اليوم الـ 20 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ

أبراج

بوابة الفجر


 
*الباب الخامس (مادة الحُلم ومصادره)
هذا الفصل يستعرض فيه فرويد آراء المُؤلفين السابقين التى تتناول منشأ مادة الحلم وعلاقة الحلم بالحياة المُستيقظة ، ولخّص خصائص الحلم من وجهة نظرهم فى نقاط مُحدّدة (الحلم يُفضّل إنطباعات الأيام الأخيرة الحديثة ، الحلم يختار التافه أو الثانوى من الأفكار ، الحلم يستحضر إنطباعات ترجع إلى الطفولة) ويتم إستعراضها بالتفصيل مع التنبيه أن فرويد يرى هؤلاء المؤلفين لاحظو محتوى الحلم من ظاهره فقط لذلك يُضيف فرويد إنتقاده لنظرياتهم ويسُوق الأدلة على رأيه.

4-الأحلام النّمطيّة.


4-الأحلام النّمطِيّة: 
يتفق فرويد فى أن تفسيره لأحلام كل شخص يستلزم مُقابلة مع الحالم ليعرف منه تفاصيل طفولته ونشاطه النفسى فكلٌ منّا له ظروف تختلف عن الآخر وبالتالى فلا يُوجد "قاموس" يُمكن تفسير أحلام الناس كلها من خلاله ، لكن من وجهة نظر أخرى يُعرّفنا فرويد بأن هناك ما يُسمّى بـ "الأحلام النّمطيّة" وهى تلك الأحلام التى يشترك غالبيّة الناس فى رؤيتها فى نومهم ومن وجهة نظره يُوجد تفسير عام يُمكن تطبيقه على كل الناس بصرف النظر عن إختلافاتهم.

أ-أحلام الإرتباك بسبب العرىّ: 
وهذا الحلم مُنتشر بين كثير من الناس ، فمن فترة لأخرى قد يحلم أحدنا بأنه عارٍ فى الحلم أو أن ثيابه غير كاملة ، يسرد فرويد رأيه فى هذا الحلم النّمطى المُتكرر بين الناس بأنه لاحظ أن الحالم عندما يرى نفسه عارياً فى الحلم يكون لديه شعور بالإرتباك والخجل ، لكن الشطر الثانى من الحلم وهو ردّ فعل الناس الذين يرونه عارياً تكون مُختلفة فبدلاً من أن تكون أعينهم تعنى الدهشة والإنكار فعادة ما يكون هؤلاء الناس غرباء تماماً عن الحالم وتكون وجوههم غير واضحة أو جامدة ولاتكون لهم أيّ ردّة فعل تجاه الحالم ، يُفسّر فرويد هذا الحلم النّمطى بأن غالبيّة الناس فى طفولتهم المُبكّرة من الطفولة وحتى ثلاث سنوات يتمتّعون بالقدرة على الظهور عرايا فى منازلهم ولاتكون هناك علامات دهشة من المُحيطين سواء غرباء أو أقارب ، وهذه النزعة الإستعراضية يعتبرها فرويد هى "حالة السعادة أو البراءة" التى كان الإنسان الأول يتمتّع بها فى الجنّة قبل أن يأكل من الشجرة فتظهر له عورته ليُحاول مداراتها خجلاً ، ووجود ثياب ناقصة يفسّرها فرويد بأنها "تشويه للحلم" أو من باب الرقابة الذاتية التى يفرضها العقل على الحلم لدرء إنتقاد المُجتمع.

