لغز هدم فيللا «ثومة»

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



شارع أبوالفدا يشهد على تفاصيل ما فعله السفلاء منا بفيللتها

السادات رفض الحفاظ على تاريخ «ثومة» مقابل 500 ألف جنيه

جيهان السادات أوقفت مشروع أم كلثوم الخيرى

ربما تكون قد مررت فى شارع أبو الفدا بالزمالك ولفت نظرك تمثال لأم كلثوم وفندق يحمل لاسمها يطل فى خجل لما فعلناه بفيللا أم كلثوم أو ما فعله السفلاء منا، بيعنا التاريخ بمليون جنيه، ويا له من ثمن بخس حتى بأسعار الثمانينيات من القرن الماضى.

حتى الآن لا نتكشف السر وراء عدم تحويل فيللا أم كلثوم لمتحف، البعض ألقى اللوم على الورثة، وآخرون يتهمون السيدة جيهان السادات ذات العلاقة المتوترة بكوكب الشرق، وآخرون يؤكدون أن لوبى إسرائيل فى عهد السادات ثم أوائل عهد مبارك كانوا وراء هدم فيللا أم كلثوم عقابا لها على مواقفها ضد إسرائيل، اختفلت الأسباب والدوافع ولكن النتيجة واحدة، فقدنا جزءاً أصيلا وجميلا من تاريخ أم كلثوم، يكفى أن تعرف أن بدروم الفيللا كان الاستديو الذى تقيم فيه ثومة بروفات حفلاتها فى سنواتها الأخيرة، وأن غرفة المكتب أو المكتبة كان الحضن الذى احتضن اختيار الأغانى والبحث عن القصائد وجلسات التحضير الأولى لنحو نصف قرن من عمرها الفنى النادر، فما بين الهرولة وراء المال والرغبة فى إخفاء تراثها ضاعت ثروة لا تقدر بمال، خط وملاحظات الست على هوامش دواوين الشعر، وخطابات المعجبين من رؤساء وملوك ومواطنين، كل هؤلاء تجمعوا على عشقها.

1- أول وآخر قصر

فى عام 1938 انتقلت إلى أم كلثوم للفيللا أو القصر الصغير الذى يقع فى 5 شارع أبو الفدا بالزمالك، وقد بنى الفيللا المعمارى الكبير المهندس على جبر، حرص المعمارى على أن تحاكى الفيللا شخصية صاحبتها، الطراز من الخارج كلاسيكى، والشرفات واسعة وكلها تطل على النيل، أما بالداخل فقد حرص المصمم جبر على أن تحقق الراحة لصاحبتها. وهناك خلاف حول عدد أدوار الفيللا، البعض يقول أنها كانت فى البداية دورين فقط وبدورم، ثم أضافت الست الدور الثالث لاستيعاب نشاطها، وهناك آخرون يقولون إنها كانت ثلاثة أدوار، وحتى ترتيب الفيللا لم يسلم من التغيير، فى إحدى مراحل حياة الست كان الدور الأول مخصصاً للاستقبال وصالة الطعام، وفى مرحلة أخرى سكن أقاربها وأطفالهم الدور الأول، بينما نقل الاستقبال للدور الثانى حتى لا تصعد أم كلثوم دورين من جناحها الخاص فى الدور الثالث، وهناك الحديقة، وخصصت ثومة غرفتين لنومها الأولى صيفية تطل على النيل، والثانية شتوية تطل على الشارع الجانبى.

تكلفة الفيللا فى الثلاثينات من القرن الماضى كان عشرة آلاف جنيه وهو مبلغ ضخم كان يكفى بناء عمارة كبيرة.

2- مشروع متحف

لم تفكر أم كلثوم فى حياتها فى تحويل الفيللا لمتحف أو مشروع خيرى، ويقال إنها كانت ترغب فى إهداء الفيللا لجمعية أم كلثوم، وقد كان المشروع الخيرى فى الأصل لأم كلثوم، ولكن السيدة جيهان السادات أوقفت المشروع بعد أن وضعوا العراقيل أمام ثومة لإتمام المشروع، فى المقابل أطلقت جيهان السادات مشروعها الوفاء والأمل، ولذلك تخلت أم كلثوم عن حلمها بتحويل الفيللا كمقر للجمعية، وأوصت بالفيللا للورثة البالغ عددهم 11 فردا، والورثة كانوا زوجها وأبناء كل من شقيقها الشيخ خالد وشقيقتها سيدة.

