د. رشا سمير تكتب: ليالينا 80 وأيامنا الحلوة

مقالات الرأي




الواقع الدرامى هذا العام يشهد أن هناك أزمة سيناريوهات واضحة.. أزمة سيناريست وكاتب مبدع يستطيع أن يُحيك التفاصيل كالخياط الماهر الذى يصنع من الدانتيلا قماشة تصلح للزهو..

بعض الأعمال عانت من المط والتطويل وبالتالى الترهل فى توصيل الفكرة، البعض الآخر نجح فى جذب المشاهد أمام الشاشة.. سقط نجوم كبار فى فخ التكرار والهزل وسطع نجوم صغار استطاعوا أن يعتلوا سماء الساحة الفنية بأدوار بسيطة لكنها أظهرت مواهب متفردة فى التمثيل..

وسط هذا الكم من المسلسلات جذبنى مسلسل بالصدفة.. وتسللت إلى أذناى أغنية التتر الحالمة التى أعادتنى إلى أيام جميلة عشتها وعاشها جيلى بأكمله على صوت وردة الجزائرية.

مسلسل (ليالينا 80) قصة أحمد عبد الفتاح وإخراج أحمد صالح، وبطولة كوكبة من نجوم الصف الأول والثانى الذين دون شك سيعتلون الصفوف الأولى بعد هذا المسلسل..

القصة تأخذنا إلى الثمانينيات، وهنا يجب أن أحيى مهندس الديكور رمسيس سليم والستايلست مها بركة وخالد عبد العزيز على الأجواء التى نقلونا إليها بكل سلاسة، فمن المبانى القديمة واللقطات التى استعانوا بها من الأفلام التسجيلية القديمة،من شكل الشوارع وملابس الأبطال، والدكاكين ومطعم ويمبى وجروبى وأغانى عبد الحليم حافظ ومسلسلات تلك المرحلة القديمة التى احتلت وجدان جيل بأكمله.

يبدأ المسلسل بحادث اغتيال الرئيس السادات وما صاحب ذلك من حزن شديد خيم على البلاد، اغتيال بطل الحرب والسلام، الحادث الذى كان نقطة تحول كبيرة فى تاريخ مصر.. ومن هذا الحادث يتطرق المسلسل إلى أحداث أخرى مهمة فى تاريخ مصر كان لها الكثير من التداعيات.. وأثر فارق فيما هو آت.

على سبيل المثال، تطرق المسلسل لمسألة هدم المسارح ودور العرض الكبيرة التى شكلت وجدان الشعب المصرى طويلا، على يد مستثمرين ورجال المال والأعمال من دول الخليج.. وبناء أبراج على أنقاضها لتصبح الحرب هى حرب المال أمام الإبداع.. وينتصر المال بكل أسف فى تلك المعركة.. وللأسف استمرت تلك المعركة حتى سنوات قليلة ماضية ففى مدينة السويس وصل الأمر إلى هدم 18 دار سينما من بينها سينما ومسرح الفنان الكوميدى ابن السويس إسماعيل يس، كما تعرضت أجزاء من 5 دور سينما أخرى إلى الانهيار وباعها مالكوها، لينتهى أى وجود لدور السينما التاريخية فى محافظة السويس.. هنا يجب أن أحيى السيناريست الذى قرر أن يتناول تلك القضية الهامة المسكوت عنها.

كما يشير المسلسل إلى ما حدث من المشايخ والجماعات الإسلامية من السطو الممنهج على تجارة العُملة وبالتالى على الاقتصاد المصرى، وما صاحب تلك المرحلة من تسلل الفكر الوهابى تحت مسام المجتمع المصرى ببطىء وكأنها غزوة بربرية صاحبها انتكاسة حقيقية للمجتمع، وهو ما يرسخ لحقيقة أن الثمانينيات كانت بداية انهيار تدريجى للمجتمع المصرى، وسحب البساط الثقافى من تحت أقدام المواطن المصرى ليحل مكانه البدع والتشدد والدعوات الدينية التى دست الأفق مثل السُم فى العسل بعقول الشباب.. للأسف فقدنا هويتنا ومسخت ملامحنا.

بعيدا عن التاريخ قدم المسلسل أولا صورة بديعة لرمضان والعيد والأفراح والحياة الاجتماعية التى كانت هى عنوان كل البيوت قبل أن يدخل الغزو الإلكترونى والهواتف المحمولة إلى حياتنا.. فى رحلة يومية إلى شوارع وسط البلد، جروبى وعمر أفندى وحلوانى أحمد عطية والمقاهى القديمة.. كل ما هو جميل وكان انعكاسًا لصورة مصر الجميلة، كما تطرق لعلاقات وقيم اجتماعية كانت هى عنوان المرحلة مثل أهمية إنجاب الذكور وسطوة الأخ الأكبر والأم التى تهب حياتها لأبنائها ولمة العيلة وأهميتها وترابط الجيران وكأنهم أهل..

أما عن الأداء.. فيجب أن ننحنى بشدة أمام عبقرية خالد الصاوى، ممثل معجون بالإبداع، صدقته فى كل مشهد، نبرة الصوت، الإقناع، الحنان، الغضب.. ألف صورة استطاع أن يسكنها وتسكنه.. الحقيقة هو بطل هذا العام بدون منازع.. هو آل باتشينو الشرق عن جدارة.

أما صابرين فما قدمته هو دور عمرها بلا جدال، تألقت ونجحت لتستعيد مكانها وسط المبدعات وتقف فى الصفوف الأولى متفردة.. غادة عادل نجحت بعيدا عن عادتها فى تقديم الأدوار الخفيفة فى دور ثقيل وبه أبعاد كثيرة.. إياد نصار أيضا تميز على رغم من تكراره لدور الزوج الخائن.

النجاح الحقيقى لهذا العمل هو ميلاد نجوم من جيل الشباب، فتحية لكل من قدم دورا متميزا، الشابة الموهوبة رنا رئيس فى دور ابنة غادة عادل رائعة ومتميزة، المبدعة جيهان أنور فى دور راوية كل التقدير، محمد على رزق فى دور هو شهادة ميلاد جديدة له وشخصية تقمصها باقتدار.. محمد عادل الصاعد بسرعة الصاروخ، حُسنى شتا الذى يمتلك الكثير ليقدمه بعد دور ناجح، سارة التونسى التى تألقت فى دور الزوجة المقهورة، نهى عابدين ومنة عرفة.

ليالينا 80 دراما ناعمة أعادتنا لزمن ليالى الحلمية وأرابيسك وغيرها من المسلسلات التى رسمت تاريخ مصر وخلدته.. عمل درامى متميز قدم صورة لأجيال لم تشهد بداية الاحتلال الدينى والفكرى ولكنها دون شك كانت شاهد عيان على تداعياته.