ب-أحلام موت الأحياء: 
هى من الأحلام النمطيّة التى تنتشر بين الناس وتصيبهم بالفزع ، فقد يرى الحالم فى حلمه وفاة أقرب الناس إليه كأحد والديْه أو زوجته أو أحد أبنائه ، ويُفسّر فرويد هذا الحلم بأنه لايعنى بالضرورة "رغبة" فى وفاة هذا القريب نفسه لكنه تعبير عن حالة نفسيّة مررنا بها فى الطفولة ، فالطفل فى بداية حياته يكون شديد الأنانيّة وكثيراً ما تعرضنا فى الطفولة لتنمّر الشقيق الأكبر او مشاكسات الشقيق الأصغر فترسبت فى ذاكرتنا البعيدة مشاعر غضب مكبوت تجاه هذا الشقيق ، ويروى فرويد كيف أن إبن شقيقته كان الطفل المُدلّل لوالديْه لكن عندما جاءت تلك المخلوقة الصغيرة "أخته" كان دائماً يصفها بـ "الصغيلة ، طفلة صغيلة" ولما كبرت قليلاً أصبحت عبارته اليومية عنها "ليس لها اسنان" وكلها مُحاولات للإنتقام منها لأنها أخذت منه مكانته السابقة أو قامت بتخفيضها على الأقل ، وتلك الذكريات "قد" تظهر فى أحلام الشخص الراشد يوماً ما بسبب إستثارة أحد ذكريات الطفولة.

ويقول فرويد أن الطفل لايعرف معنى الموت بل يعرف مُجرّد غياب الشخص من الصورة ، فيسرد حلماً لطفلة قالت بأنها حلمت بأنها فى حقل كبير ومعها أطفال العائلة وكلهم يزحفون على الأرض ثم نبت جناحان لكل الأطفال فطارو ما عدا هى ظلت على الأرض ، ويجد فرويد أن تفسير حلم الطفلة كان رغبتها فى إختفاء أطفال العائلة الذين يزعجونها ولما كانت تعرف "من كلام الكبار" أن من يموت ينبت له جناحان ويطير كالفراشة فقد عبّرت عن الموت بالطريقة التى سمعتها من الكبار ، لكنها ظلت هى الوحيدة على الأرض.

ج-أحلام الإمتحان:
من منّا لم يشعر بالخوف والقلق من يوم الإمتحان المدرسى ؟ خصوصاً تلك المادة العسيرة ، أو لم يقلق من عقاب الأب عند الإخفاق فى الإمتحان ؟ يقول فرويد بأن كثيراً من الناس يحلمون بأنهم رجعو إلى أحد فترات الإمتحانات المرحلية "الثانوية العامة" أو "إمتحان البكالوريوس" وأنهم فى قاعة الإمتحان والخوف والقلق يُسيطر عليهم ، أو أنهم قد رجعو لمرحلة الدراسة الجامعيّة ويُحاولون إقناع الأستاذ بأنهم اصبحو أطباء أو مهندسون يُمارسون أعمالهم بالفعل ولاحاجة لهم بالعودة للدراسة ، يرى فرويد تفسير هذا الحلم الذى يأتينا بين فترة وأخرى بشكل شائع ومُتكرر بين الناس سببه تعرّضنا لمسئوليّة جديدة فى حياتنا تشبه هذا الإمتحان ، وأما عقوبة الأب فقد تكون عواقب الفشل أمام تلك المسئولية إن حدث وفشلنا فيها ، وكلما واجهنا مسئولية جديدة فى حياتنا كلما إستدعى عقلنا حلماً لنا فى قاعة الإمتحان ونحن فى حالة قلق وتوتر ، وأما جدال الأستاذ فى الحلم بأننا كبرنا ولاحاجة بنا للعودة لمقاعد الدراسة فيفسّرها فرويد بأنها حديثنا إلى أنفسنا بأننا هاذا قد نجحنا وأصبحنا موظفين وأطباء ومهندسين و كما نجحنا فى الحصول على تلك الشهادة الدراسية فبالإمكان تجاوز المسئولية الجديدة أيضاً وهذا نوع من تعزية النفس لذاتها ، وقد يأتى هذا الحلم قبل أن يتزوّج الإنسان إما لخوفه من الفشل فى إتمام العلاقة الزوجية بنجاح أو عدم قدرته على الوفاء بمسئوليات والتزامات البيت الجديد.

*المصدر: كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد ، تحت إشراف الدكتور مُصطفى زيور 1969.