بطرس دانيال يكتب: لا أمل بدون ألم

مقالات الرأي




نقرأ فى سفر المزامير على لسان داود النبي: «إنِّى ولو سرتُ فى وادى الظُلُمات لا أخافُ سُوءاً لأنّكَ معي» (مزمور 4:23). نحن نعيش مرحلة عصيبة فى العالم أجمع نتيجة ڤيروس كورونا، سيحكى التاريخ عنها وسيُكتب فيها الكثير والكثير الآن ولأزمنة عديدة، ومما لا شك فيه أن الكثيرين أصابهم اليأس والخوف والقلق من المستقبل، كما أن الغالبية العظمى أصابها الضيق والملل من الروتين اليومى الذى يعيشونه داخل أربعة جدران مغلقة، كما هو مفروض عليهم. إذاً هل نستسلم لهذا الوباء بسبب نفاد صبرنا وأملنا؟ نتعلّم من قطعة الحديد التى يُقَدّر ثمنها بخمسين جنيهاً، فإذا أردنا أن نصنع منها حدوة الحصان، ستصبح قيمتها أكثر من خمسين جنيهاً، وإن صنعنا منها إبراً بلغ ثمنها مئتى جنيه، وإن حوّلناها إلى سلاحٍ بلغت قيمتها أكثر من عشرة آلاف جنيه، لكن إن صنعنا منها عقارب للساعات، فإن ثمنها قد يصل إلى خمسين ألف جنيه، وإذا سألنا عن السبب الذى يجعل قيمة قطعة الحديد تزداد ارتفاعاً على هذا النحو، ستكون الإجابة: «الصبر وطول المدّة التى توضع فيها داخل الأفران المتقدة، وتحمُّل كثرة الضرب والطرق، فكلما زاد؛ ارتفع قيمتها. نستطيع أن نطبّق هذا المثل على الفترة التى نعيشها، فكلّما تحمّلنا هذه الصعوبات والآلام؛ ارتفعت قيمتنا وزاد نفعنا فى هذه الحياة، مما لا شك فيه أن المصاعب والمحن هى محك لشخصيتنا، ومدرسة لنضجنا ونمونا، كما أنها اكتساب خبرة فى الحياة وقوة للصمود أمام هذا كلّه، واختبار لقدرتنا على عبور هذه المرحلة. كما يجب أن نعلم جيداً أنه إذا حلّت بنا مصيبة أو بلاء فلا نيأس، فمن المحتمل أن تكون إصابتنا لتوقظنا من غفلتنا، فنعود إلى الله الذى أهملناه ونفكّر فى الآخرين ونتخلّص من الأنانية وحُب الذات، لكن الواقع يُظهر لنا أننا نريد دائماً من الله ألا يسمح بمثل هذه الظروف الصعبة من آلام ووباء وغيرها. كما أن البعض منّا يناشد الله بأن يبدّلها بأخرى تروق له وبأحداث يفضّلونها، ومما لا شك فيه أن البعض الآخر يطلب من الله أن يستشيره قبل أن يسمح بأى شيء فى هذه الحياة، وكما صرّح أحد الأتقياء عن خبرته ذاكراً: كثيراً ما كنتُ أقدّم النصيحة لله فى بعض أمور الحياة كما تتراءى لى، ولكن ذات يوم شعرتُ وكأن الله يهمس فى أذنيّ معاتباً إياي: «الحقيقة أننى نسيتُ أن أدعوك عندما خلقت العالم لتُبدى رأيك، حتى وصل بى الحال أن أسأل ذاتى كيف استطعتُ أن أخلق الكون دون معونتك ومساندتك». كل هذا جعلنى أخجل من نفسى، ومنذ تلك اللحظة وأن أقبل إرادة الله فى حياتى. إذاً يجب أن نعى تماماً أن كل هذه الأمور لخير الإنسانية مهما كانت مؤلمة لنا جميعاً وتحتاج إلى ضريبة باهظة؛ ومما لا شك فيه أنها ستغيّر من سلوك العالم أجمع حتى إن المعايير التى كنّا نضعها فى علاقتنا بالآخرين ستتبدل، ولن يُعَد المال كل شيء أو الغنى أو المنصب أو اللون أو القوة وغيرها، لأنها أصبحت عاجزة أمام ڤيروس هش وضعيف. كم من الأشياء التى شعرنا الآن بأنها نِعَم من الله ولكننا فى الماضى لم نقدّرها؟ كان الله يمنحنا طوال حياتنا الماضية بركاته، دون أن يطلب مقابلا سوى أن نحبّه ونعبده ونعيش كأبناء مخلصين وأخوة حقيقيين. وفى ظل هذه الظروف عندما شعرنا بليالى الألم حمدنا الله على عمر بلا عذاب ولا قلق ولا توتر، وعندما شاهدنا المرضى، بدأنا نشكر الله على أيام وسنوات الصحة، لذلك ليس من المنطق أن نشكو من هذه الأيام وساعات الحظر والملل، وننسى سنوات الحرية والعافية والهناء. كما يجب أن نضع فى الاعتبار بأننا رحّالة وضيوف فى هذه الحياة، تطاردنا الهموم والكوارث والآلام وتنهشنا بأنيابها وتنغّص حياتنا، لذلك يجب علينا أن نرفع قلوبنا وعيوننا إلى السماء طالبين معونة الله الأب الحنون الذى يرعانا بعنايته ولا يتركنا أبداً فريسة هذه المحن، فالله لا يتأخر عن إشراق نوره فى قلوبنا وعقولنا حتى يتلاشى الظلام الذى يحيط بنا، وتنتعش أرواحنا ونتحلّى بالشجاعة والإيمان والثقة والطمأنينة لمواجهة هذه الأمور. إذاً يجب علينا أن نثق فى عناية الله لنا ونتكل على رحمته فى كل لحظة حتى يصير الظلام نوراً والمر حلواً، والمستحيل ممكناً واليأس أملاً والكآبة فرحاً، ونختم بالقول المأثور: «إن التجربة معلم شاذ... تمتحننا أولاً ثم تعطينا الدرس فيما بعد».