اليوم الـ 16 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ

أبراج

اليوم الـ 16 من شهر
اليوم الـ 16 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ



*الباب الرّابِع (تشويه الحُلم)
يبدأ فرويد هذا الباب بالتساؤل ، هل كل أحلامنا تُعبّر عن رغباتنا؟ إذاً كيف هذا ونحن كثيراً ما نحلم بكوابيس وأشياء مُفزعة؟ فى إحصائيّة قام بها فرويد وجد أن 57% من أحلام مرضاه مُزعجة لهم ، إذاً رُبّما كان الحلم المُزعج يحتوى على رغبة بداخله فهو مُزعج من الخارج وجيّد من داخله ، وما الداعى إذا الذى أجبر العقل على أن تظهر الرغبة فى شكل حُلم مُزعج؟

يسوق فرويد حُلماً لنفسه يُفسّر هذا المبدأ ، كان فرويد يعمل أستاذاً فى الجامعة فجاءه زميل خاطبه قائلاً أنه رُبّما تحقق حلم فرويد بالترقية ليكون أستاذاً مُساعداً وهذا منصب رفيع جداً فى الجامعة وصادف فرويد عراقيل سنوات طويلة ولم يفز به ، لكن زميله أخبره أن زميلاً آخر ينتظر نفس المنصب دون فائدة لكنه عرف من مسئول أن الوزير يجد أن الترقية فى الوقت الحاضر صعبة بسبب تيار المشاعر العامة والوزير لايجد نفسه فى موقف يسمح له بتلك الترقية ، وتلك الإعتبارات دينيّة الطابع ، وكان هذا الزميل له نفس الإعتبارات التى تصدق على فرويد (فرويد كان يهودياً وكانت المشاعر المُعادية لهم مُاتأجّجة فى ذلك الوقت فى فيينا) ، فى أعقاب تلك المُقابلة وقع لفرويد حلماً شاهد فيه صديقه "ر" وقد إستطال وجهه وأصبح له لحية صفراء وأصبح قريب الشبه من عمّه يُوسف وشعر نحوه بحنان ولطف كبير.

إستيقظ فرويد وبدا مُتحيّراً فى تفسير الحلم ، فالحنان الذى شعر به نحو صديقه كان مُبالغاً فيه وبدا حناناً زائفاً ، أما يُوسف عم فرويد فكان أن ورّط نفسه فى صفقة تجارية ضدّ القانون وصدر بحقّه عقوبة فكان إذا تذكره والد فرويد قال إن يُوسف ليس شريراً لكنه أبله ، ولربط العم يُوسف مع ملامح صديق فرويد فيبدو أن فرويد يرغب فى مشاعر "قدح وذمّ" بشأن الصديق وجاء الحنان الزائف كنوع من التخفى لمشاعر القدح  ، فكان الحلم بمثابة تعبير عن مشاعر القدح من خلال تشويه هذا الشعور بغطاء من الحنان الزائف ، ويُفسّر فرويد أن تلك الحلة تحدث عندما نرغب فى التعبير عن رأى يُخالف رأى مديرنا فى العمل مثلاً ، حينها نقوم بالتعبير عن رأينا بالتحدث عن تجربة حدثت فى شركة أخرى لنتفادى بطش المدير ، نحن بذلك قمنا بتشويه رأينا لكننا عبّرنا عنه بشكل مُستتر للإفلات من الرقابة ، لكن ماهى الرقابة التى حاول فرويد الإفلات منها فى حلمه؟

