«ست الملك» المرأة الحديدية التي حكمت مصر

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


حكمت ٤ سنوات وطلبت من المصريين أن يلجأوا إليها مباشرة للمطالبة بحقوقهم

شهد التاريخ الإسلامى بزوغ أسماء سيدات كثيرات كان لدورهن أهمية كبيرة فى نصرة الإسلام والدولة الإسلامية، ورسوخ قواعدها عبر العصور.

ولم يذكر التاريخ فقط دور الست المسلمة، بل أيضا الست المصرية عبر التاريخ، والتى يشهد لها التاريخ بالقوة والنجاح عبر العصور، وربما كان السر فى مصر نفسها، والتى كانت حاضنة للإناث ومسئولة عن تنشئتهن أقوياء وناجحات.

واليوم نتحدث عن امرأة حديدية من نوع فريد، ذكرها التاريخ وسيذكرها أبد الدهر لما فعلته من أجل الحفاظ على الدولة، وهى «ست الملك» أو «ست الكل» كما كانوا يلقبونها، وهى ابنه الخليفة الفاطمى «العزيز بالله» والشقيقه الكبرى للخليفة الحاكم بأمر الله من أم  مسيحية.

وتذكر المصادر أن شقيق والدتها كان أحد البطاركة بالكنيسة المصرية، لذلك كان يعامل العزيز بالله المسيحيين فى عهده معاملة حسنة ويتقلدون المناصب من اجل ابنته وزوجته.

كما كان العزيز بالله يدلل ابنته ويستشيرها فى كل كبيرة وصغيرة فى الدولة الفاطمية، حتى تمكنت من قراءة ما يدور بالدولة والمخاطر التى تواجهها، وطبيعة المصريين، وكانت تساعد والدها فى إدارة شئون الدولة بشكل غير معلن، حتى توفي عام (٣٨٦ هجريا – ٩٩٦ ميلاديا)، وانتقل الحكم إلى شقيقها الحاكم بأمر الله، وكان وقتئذ عمر «ست الملك» ٢٦ عاما، والحاكم يبلغ من العمر ١٢ عاما، وعندما تولى الحكم كان وصيا عليه «أبو الفتوح برجوان»، وكان هو المسئول عن تربيهةالحاكم، والذى سمى على اسمه «باب الفتوح» بحى الجمالية، وأيضا حارة برجوان» لكنه استاثر بالحكم والسلطة حتى سئم منه الحاكم، وبمساعدة شقيقته «ست الملك» تم القضاء عليه واسترد الحاكم بذلك سلطته الفعلية.

وامتد عهد الحاكم ٢٥ عاماً، تلاصقه «ست الملك» وتساعده على اتخاذ قراراته، وتنصحه عندما يخطئ رغم اختلاف المصادر حول حكم الحاكم بأمر الله وعلاقته بأخته، إلا أننا سنسرد الرأيين اللذين يختلفان على الحاكم بأمر الله ويتفقان على أن ست الملك كانت محبوبة من الناس وخيرة تريد أن تصلح الأمور مع أهل مصر.

رأت بعض المصادر أن عهد الحاكم بأمر الله كان مليئًا بالدم والقرارات الشاذة، فأخذ يسفك الدماء ويأمر بهدم الكنائس، وحرم بعض المأكولات، ومنع خروج النساء لمدة ٧ سنوات، إلا أن شقيقته كانت تحثه دائما على ترك هذه الأمور والاعتدال فى الحكم، حتى لا يكون خراب البيت على يده، وإن رد الحاكم على ذلك حينذاك، بأنه اتهمها أنها على علاقة مشينة بالرجال، وعلى رأسهم عبدها الذى كانت تعتمد عليه فى كل الأمور، وهو العطوف والذى أطلقت اسمه حارة العطوف بالجمالية، وأوشى بقتله.

وترى بعض المصادر التاريخية الأخرى أن «ست الملك» فى هذا الوقت كانت تبلغ ٥٠ عاماً من عمرها، وكانت شديدة التعلق بالحاكم، كثيرة النصح له.

كما نسجت أيضا بعض المصادر رواية  حول أنها كانت سببا فى مقتل الحاكم بأمر الله» بعد أن استدعت رجلاً من الشام وأوشت بالحاكم عنده أن يقتله عند صعوده لجبل المقطم ليستكشف النجوم، وكانت هذه عادة عند الحاكم، وهو ما نفته مصادر أخرى.

