اليوم الـ 23 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ

أبراج

اليوم الـ 23 من شهر
اليوم الـ 23 من شهر رمضان المعظم 1441هـ


*الباب السّادس (عمل الحلم)

هذا الفصل يستعرض فيه فرويد العلاقة بين محتوى الحلم الظاهر وبين أفكاره الكامنة ، و محاولته ترجمة الصور الواردة فى الحلم وكأنها لغة لها حروف وقواعد نحويّة من خلال الفصول التالية.

3-وسائل الحلم فى التصوير.
4-إعتبار قابلية التصوير.
5-التصوير بواسطة الرموز فى الأحلام-أحلام نمطية أخرى.
6-أمثلة-عمليات الحساب والأقوال فى الحلم.
7-الأحلام اللامعقول-النشاط العقلى فى الأحلام.
8-الحالات الوجدانيّة فى الحلم.
9-المراجعة الثانويّة.

3-وسائل الحلم فى التصوير:
فى هذا الفصل يتناول فرويد وسائل الحلم فى التعبير عن فكرة أو مقصد الحلم ، التعبير يكون بالكلام لكننا عرفنا أن الحلم لايكون فيه كلام لكن مُجرد صور ، وحتى هذه الصور لاتكون مُرتّبة أو مُنتظمة ، ويوضّح فرويد أن فهم لغة الحلم ترتكز على تحليل الصور الواردة فيه ومُحاولة ترتيبها أو ربطها ببعضها لنخرج من الحلم بجملة مفيدة ، مع التنبيه أن لغة الحلم تفتقر للكلمات المنطقية مثل (إذا ، لأنّ ، مثل ، رغم ، إما- أو ) ويُقرّب فرويد المعنى لأذهاننا بأن الصور التى تظهر فى الحلم تكون أشبه باللوحة التى يرسمها الرسّام أو التمثال الذى ينحته النحّات ، فاللوحة أو التمثال تحمل معنى ومقصد لكن على المُشاهد أن يجتهد فى تفسيره ، حتى أننا قد نجد لوحات قديمة لأشخاص قام الفنان فيها بتعليق شرائط على أفواههم مكتوب فيها أحرف وكلمات عجز الرسّام عن التعبير عنها فى الصورة المرسومة لهم.

إذاً ماهى الطرق التى يتمكن بها الحلم من توضيح ما تقوله مادته ؟
 
*التعاقب باقتراب صورتيْن أحدهما من الأخرى إقتراباً كبيراً فيسهل ربطهما ببعض واستخلاص المعنى المطلوب ، فحرف "أ" إن كان بعيداً عن حرف "ب" سنجد صعوبة فى ربط الحرفين ببعضهما لنعرف أن الكلمة هى "أب" ، مثال: حلمت مريضة بأنها دخلت مطبخها وفيه خادمتان وأوانى المطبخ بعضها فوق بعض وهى من النوع الشعبى وليست فاخرة ، تنزل الخادمتان إلى نهر خارج المنزل فى محاولة لغسل الأوانى وماء النهر قد إقترب من المنزل ، الجزء الآخر من الحلم أن المريضة رأت نفسها تنزل من مكان مرتفع وتتجاوز حواجز مرتفعة وتشعر بالسرور أن ثوبها لم يشتبك فى تلك الحواجز....التحليل: والد المريضة كان مُعتاداً على مُطاردة الخادمات وعمل علاقات عاطفيّة معهنّ رغم مستواه الإجتماعى الراقى ، الأوانى فوق بعضها ترمز للعلاقة ونوع الأوانى يرمز للطبقة الإجتماعية كما أن بجوار منزل المريضة محلاً للبيع الأوانى المنزلية بالفعل ، تجاوز المريضة للحواجز وعدم إشتباك ثوبها بأى شيئ يرمز لنجاحها فى الإفلات من مشاكل ، بربط جزيىْ الحلم ببعضهما نفهم أن تفسير الحلم بلغة واضحة يقول "برغم مشاكل والدى والبيئة الصعبة التى نشأت فيها ، فقد نجحت فى ألا تعلق بسمعتى أو حياتى أيّة شائعات أو تهم باطلة تقلل من مركزى فى المجتمع وظل ثوبها/مكانتها نظيفة وسليمة.

*العطف بالواو ، يروى فرويد حلماً بأنه عند وفاة والده رأى فى الحلم وكأنه جالس فى محطة قطار وقرأ مايُشبه اللافتة فيها "المرجو أن تغلق إحدى عينيْك" وفرويد غير متأكد "المرجو أن تغلق كلتا عينيْك" ، يُفسّر فرويد الحلم بأنه جرت العادة عند الوفاة على إقامة حفل تابين/مأتم وكان والد فرويد من النوع المُتديّن الذى لايُرحب بالمظاهر ، وكان أن فكّر فرويد فى إلغاء حفل التأبين إرضاءً لرغبة والده ، لكن تقاليد المُجتمع وانتقادات الأقارب جعلته يُفكر فى "غض الطرف/عين واحدة " جزئياً أو/و غضّ الطرف تماماً/كليّاً عن رغبة والده واتباع التقاليد على مضض.

