د. حسن أبو طالب يكتب: الـ"... مجنون..."!!

مقالات الرأي

بوابة الفجر


لعلنا جميعًا تابعنا ما تمت إذاعته - حتى الآن - من حلقات برنامج الـ«...مجنون رسمي» المتخصص في نصب الفخاخ لمشاهير الوسطين الإعلامي والرياضي، في الوطن العربي، خلال شهر الصيام من كل عام. وقد أثارت حلقات هذا البرنامج بلبلة في كل البيوت المصرية، التي يفرض فيها هذا الضيف الثقيل نفسه على كل أفراد أسرها. ولن أذيع سرًا، إن قلت إن نية الكتابة عن سلبيات هذا البرنامج لم تكن حاضرة لدي، لولا هول المفاجأة من رد فعل صغيري، صاحب الـ6 أعوام: فبدلاً من أن تصدر عنه الضحكات، كان يستشيط غضبًا، ويعلو صوته بصيحات الاستياء والاستهجان، كلما شاهد هذا البرنامج. 

بادئ ذي بدء، دعونا نتبرأ صراحة من أي تعاطف تجاه ضحايا الـ«...مجنون»، إناثًا وذكورًا، فلولا إصرارهم  على إرضاء شهواتهم في الظهور، وإشباع رغباتهم في التربّح الميسور، ما رأينا دموعهم ولا سمعنا صرخاتهم، الصادق منها والمفتعل. كلماتي اليوم أكتبها لألقي الضوء على الخطر المنسي، جراء الاستمرار في بث حلقات هذا البرنامج.

بخلاف كل مواسمه، يخادع مقدم هذا البرنامج «رامز جلال»، ذائع الصيت - رغم سوء سمعته بين أصدقائه-  ضحاياه، حتى يتمكن هذه المرة من تقييد أيديهم وأرجلهم من خلاف، وهو بذلك يسلبهم أعز ما قد يملكه الواحد منا: وهو «الحق» في حرية التصرف والدفاع عن نفسه أو حتى في الهروب، على أقل تقدير. يمعن الـ«...مجنون» في التلذذ باضطرابات ضيوفه النفسية، وآلامهم الجسدية، والاستمتاع ضاحكًا مرة، وساخرًا مرات، من استجدائهم عطفه، وسط مشهد تنمر لا تخطئه عين، بما يتنافى وكل الأعراف الدولية في حماية حقوق الإنسان، وبما تأنفه الفطر السليمة، لعل طفلي الصغير مثال على ذلك.  

تنطبع تلك المشاهد المستنكرة في أذهان المتابعين للبرنامج، وهو ما يشكل الخطر الداهم، حيث إن تعمد إثارة ضحكات المشاهدين – في ظل تكرار مشاهداتهم للحلقات - تجعل المتابعين يستسيغون تلك الممارسات البذيئة ويستحلون هذه التصرفات اللاآدمية. وفي ظل عدم ممانعة استمرار بث تلك الحلقات، نكون - جميعًا -  قد قررنا أن نبعث إلى المجتمع بأكمله برسالة مفادها أن تلك الأعمال «ليست مرفوضة»  - بل « مرحب بها » - داخل كل البيوت العربية، وبين كل الأشخاص، في مختلف العلاقات الاجتماعية. 

لقد تعددت المطالبات بوقف بث هذا البرنامج: حيث تقدم أعضاءٌ بمجلس النواب بطلبات إحاطة لوقف بث هذا البرنامج، وتقدمت هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، ومستشفى العباسية للأمراض النفسية ببلاغين إلى النائب العام للتحقيق في محتوى هذه الحلقات، كما تلقت محكمة القضاء الإداري دعوى لوقف البرنامج. ورغم كل ذلك...!! لا تزال حلقات برنامج الـ«...مجنون» - حتى كتابة كلمات تلك المقالة - تذاع على مرأى ومسمع من الجميع..!! فهل تفعلها الجهات المعنية؟!