إيمان كمال تكتب: الأستاذ نور الشريف..«الألفة» فى دراما رمضان

مقالات الرأي




كثير هم النجوم وحتى الموهوبين..لكن محبى الفن والمخلصين له قلبا وقالبا ليسوا بنفس الكم على مدار تاريخه، فالنهم والشغف والإخلاص كلمات ليست كافية للتعبير عن الأستاذ نور الشريف، وكما قلت فى الحلقة السابقة من «الكبار» بأن محمود عبدالعزيز من القلائل الذين عبروا من السينما للتليفزيون بنفس النجاح ولكنه ليس الوحيد، فنور الشريف أيضا واحد من هؤلاء الذين تمكنوا من الحفاظ على حالة الوهج والنجاح فى السينما والدراما.

فذلك الشاب السبعيناتى الشقى خفيف الظل والرومانسى والذى وصل للنضج السينمائى فى الثمانينيات هو نفسه الحاج عبدالغفور البرعى وهارون الرشيد وحضرة المتهم أبى وعمر بن عبد العزيز والحاج متولى، الفنان القادر على التلون ولعب كل الأدوار بنفس الاحترافية والمصداقية فحجز لنفسه مكانة فى الدراما الرمضانية.

لم يغفل نور الشريف خلال رحلته بأن نجوميته وعشقه للفن يحتمان عليه ضرورة مساندة الوجوه الشابة التى تشق طريقها فى عالم الفن، فكان داعما للكثير من تلك الوجوه التى أثبت كثير منهم موهبته بعد أن قدمهم فى أعماله مثل أحمد زاهر وزينة وحلا شيحة وحسن الرداد وأحمد صفوت ودينا فؤاد.

الحقيقة إن بدايات نور الشريف قبل مرحلة النجومية كانت من خلال الدراما ففى الستينيات كانت له تجارب ربما لم تحظ بنفس الضجة لأعماله الرمضانية الشهيرة لكنه يعتبر من الفنانين الذين أثروا مكتبة الدراما بأعمالهم حتى وإن لم يكن وقتها نجما أول ومن تلك المسلسلات الأشياء النفيسة ولا تطفئ الشمس وبعد العذاب والانتقام، وفى السبعينيات وفى الوقت الذى على فيه أسهم نور كنجم سينمائى كبير لكنه لم يبخل على جمهوره فكانت له مشاركات درامية فقدم وقتها سيداتى آنساتى وعادات وتقاليد والقاهرة والناس وابن الليل ومارد الجبل وطائر الأحلام.

فى بداية الثمانينيات كان مشواره قد تبلور بعد أن وصل لمرحلة النضج وبات نور حريصا على تقديم أعمال مهمة فقدم مسلسل «أديب» وهو للكاتب والأديب طه حسين وكان تعاونه مع المخرج صاحب البصمة فى الدراما يحيى العلمى، وقد تخلى من خلاله نور الشريف عن وسامته التى عرف بها وجعلته واحدا من الجانات فى جيله، فقدم الشاب الذى يعانى من تشوه فى وجهه ويعيش فى أزمة نفسية بعد أن تخلى عن زوجته والوحيدة التى أحبته من أجل التفرغ للدراسة والبعثة التى حصل عليها فى فرنسا وظلت عقدة الذنب تطارده.

كل تلك الأعمال كانت مرحلة مهمة تؤسس لأن يكون نور الشريف هو الألفة فى الدراما لسنوات طويلة ومنافس قوى لدراما رمضان فكان منطقيا بأن يحقق نجاحا كبيرا حين قدم مسلسل «الثعلب» مع بداية التسعينيات والعمل كان مأخوذا عن قصة مخابراتية.

نور الشريف الموهوب كان يمتلك الذكاء ليدرك قيمة التنوع والتلون فى تقديم شخصيات مختلفة تماما فى كل مرة، فتنوعت أعماله بين الدينية والتاريخية والعائلية أيضا.

فقدم شخصية «عمر بن عبد العزيز» خامس الخلفاء الراشدين، كما قدم شخصية هارون الرشيد الخليفة العباسى، وقدم أيضا بعدها بسنوات فى مسلسله «رجل الأقدار» شخصية عمرو بن العاص» فهو من أهم الفنانين فى تقديم الأعمال الدينية والتاريخية أيضا.

وفى نفس المرحلة قدم الشخصية الأشهر فى مشواره الدرامى «عبدالغفور البرعى» فى مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» الماخوذ عن قصة إحسان عبدالقدوس، ومن لحم ودم جسد تفوق نور الشريف فى تقديم شخصية الرجل الأمى الذى لا يقرأ ولا يكتب وعانى فى شبابه قبل أن يستغل ذكاءه الشديد ليصبح من أهم تجار الخردة فى الوكالة، وأصبح العمل من أهم علامات الدراما فتكرار عرضه لعشرات المرات لا يقلل من نسب مشاهداته.

ومن التراث قدم الحرافيش السيرة العاشورية لنجيب محفوظ وسيرة البطل الشعبى عاشور الناجى، وأعقبها بتجارب أخرى لا تقل أهمية فى مشواره فقدم مسلسلات «الرجل الآخر» و»العطار والسبع بنات» و«عيش أيامك» و»الرحايا حجر القلوب».

فى الحاج متولى أثار الجدل لتعدد زيجاته فى العمل لكنه كان حريصا فى نهاية المسلسل بأن يوجه رسالة بأنه لو عاد به الزمن لاكتفى بزوجة واحدة فقط، وفى «حضرة المتهم أبى» نرى أزمة اختلاف الأفكار والصراع بين الأجيال وأزمة الآباء والأبناء.

وقدم شخصية رجل الأعمال سعد الدالى فى ثلاثة أجزاء وختم مشواره الدرامى بتقديمه لعرفة البحر وخلف الله فى عام 2013.

الحقيقة بأنه ليس سهلا لنجم أن يكون بنفس الأهمية والقيمة والنجاح فى مختلف الفنون، لكن تجربة نور الشريف فى التليفزيون زادته قربا لقلب الجمهور وجعلته واحدا ممن قدموا علامات فى الدراما المصرية.

وهو ما يجعلنى وأبناء جيلى الذى تربى على تلك الأعمال ندين للأستاذ وصاحب البصمة «نور الشريف» بالشكر والعرفان، فرغم رحيله وغيابه فهو دائما حاضر وبقوة، فهو الأستاذ الذى علمنا قيمة «الفن» واحترام المهنة والقيمة التى تعلو على النجومية، وأحب أن استغل تلك الحلقة لأقول له كل عام وأنت «نور الدراما ووهجها الذى لا ينطفئ..كل رمضان وأنت بخير أينما كنت».