وبعد وفاة أم كلثوم فى عام1975 حدث خلاف حول الورثة عن مصير الفيللا، فقد كان من المستحيل أن يظل زوجها وأسرتها فى البقاء معا فى الفيللا، أما خارج الأسرة فقد تعالت الأصوات بضرورة الحفاظ على الفيللا وتحويلها إلى متحف، و على الرغم من أن ثروة أم كلثوم كانت كبيرة جدا، خاصة مجموعة مجوهراتها الماسية والمهداة من ملوك وأمراء ورؤساء دول، ورغم أن كل شىء يتعلق بالست كان يساوى الكثير فى المزاد، رغم هذا وذاك رفض الورثة فكرة إهداء الفيللا للدولة لتحويلها متحفاً، ورموا الكرة فى ملعب الدولة، وفى ذلك الوقت لم يكن ثمن الفيللا يزيد على 500 ألف جنيه، تصوروا أن الحكومة المصرية أو بالأحرى الرئيس الراحل السادات رفض أن تدفع الخزانة نصف مليون جنيه للحفاظ على فيللا أم كلثوم. وحدثت مفاوضات وتدخلات مصرية من أصدقاء الست مع الاسرة لإقناعهم بتخفيض ثمن الفيللا من ناحية، وإهداء الدولة بعضا من مقنيات الست من ناحية أخرى، فساتين حفلاتها، الأوسمة بعضا من آثاث المنزل العزيز عليها مثل المكتب ووافقت الأسرة، ثم حدث شىء غريب أو بالأحرى مريب حملات صحفية شرسة على ورثة أم كلثوم لأنهم يرفضون التخلى عن الفيللا بدون فلوس، ومرة أخرى تظهر شائعات بأن الورثة يرفضون حتى التخلى عن بيع مقتنياتها لأنهم يريدون بيعها بملايين الجنيهات.

وكان واضحا وجود رائحة غريبة تريد أن تجهض المشروع من خلال تحميل الورثة الذنب، وكأن أم كلثوم كوكب الشرق تخص أسرتها فقط، وإن كأن مسئولية تكريمها وإقامة متحف لها يقع على عاتق الورثة وليس الدولة المصرية.

3- تدخلات عربية وعالمية

وعندما وصلت الفضيحة للعرب والعالم، فضيحة رفض الدولة شراء الفيللا تطوع الكثيرون بالشراء، وتدخلت منظمة اليونسكو على الخط لحماية الفيللا وفشلت، معظم ملوك وأمراء الخليج وبعض عشاقها من أصحاب الملايين عرضوا شراء الفيللا من الورثة بأى ثمن وإهدائها لمصر لإقامة المتحف، ولكن الحكومة المصرية لم ترد على هذه الرسائل، تركت الأمر للورثة، وبدا واضحا أن المطلوب ليس تكريم أم كلثوم، بل التخلص من الفيللا أو بالأحرى الفكرة، وكلما مرت ذكرى أم كلثوم وتجدد الحديث عن المتحف، تتهرب الحكومة من الرد، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، فى أوائل الثمانينيات باع الورثة الفيللا بعد أن ضربتها يد الإهمال إلى رجل أعمال سعودى، وكان ثمن الفيللا مجرد مليون جنيه، مرة ثالثة وعاشرة تقاعست الحكومة عن إنقاذ فيللا كوكب الشرق، وبهذا البيع أخلى الورثة مسئوليتهم عن الفيللا، وعلى الرغم من أن رجل الأعمال السعودى لم يهدم الفيللا وتركها لسنوات، إلا أن الحكومة المصرية استمرت فى سياسة التجاهل، وأخيرا باع رجل الأعمال السعودى الفيللا بخمسة ملايين جنيه لمستثمر مصرى هدمها، وبنى عمارة قبيحة وفندقاً لا يحمل من تراث كوكب الشرق إلا اسمها فقط، وارتاح الجميع فاسم أم كلثوم لا يزال يتردد ليس على مسرح أو قاعة بالأوبرا، ولكن على فندق، ولإخفاء معالم الجريمة أقاموا تمثالاً للست أمام الفندق.