*التناقض والضدّ: حلمت مريضة بأنها تُمسك بيدها غصناً به أوراق بيضاء وتسير فى طريقها وعبر الحلم رأت الأوراق تذبل  ، ثم مالبثت أن تحول الغصن لنبات الكاميليا بأوراق حمراء ، يُفسّر فرويد الحلم بأن الغصن بأوراقه البيضاء بيد المريضة يرمز لنقاء طفولتها وذبول الأوراق يرمز لتأنيب ضميرها عن بعض الزلات فى حق براءة طفولتها ، تحول الغصن لنبات الكاميليا بأوراقه الحمراء يرمز لبلوغها سن البلوغ بحدوث الطمث بلون الأوراق الأحمر لكنها لا تزال فى كامل أنوثتها ، هنا كانت لغة الحلم إستعمال اللون الأبيض للتعبير عن البراءة والطفولة ، والضدّ باللون الأحمر الذى يرمز للبلوغ والشباب.

*التشابه: كأن نُدمِجْ أكثر من شخص فى شخص واحد ويُسمّى التعيين ، أو ندمج أكثر من شيئ فى شيئٍ واحد ويُسمّى المزج ، كظهور زميل فرويد فى الجامعة لكنه يُشبه يُوسف عم فرويد ، قام الحلم بدمج شخصيّة الزميل والعم بصفة مُشتركة وهى الدهاء للتعبير عن مشكلة يُعانى فرويد منها وهى تأخر حصوله على منصب جامعى بسبب المراوغات.
ويقول فرويد أن من خبرته وجد أننا نظهر نحن/الأنا فى أحلامنا لكن فى بعض الأحيان نجد أن بطل الحلم شخص غريب عنا ، هنا يوضّح فرويد أن هذا الشخص الغريب هو أيضاً نحن/الأنا لكن عقلنا قام بالتستر بشخص شبيه وبذلك دمجنا أكثر من شخص"التعيين"، أما الدمج بمزج الأشياء وليس الأشخاص فيعبر عنه فرويد بحلمه بأن رأى فى الحلم بأنه فى سيارة تجوب شوارع روما وكان مُندهشاً أن كل اللافتات فى الطريق مكتوبة باللغة الألمانيّة وكأنه فى براغ ، هنا حدث دمج بين روما وبراغ ، فإن فرويد كان يرغب فى زيارة روما لكن لأن لغته ألمانية ولايعرف الإيطالية فقد تمنى أن تكون روما مثل براغ فى إستعمالها للغة الألمانيّة رغم أنها ليست لغتها ، حتى يسهل على فرويد فهم الطرق.

*القلب أو العكس التام: وهو مُشابه لإستعمال الضد أو التناقض لكن الحلم هنا باستعماله للغة قلب أو عكس الوضع يبدو وكأنه يتساءل ماذا لو؟ على العكس أنا كذا ، مثال: رأى مريض أن الأديب الألمانى جوته قد تهجّم عليه مُؤلف نكرة صغير السن ، وبدأ المريض فى الحلم بحساب السنين إبتداءً من تاريخ وفاة جوته ، والتفسير أن المريض وهو أديب إستعمل فى حلمه اسلوب العكس فكان أن قال "جوته ليس مخبولاً كما يدّعى هذا الولد صغير السن والخبرة (بل على العكس) أنت الذى تعانى من ضعف العقل ولاتستطيع فهم مقصد جوته فى روايته ، وحسابه لتاريخ وفاة جوته حتى الوقت الذى يعيشه المريض هو ربط بين جوته والمريض لأن كلاهما أديب ويُعانى من تهجّم صغار السن.

*التصوير كمادة للحلم: يرى فرويد أن استعمال الصورة للتعبير عن مادة الحلم الكامنة/مقصد ومغزى الحلم الحقيقى ، يكون شائعاً بشكلٍ مُدهش ، يسوق فرويد حلم ملك مصر المذكور فى الكتب السّماويّة برؤيته لصورتين مُنفصلتيْن لكنهما تعبّران عن مقصد واحد ، الصورة الأولى سبع بقرات عجاف يأكلهن سبع بقرات سمان ، الصورة الثانية سبع سنبلات صفر وسبع سنبلات يابسات ، هنا قام النبى يُوسف عليه السّلام  بتفسير الحلم قائلاً ما معناه (هذا الحلم له معنىً واحد ، وإن تراءى فى صُورتيْن مُختلفتيْن).
 
*المصدر: كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد ، تحت إشراف الدكتور مُصطفى زيور 1969.