اليوم الـ 19 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ

منوعات

اليوم الـ 19 من شهر
اليوم الـ 19 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ



*الباب الخامس (مادة الحُلم ومصادره)

هذا الفصل يستعرض فيه فرويد آراء المُؤلفين السابقين التى تتناول منشأ مادة الحلم وعلاقة الحلم بالحياة المُستيقظة ، ولخّص خصائص الحلم من وجهة نظرهم فى نقاط مُحدّدة (الحلم يُفضّل إنطباعات الأيام الأخيرة الحديثة ، الحلم يختار التافه أو الثانوى من الأفكار ، الحلم يستحضر إنطباعات ترجع إلى الطفولة) ويتم إستعراضها بالتفصيل مع التنبيه أن فرويد يرى هؤلاء المؤلفين لاحظو محتوى الحلم من ظاهره فقط لذلك يُضيف فرويد إنتقاده لنظرياتهم ويسُوق الأدلة على رأيه.

3-المصادر الجسمية للحلم.
4-الأحلام النّمطيّة.


3-المصادر الجسميّة الحلم:
فى الفصل السابق تعرّض فرويد إلى مصادر الحلم وتم تقسيمها لنوعيْن (التنبيه العصبى الداخلى ، التنبيه الجسمانى الخارجى) وذكر أن العديد من الباحثين أعطو للتأثير الجسمى العضوى الأثر الأكبر فى تكوين الحلم ، فمن يحلم بالطيران فى الهواء قد تكون رئتاه وعضلة قلبه فى نشاط مرتفع ، ومن يحلم بالسقوط من مكان مرتفع قد تكون مفاصل ركبتيْه غير سليمة ، لكن فى هذا الفصل يتساءل فرويد لماذا إختار العقل حلماً بذاته للتعبير عن مشكلة جسمانية عضوية ؟ لماذا تم إختيار الطيران للتعبير عن مشاكل الرئة وليس بالون منتفخ مثلاً ؟ ثم أن هناك إعتراض لفرويد على نظريّة تم التسليم بها تماماً ويجدها غير صحيحة والتى تقول إن النفس حين تنام تفقد كل القدرة على التعرف على طبيعة المنبهات الحسيّة من حولها ، ويسوق فرويد حجّته بأن الإنسان يستفيق على صوت إسمه بشكل أكثر تأكيداً من إستيقاظه عند مناداته بإسم آخر لايعرفه ، وهذا معناه أن الحواس تكون لاتزال تعمل وأن النفس وهى لاتزال نائمة لاتزال بإمكانها التمييز.

ويبدو لفرويد أن النفس فى حال النوم تختار لنفسها حالة مٌعيّنة تُفسّرها النكتة الشهيرة ، سأل سائل "هل أنت نائم؟" فأجابه "كلا" فأردف السائل "إذا هلا أقرضتنى عشرة فلورنات؟" فأجاب"أنا نائم" ، ثم أن إستجابة النائم للمؤثر الجسمانى لاتستلزم نسج حلم ، فإن تعرّى جسم النائم وشعر بالبرد ليس بالضرورة أن يحلم بأنه عارٍ بل من الجائز أن يستيقظ ليتخلص من مشكلة البرد التى شعر بها.

أما شيرنر فقد وضع مايُشبه الكتاب أو القاموس وضع فيه الرموز التى يلجأ إليها الحالم لتكوين حلمه بسبب مُنبّه عضوى ، فالغرفة ذات السقف المرتفع تُعبّر عن الفم ، والسلم النازل يرمز للحلقوم ، والصداع يرمز لسقف غرفة غطتها العناكب والأتربة ، والرئتان اللتان تُعانيان صعوبة فى التنفس يُرمز لهما بالفرن المُشتعل بينما القلب يُرمز له على هيئة صندوق أو سلة خاوية ، وهذا المبدأ فى تفسير الأحلام لم يلق القبول من أطباء البحث النفسى لأنه يرجع بهم لمنهج الأقدمين فى تفسير الأحلام  ، كما أن فرويد يتساءل ، مالذى يُؤكد لنا أن عضواً جسمياً قد تعرّض لمشكلة أثناء النوم فتكوّن الحلم ؟ ولماذا إذاً لايكرّر الحلم كل مرّة أو طوال فترة الليل التى يُعانى منها العضو من مشكلته؟

