان عدم التدريب الكافي للطالب والمدرس على حد سواء عقبة أخرى، ثم نأتي للعقبة الكؤود والأشد ضراوة وهي مسألة الاستعداد النفسي للتحول، فليس الطالب الذي اعتاد على حجز مكانه في مراكز دروس أباطرة الدروس الخصوصية (الامبراطور، الدكتور، الاسطورة)، مهيئاً لدخول تلك التجربة الجديدة المخيفة بالنسبة له، ولا المدرس الذي ركب أفخم السيارات نتيجة شهرته في التلقين في مراكز الدروس الخصوصية، وإن كان راتبه فقط لا يكفيه (للمعيشة من الأساس)متحمساً لتلك الفكرة التي سوف تودي بما حققه من مكاسب من عمله في مراكز الدروس الخصوصية. ولا نكون ظالمين لو جزمنا بأن التجربة تترنح أمام تلك العقبات، التي تحتاج إلى حلول جذرية لانجاز التجربة بنجاح، وحتى لا ندعي ما يخالف الواقع.

وليست الجامعات ببعيد، وإن كانت الظروف مختلفة، فقد دفع تفشي فيروس كرونا المستجد والدعوة لمنع الاختلاط والتباعد الاجتماعي وغياب الطالب والأستاذ عن الجامعة إلى البحث عن طرق بديلة للتعليم، فهرعت الجامعات لاتخاذ خطوات بديلة تحاول فيها تادرك المشكلة بالمتاح من أدوات، فلجأ الكثير لمواقع التواصل الاجتماعي، بينما لجأ البعض إلى منصات (مجهولة الهوية) للتواصل، التي تفتقد الكثير من أدوات التعليم والتعلم والتقييم، ولا شك إنها جميعاً محاولات محمودة لتجاوز تلك الفترة الاستثنائية.

لكن دعونا من داخل الصندوق نحلل تلك التجربة سوياً ونرصد أهم نقاط القوة والضعف والمهددات والفرص دعماً لصانعي القرار في حالة ضرورة تعميم نظم التعليم عن بعد داخل الجامعات المصرية.

ولعل من أولى نقاط القوة هي التحول السلوكي التلقائي للطالب وعضو هيئة التدريس نحو ضرورة التحول الرقمي واستخدام بدائل تكتولوجية للتدريس وما يعقبها من تحولات في المعالجات نحو توجيه الطالب لتنمية مهاراته و جعل التلقين في حده الأدنى، فلعلها نقطة تحول سلوكية كانت تستغرق وقتاً طويلاً للاقناع دون حدوث تلك المحنة.
و أهم نقاط الضعف هي عدم وجود منصات تعليمية موثوقة و ضعف خوادم الإنترنت المؤهلة للتحول، فضلًا عن نقص إمكانيات الاتصال بالإنترنت لدى كثير من الطلاب في الأقاليم والقرى الأكثر فقراً و عدم وجود برامج كافية للتدريب.

وليس أدعى من كورونا ذلك الفيروس شديد الصغر، الذي أودى بأعتى الاقتصاديات بأن يجعلنا نُدرك أننا لسنا بعيدين عن المهددات المجهولة في أي وقت، مما يستوجب علينا المسارعة في التخطيط لنظام قويم للتعليم عن بعد يمكن الاعتماد عليه بشكل كلي وقت الحاجة لذلك.

أما عن الفرص فهي كثيرة، ففي الوقت الذي نالت مصر فيه ثقة معظم الهيئات الدولية نتيجة سياسة حكيمة للقيادة السياسية، التي آثرت أن تدعم الدول الأشد ضرراً من كرونا إبان الأزمة، فالفرصة تكون سانحة مستقبلاً في انشاء نظماً منضبطة للتعليم عن بعد في المدارس والجامعات على حد سواء، بدءاً بتوفير انترنت مجاني لجميع ربوع البلاد وانتهاءاً بتجهيز المنصات التعليمية و إعداد برامج شاملة للتدريب عليها، اعتماداً على مخاطبة الجهات الدولية المانحة للتحول الرقمي.

جاء هذا التحليل محاولة للتفكير من داخل الصندوق، دعما لصانع القرار في وضع خارطة طريق واقعية والبحث عن سبل لحل مشكلات التحول، حفظ الله مصر..  "الله - الوطن - التعليم".

الدكتور هاني أبو العلا أستاذ جغرافيا العمران ونظم المعلومات الجغرافية ووكيل كلية الآداب - جامعة الفيوم