يفترض فرويد وجود تيارين من المشاعر أثناء الحلم ، أحدهما يُعبّر عن الرغبة والآخر يقوم بتغليف تلك الرغبة فى غلاف مُختلف لإعتبارات التعايش مع الآخرين مايجعل الحلم مُشوّهاً ، قصّت مريضة حلمها لفرويد بأنها فى الحلم كانت تنوى إقامة مأدبة عشاء تتكون من السلمون المدخّن ، لكنها فوجئت أنها لا يُوجد لديها سلمون بمطبخها ، والمحلات مُغلقة لأنه يوم الأحد ، حاولت الإتصال بمورّد اللحوم فوجدت هاتفها مغلقاً ، وانتهى الحلم على أنها ألغت مأدبة العشاء ، المريضة كانت زوجة لرجل يعمل بتوريد اللحوم بالجُملة وكانت المريضة تحب الكافيار جداً لكنها لم تُفصح لزوجها حتى توفر له ثمن سندويتش كافيار يومى لها ، إلا أن لها صديقة تحب السلمون المدخّن وتلك الصديقة نحيفة ورغم إعجاب زوج المريضة بتلك الصديقة إلا أنه لايحب النحيفات ، جاء حلم المريضة ليكشف عن رغبة المريضة الظاهرة فى دعوة صديقتها النحيفة "التى تغار منها بسبب إعجاب زوجها بها" التى تحب السلمون وترغب فى زيادة وزنها لتكون أكثر قرباً من الزوج ، لكن المريضة عطّلت الوليمة بأكملها بسبب عطلة يوم الأحد وتعطل الهاتف ، بذلك نجحت المريضة فى تغليف رغبتها الحقيقيّة.

مريضة أخرى جاءت لفرويد تقصّ حلمها ، المريضة لاتزال عزباء ولها شقيقة تكبرها بكثر ، شقيقتها أنجبت طفلين أوتو الكبير وكارل الصغير وكانت الأخت المريضة تحب أوتو الكبير لأنها إعتنت به منذ ولادته لكنه توفى ، وفى الحلم رأت المريضة أن كارل الأصغر أيضاً قد توفى وكان مُمداً فى نعشه وسألت فرويد ، هل هى تكن مشاعر عداء لأختها لتتمنى لها وفاة إبنها الثانى أم أنها كانت تفضل وفاة كارل الأصغر وبقاء اوتو الأكبر لأنها تحبه أكثر؟
طبقاً لنظرية فرويد فالحلم عبارة عن "رغبة" وقد يتم تقديمها فى الحلم بشكل مُشوّه للتخفى ، عرف فرويد أن المريضة كانت تحب شخصاً دائم التردد على عائلتها لكن شقيقتها الكبرى رفضت الزيجة ، وكان الشخص مُشتغلاً بالأدب والمريضة دائمة التردد على صالونه الأدبى لتحظى برؤيته حتى بعد إنقطاع العلاقة ، وعند وفاة الطفل الأكبر أوتو كان الحبيب ضمن المُعزّين ، فكان العذر المقبول "غلاف الرغبة" لتحقيق رغبة المريضة أن ترى حبيبها  بأن يأتيها هو بنفسه لتراه أن يتوفى كارل الإبن الثانى أيضاً ، فلم تكن وفاة الطفل فى الحلم رغبة فى الوفاة لكنها رغبة فى التمتع برؤية حبيبها ، أخبرها فرويد أنها غالباً تحمل الآن فى حقيبة يدها تذكرة حضور حفله الأدبى لهذا المساء ، وكان مُحقاً طبعاً.

مريضة أخرى رأت فى الحلم أن إبنتها البالغة خمس عشر عاماً ترقد ميتة فى نعش ، والإبنة فى الواقع حيّة ، عندئذٍ أخبرها فرويد بأنها رُبّما وقت أن عرفت أنها حامل فى إبنتها تلك منذ 15 عاماً حاولت إسقاط جنينها بسبب رغبة كثير من الشابات فى ذلك الوقت التهرّب من مسئوليات الأمومة والإستمتاع بالنزهات ، أجابت المريضة بأنها فعلاً شعرت بالغضب وقامت بضرب بطنها فى محاولة لإسقاط جنينها لكن الحمل إستمر وجاءة المولودة للحياة ، فكان هذا الحلم بمثابة "رغبة" مكبوتة منذ 15 سنة ، ويتعجب فرويد كيف أن رغبات الإنسان تتبدل للنقيض بمرور الزمن فهى تخاف على إبنتها الآن من مجرد حلم !

 باختصار يُعبّر فرويد فى هذا الباب عن أن الحلم قد يكون تعبير مُقنَّع لـ"رغبة" مقمُوعة أو مكبُوتة.

*المصدر: كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد ، تحت إشراف الدكتور مُصطفى زيور 1969.