الناصر محمد بن قلاوون.. حكم مصر 3 مرات.. والمصريون قاموا بثورة لإعادته إلى السلطة

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


حمى مصر من خطر الفيضان.. وقام بتخفيض الضرائب والرسوم وحقق الشكاوى بنفسه

السلطان الناصر محمد بن قلاوون هو السلطان التاسع فى عهد السلاطين المماليك، وتولى حكم مصر بعد وفاة أبيه عام ٧٩٣ هجريا، وعمره لا يتجاوز الـ٩ سنوات، فقام أمراء المماليك بحكم مصر باسمه.

وقام كتبغا الأمير الذى كان نائباً للأب بالتصرف فى الحكم وقضى على الطامعين فى الحكم مثل الأميرين سنجر وحسام الدين لاجين ثم ساعد كتبغا الأخير على النجاة من الموت مقابل المشاركة فى الإطاحة بالناصر لتنتهى فترة حكم الأخير التى امتدت إلى سنة إلا 3 أيام.

ولكن كتبغا فشل فى إدارة البلاد خصوصا مع شدة الغلاء بسبب تناقص فيضان النيل، وانتشار الأوبئة التى قضت على معظم السكان، حيث كان عدد الوفيات بسبب الوباء فى القاهرة وحدها أكثر من ٧٠٠ شخص يوميا.

وخلال هذه الفترة انقلب حسان الدين لاجين على كتبغا وتولى الحكم مكانه، أرضى المصريين بتخفيض أسعار سعر القمح والشعير واللحم، والاهتمام بالفقراء، كما أعاد السلطان الناصر، إلى السلطة وحكم باسمه وأبعده إلى الكرك، بعد نحو عامين قتله المماليك.

تم استدعاء الناصر من الكرك، ليتسلم الحكم للمرة الثانية رغم أن عمره كان ١٤ عاما، وكانت أول قراراته تعيين سلار نائبًا له، والأمير بيبرس استادرا له، أى المسئول عن شراء احتياجات المطابخ السلطانية من لحوم وتوابل، كما كان متذوقًا لطعام السلطان خشية من دس السم له.

وخلال هذه الفترة دخلت مصر حربا ضد المغول لمنعهم من الاستيلاء على دمشق شارك فيها بنفسه حيث لقى المغول هزيمة فى معركة مرج الصفر حيث استقبله المصريون بإقامة الزينة من باب النصر حتى قلعة الجبل.

لم تكن هذه هى المعركة الوحيدة التى خاضها الأمير الصغير، إذ حارب الأعراب الذين كانوا يقطعون الطريق على التجار فى الصعيد خاصة بين أسيوط ومنفلوط، حيث دبر لهم كمينا بعد أن روج بأن أمراء المماليك سيسافرون إلى الشام، وقضى على السرقة والنهب، كما انتصر على الصليبيين فى جزيرة ارواد بعد أن بنى أسطولا قوياً.

واثناء الاحتفال بالنصر، أصاب مصر زلزال عظيم هدم المنازل، وجعل المصريين يفترشون الخيام فى الشوارع من بولاق إلى الروضة، وسط هبوب رياح شديدة دمرت بعض مدن الصعيد، مثل مدينة قوص، كما استغل اللصوص هذه الأزمة وسرقوا المنازل التى تركها أصحابها خشية وقوعها عليهم، وأمر الناصر بإصلاح المنازل والمساجد المهدمة مثل جامع عمرو بن العاص والجامع الأزهر ومسجد الحاكم بأمر الله.

وتدخل بيبرس وسلار فى كافة شئون الناصر وعندما ضاق بحصارهما زعم أنه سيسافر إلى الحج لكنه اتجه إلى الكرك ولكن الأميرين هدداه ليعود ثم قررا خلعه، حيث تولى بيبرس الجاشنكير السلطنة وعين سلار نائبا له، لتنتهى 10 سنوات من حكم الناصر.

ورفض بعض أمراء المماليك مبايعة بيبرس وتمسكوا بالناصر، وطالبوه بالعودة، لكنه نصحهم بالصبر ولكن بيبرس طلب منه إعادة المماليك الذين سافروا إلى الكرك لكن الناصر رفض واتفق مع أمراء الشام على معاونته لاسترداد ملكه، وهو ما حدث بالفعل خصوصا مع المصريين لبيبرس مع سوء الأحوال فى البلاد بسبب الوباء وانخفاض منسوب مياه النيل.

وتولى الناصر الحكم للمرة الثالثة ودامت هذه المرة قرابة الـ٣٠ عام، بدأت بالانتقام من بيبرس، وكل من نهب أموال الدولة فى عهده، قبل تعمير البلاد، وإيقاف أذى الفيضان ببناء ما يشبه السد وسط النيل من جزيرة الروضة إلى الجزيرة الوسطى.

كما انتعش الاقتصاد فى عهده وذلك بعد مراقبته الشديدة للأسواق والتجار، والقضاء على السرقة فى الميزان، والتلاعب فى الأسعار، ومنع الغش، كما ظهرت فى عهده الأسواق المتخصصة مثل سوق الفحامين وسوق العطارين.

ولم ينس الناصر دور المصريين فى الوقوف معه، ودعمه فى مراحل حكمه الثلاث، ومساعدته فى العودة الى الحكم بعد أن قاموا بثورة ضد بيبرس من أجله، فاهتم بإنصافهم وأمر بإعادة فتح دار العدل وكان يسمع شكاواهم كل يوم اثنين بنفسه ما جعل الأمراء يخافون من ظلم المصريين.

كما ألغى الناصر بعض الضرائب وطلب من الحكومة التنازل عن المتأخرات وألغى الرسوم على استخراج الملح، وأبطل الجباية عن زارعى القصب وأعفى أصحاب السفن من الرسوم وأقال بعض أمراء المماليك من مناصبهم لتلقيهم الرشوة، وأنشأ مستشفى لمرضى الجزام والبرص فى إقليم الفيوم، بعد أن كانوا يعيشون وسط القاهرة.

وشهد الجميع أن الناصر كان حسن الخلق، لطيف الطبع، عف اللسان، رحب الصدر، شديد الغضب فى الحق، لا يميل الى الزخرف فى الملابس، كما كان متدينا، فأدى مناسك الحج اكثر من مرة، وقام بغسل الكعبة بنفسه.

وكان الناصر كثير العطف على أهل الحجاز، وعندما حدث القحط فى بلادهم أمر بأن يحمل القمح إلى مكة بكميات وفيرة، كما كان يهتم بإرسال المحمل كل عام بكسوة الكعبة التى أمر بأن تصنع من الحرير، ويرسل الأطعمة وما تمتاز به مصر إلى الحجاز كل عام. وتوفى الناصر بن قلاوون بعد مرضه الذى أصابه حزنا على وفاة أحد أولاده عام ٧٤١هجريا، وكفن وغسل ودفن فى القبة المنصورية بجوار والده وعمره ٥٧ عاما، بعد أن أخذ يصارع المرض لمده ١١ يوما فقط.