4-غيرة أم مؤامرة

المعاصرون لفترة رحيل ثومة يعرفون قصة الخلاف أو بالأحرى الغيرة بين أم كلثوم والسيدة جيهان السادات، لم تكن علاقة الامرأتين جيدة ولا حتى سهلة، فوجئت أم كلثوم بعراقيل من وزارة الشئون الاجتماعية (التضامن الآن) فى إشهار جمعيتها (جمعية أم كلثوم)، وهى جمعية تجمع بين ملجأ للأطفال اليتامى ودور مسرح وسينما، ولكن الفكرة أعجبت السيدة جيهان السادات وأطلقتها باسم الوفاء والأول، لم تكن جيهان ترضى بالعيش فى ظل الرئيس مثل السيدة زوجة جمال عبد الناصر، كانت تخطط لمكانة خاصة ومنصب سيدة أولى تحتضن قضايا المرأة والطفل والفنون، ولهذه الأسباب كان من البديهى أن تظهر المقارنات بين شهرة ومكانة أم كلثوم وشهرة ومكانة جيهان السادات، ولذلك عزا الكثيرون من المعاصرين لجيهان السادات فشل أو بالأحرى إفشال متحف أم كلثوم، وعلى الرغم من نفى السيدة جيهان المتكرر لخلافها مع ثومة، إلا أن الصديق الأقرب لأم كلثوم وهو مصطفى أمين ذكر هذا الخلاف، الآن بعض من أحفادها يطرحون بعد مرور السنوات وانكشاف الأحداث سببا آخر، وهو إسرائيل، فلا يمكن أن ينسى الإسرائيليون أن الربع ساعة الأخيرة فى ساعة أم كلثوم ومجدها كانت للقضايا العربية والفلسطينية، ولا يمكن أن ينسوا دور أم كلثوم الملهم فى التبرع للمجهود الحربى، وغناءها فى باريس بعد هزيمة 67 لتعود مصر على أغلفة المجلات ومانشيتات الصحف بثوب جديد أو بالأحرى بفخر وثقة، ولم يتصور أحد فى بداية عهد الرئيس السادات ذهابه إلى تل أبيب ومعاهدته مع إسرائيل، وكان لإسرائيل لوبى أو مجموعة من المثقفين والكتاب تحاول إبعاد وهدم كل ما هو عروبى أو ناصرى، كل من له إيمان بدور مصر فى القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لقد حاولت إسرائيل طمس تاريخ العرب والعروبة بألف طريقة وطريقة، وإسرائيل خلافا للعرب لا تنسى بسهولة، إذا بدا الأمر غريبا لك أو صعب التصديق إليك هذه القصة، فذات مرة أرادت سفارة إسرائيل بالقاهرة الاحتفال بعيدها القومى، وهذا حدث دبلوماسى تلتزم مصر بتأمينه بعد معاهدة السلام، واختارت السفارة فندق النيل هليتون لإقامة الحفل، ولم يكن الاختيار عشوائيا كما تصور البعض، فهذا الفندق بنى خصيصا لاستيعاب وفود الجامعة العربية خلال القمم العربية، وهذا الفندق يرتبط بالجامعة العربية من خلال نفق، وهذا الفندق هو آخر مكان أطل منه الرئيس الراحل عبد الناصر مع الزعيم الفلسطينى فى ذلك الوقت أبوعرفات قبل وفاة عبد الناصر، وقد عرضت إسرائيل على مصر شراء حق عرض أفلام وأسطوانات أم كلثوم، وقوبل العرض بالرفض، وهذا العرض كان الغرض منه تقنين علاقة شرعية بأى وسيلة مع أم كلثوم، لأن أفلام وأغانى أم كلثوم تعرض فى إسرائيل من خلال القرصنة، ومن يميلون لهذا الرأى يستندون على غياب نفوذ جيهان السادات فى الثمانينيات وقت بيع الفيللا، ومع ذلك استمر تجاهل الدولة أو بالأحرى رفضها لشراء الفيللا لتحويلها لمتحف للست، بل إن وزير الثقافة الأشهر فاروق حسنى والذى كان يفخر دوما بدعم الدولة والسيدة سوزان مبارك للثقافة، الوزير يبرر فى حديث تلفزيونى عدم شراء الفيللا وتحويلها لمتحف بأن الثمن كان خمسة ملايين جنيه، وهذا الرقم كان فاروق حسنى يدفعه راضيا لإقامة مهرجان من مهرجاناته العديدة، ولكن فاروق حسنى أخذ خطوة للأمام، فبعد أن تم هدم الفيللا وارتفع الفندق مكانها، سمحت الحكومة بإطلاق متحف صغير لأم كلثوم فى قاعة ملحقة بقصر المانستريلى.