إلا أن فرويد يُفسح المجال لعدّة عوامل أخرى تدخل فى تكوين الحلم ، منها عُمق النوم وشدّة المُنبّه ، فإن كان المُنبّه متوسّط سيقوم النائم بقمع المُنبّه ليتسنّى له عدم الإنزعاج ، وإما أن يقوم النائم بدمج المُنبه الخارجى فى أحلامه لإسكات المُنبّه ، وإما الإستيقاظ من النوم إذا كان المُنبّه شديداً "شخص يُنادى بإسمى بصوت مُرتفع أو مشكلة مهمّة فى التنفس.." ، ويسوق فرويد أحلامه التى تُؤيّد رأيه ، فقد كان يُعانى من خُرّاج مؤلم قريباً من الخصيتين تسبب له فى صعوبة فى المشى ومتابعة عمله ، وعند النوم رأى فى الحلم بأنه يركب حصاناً رمادى اللون ، فسّر فرويد الحلم "ولم يركب جواداً طيلة حياته إلا فى الطفولة" بأن السّرج ماهو إلا الضمادة التى تُريحه ، واللون الرمادى هو لون بذلة صديقه الدكتور"ب" الذى ساعده يوماً فى عمله فأزاح عنه عبئاً ثقيلاً ، واختار فرويد ركوب الحصان فى الحلم بسبب التنبيه العضوى الذى تسبب فيه الخرّاج ، فقد حدّث نفسه فى الحلم بأنه على مايُرام وأنه لايُمكن لشخص يُعانى من خرّاج أن يركب حصاناً بهذا الشكل ، وتمكن من إسكات الألم والإستمرار فى النوم ، حلمٌ آخر فقد رأى فى الحلم بأنه يقرأ الصحف وفيها خبر "وفاة بابا الفاتيكان" ولما إستيقظ عرف من زوجته أن قرع الأجراس منذ قليل كان مُرتفعاً جداً ولمّا لم يرغب فرويد فى الإستيقاظ فقد إختار أن يحلم بالثأر لنفسه من الصوت المُرتفع بهذه الطريقة واستكمال نومه.

وهكذا يرى فرويد أن رغبة النوم التى يستغرق فيها الأنا الشعورى فى النوم يجب أن يُحسب حسابها فى تكوين الحلم ، وكل حلم ناجح هو تحقيق لرغبة هذا الأنا الشعورى ، فالتفسير الصحيح عندما ينادينى أحدهم بإسمى وأنا نائم وكنت مُهتماً لاخترت أنا "الأنا الشعورى" إنهاء الحلم والإستيقاظ من النوم ، أو كبت المُنبّه "إذا كان غير مُهم" والإستمرار فى النوم ، ولاشك أن حجم المُنبّه وقوّته ومزاجيّة الجسم يُحدّد شكل الحلم ، فإن أتيت لأحد النحاتين بحجر العقيق مثلاً لينحت منه عملاً فنيّاً فإن موضوع القطعة الفنية ستُحدّده حجم القطعة ولونها وتكوينها والتكوينات التى فيها وعلى أساس ذلك يختار الفنان الصورة التى سيخرج بها قطعته الفنيّة. 

يروى فرويد حلماً آخر حيث رأى نفسه فى المنام يصعد السلّم الواصل بين طابقيْن فى منزله ينهب ثلاث سلالم دفعةً واحدة وقابلته خادمة تنزل من الأعلى فتسمّر فى مكانه بدافع الخجل ، يُفسّر فرويد الحلم بأن مسكنه فى فيينا فعلاً مُكوّن من طابقيْن الأرضى عيادته والعلوى شقته السكنيّة ، لكن السلالم ليست الخاصة بمنزله وكذلك الخادمة لاتعمل عنده ، لكنه تذكر أن تلك السلالم تُشبه سلالم منزلاً لمريضة عجوز يزورها مرتيْن فى اليوم لإعطائها حقنة العلاج والخادمة تعمل عندها لكنها تكبر فرويد فى العمر وليست من النوع المثير بل هى عبوس الوجه ، فسّر فرويد الحلم على أنّه مُنبّه جسمى يتعلق بحالته الصحيّة ، فإن فرويد إعتاد أن يجتاز السلالم ثلاث درجات دفعةً واحدة كنوع من التمرين لعضلة القلب ، وأما الخادمة العبوس فقد حدث أنه وبسبب التدخين المستمر كان يُعانى من الكحة ويبحث عن صندوق القمامة ولما لم يجد الصندوق أضطر إلى البصاق على سلالم مسكن المريضة فعاتبته الخادمة بأنه تسبب فى إتساخ السجادة وأنه كان بمقدوره إستعمال مناديله الخاصة فتسمّر من الخجل "وليس خجلاً جنسياً" وتلك المواجهة حدثت له لنفس التصرف على سلالم مسكنه من زوجته التى أنّبته على تصرّفه ، بذلك كان إختيار مادّة الحلم مُعبّرة عن حالة جسمانية وشعور نفسى بالخجل من العتاب من الخادمة ومن زوجته.

*المصدر: كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد ، تحت إشراف الدكتور مُصطفى زيور 1969.