والدليل على تضارب الأقاويل حول ست الملك لا يثبت سوى أنها كانت امرأة قوية ذاع صيتها وأهميتها، فكان على كارهى الدولة الفاطمية تشويه السيدة التى حاولت ان تحافظ على الحكم فى وجود 3 حكام.

ورغم الاختلاف حول مقتل الحاكم إلا أنه بعد وفاته أسرعت ست الملك فى تهيئة الحكم من أجل ابنه كعادة الإسماعيليين فى تولية أبنائهم بعد وفاتهم، رغم أن الحاكم كان قد تنازل لابن أخيه قبل مماته إلا أنها لم تقبل بذلك وقررت أن تسير على عهد آبائها وأجدادهم، فأسرعت إلى رجال الدولة واتفقت مع بعضهم أن توليه مناصب، ومنهم من اتفقت معه على أموال مقابل تغيير ذلك المكتوب وصعود ابن اخيها الحاكم على العرش.

وبالفعل أتت بالصبى الصغير وألبسته أفضل الثياب وتاج جده العزيز بالله، وسلمته إلى ابن دواس أحد رجال الدولة ليسير به فى قافلة تجول فى أنحاء مصر، مع إعلان الحداد ٣ أيام، وتولى ابنه مقاليد الحكم بدلا منه، فبايعه المصريون، وأغدق المال عليهم ما أسعد المصريين، وبذلك أصبحت ست الملك هى الحاكمة الفعلية للبلاد لصغر سن ابن اخيها حتى وفاتها عام ٤١٥ هجريا - ١٠٢٤ ميلاديا.

ولم يكن هناك قرار واحد يصدر فى مصر إلا بأمرها، كما جمعت المصريين وخاطبتهم باللطف، ووعدتهم بحسن السيرة والمعاملة وطلبت منهم أن يذكروا لها حوائجهم مباشرة، وأن يطالبوا بحقوقهم طول الوقت طالما هى التى تحكم مع ابن أخيها، كما سمحت للنساء بالخروج من المنزل بعد أن منعهم الحاكم ٧ سنوات على حد قول المصادر التاريخية.

كما قضت على الرجال الذين يشكلون خطرا على الدولة الفاطمية، ومنهم عبد الرحمن ابن إياس» الذى كان عينه الحاكم وليا للعهد، وكان تولى ولاية دمشق فأرسلت اليه أحد أمرائها يستدعيه، وعند وصوله قصرها قدمت له فاكهة مسمومة ثم أعلنوا أنه قتل نفسه.

كما علمت أن هناك عصيانًا على الدولة الفاطمية من والى حلب، فأرسلت أموالاً إلى غلامه ليقتله، وبذلك قضت على العصيان الذى كان سيعصف بالدولة الفاطمية.

أما على صعيد العلاقات الخارجية، فأرسلت بطريرك بيت المقدس إلى قيصر روما من أجل عقد اتفاقية صلح وهدنة بينهما لتأمين حدود مصر الشمالية، ولتطمين الروم على مصير النصارى فى مصر.

وهناك أسئلة عدة لم يجب عنها التاريخ حتى يومنا هذا، خاصة فى عدم زواج ست الملك رغم جمالها وحسبها ونسبها، وتضاربت الأقاويل حول الخوف من قوتها وصلابتها، ومنهم من رأى أنها كانت ترى نفسها أعظم من أن تتزوج من أيا من رجال عصرها.

وعاشت ست الملك عيشة هانئة يحوطها الترف والنعيم من كل جانب حولها مئات الجوارى وطائفة من رجالها المخلصين، كما لبست أفخر الثياب وتحلت بأغلى الجواهر، وكانت مخصصاتها كل سنه ٥٠ ألف دينار.

وحكمت مصر ٤ سنوات فى عهد ابن أخيها الاعزاز ابن الحاكم بامر الله، وشاركت والدها وشقيها الحاكم الحكم لتكون سيدة حكمت على عرش ثلاثة خلفاء من الدولة الفاطمية، ويرجع ذلك لحزمها ورجاحة عقلها كما أثبتت عمق نضجها السياسى ومدر قدرتها على متابعة الأحداث وقيادة دولة مترامية الأطراف كالدولة الفاطمية، كما اشتهرت بالكرم والحلم والتسامح.