د. عذاب العزيز الهاشمي يكتب: خارطة التشريعات القانونية الجديدة في ظل وباء كورونا

ركن القراء

الدكتور عذاب العزيز
الدكتور عذاب العزيز الهاشمي



ألقت المتغيرات الدولية المتسارعة ظلالها على جميع النواحي الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والاجتماعية، في العالم بعد أنْ تفشى وباء كورونا للعالم، حيث قدرت الإحصاءات الدولية من منظمة الصحة العالمية WHO أنّ عدد المصابين بهذا الوباء لامست مليوني شخص على مستوى العالم، الأمر الذي شكل تحولًا كبيرًا في حياة البشر، وكذلك بالنسبة لراسمي السياسات في العالم. 

ومن أهم التحولات؛ هي التشريعات القانونية على قاعدة أن حالة الطوارئ تُعلن كلما تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الدولة للخطر، سواء كانت بسبب وقوع حرب، أو قيام حالة تهدد بوقوع حرب، أو حدوث اضطرابات في الداخل، أو كوارث عامة، أو وباء متفشي؛ ولذا فإنها بالأهمية والضرورة في مواجهة هذه الحالات، مشيرًا إلى أن قانون الطوارئ دستوري لحماية الدولة والمواطنين.

كذلك، فمن حق الرئيس في ضوء القانون أن يوسع دائرة الصلاحيات الواردة في الدستور للعديد من دول العالم؛ بشرط إعلان ذلك على مجلس الأمة أو البرلمان أو المجلس التشريعي حسب المسميات الدولية في أول جلسة له؛ فمثلًا أن يتم منع طباعة الصحف الورقية مؤقتًا؛ بسبب الخطورة على المواطنين، خاصة فى الوقت الحالي من انتقال الفيروسات، وخطورتها على الصحة العامة، والمطالبات بتعقيمها بشكل متواصل.

كما أن التشريعات الجديدة تُخول الشُّرطة حق إنهاء التجمعات، وإجبار الناس على العودة إلى منازلهم؛ للحد من انتشار المرض، وتسعى الحكومات لسن قوانين تخص البعد الإلزامي بهذا الخصوص.

فعلى سبيل المثال، أقرّت بريطانيا سلسة من التشريعات في مجلس العموم البريطاني، من أهمها:

1- أن يكون لدى مسؤولي الصحة العامة والهجرة السلطة (لتنفيذ معايير الصحة العامة، بما في ذلك إعادة الأشخاص إلى الأماكن التي طُلب منهم البقاء فيها).

2- أن يكون لدى الحكومة الحق في الأمر بإحراق جثث الموتى بدلًا من دفنها، وكذلك الحق في نقل الجثث والتخلص منها بالطرق التي تراها مناسبة.

3- وفيما يتعلق بالصحة النفسية والعقلية، فإنه وفقًا لمشروع القانون أصبح من الممكن إيداع شخص مصحة عقلية أو نفسية وفقًا لرأي طبيب واحد، بدلًا من طبيبين كما هو متبع وفقًا لقانون الصحة النفسية لعام 1983م.

4- وأن يكون منتجو المواد الغذائية ملزمين باطلاع الجهات الرسمية على مخزونهم، وعمّا إذا كان يوشك على النفاد.

5- ألا يكون هناك زيادة لعدد التلاميذ في الصف الواحد عن 30 تلميذًا، وهو الحد الأقصى المعمول به حاليًا، في حالة التعرض لنقص عدد المدرسين؛ بسبب تفشي المرض.

وأخيرًا في هذا السياق، أقترح  ضرورة تبنِّي السلطة القضائية لهذه الآلية في العمل القضائى لمواجهة الوباء، مبينًا أنها أكثر إلحاحًا للتطبيق في نطاق العدالة الجنائية، بمعني  صياغة مذكرة أو مشروع قانون إجراءات جنائية لمجلس الأمة أو مجلس النواب؛ لضرورة الاستجابة لهذا التطور(إذا كانت الدولة تتبنى بكامل أجهزتها سياسة التحول الرقمي، فهذا التطور سوف يفعِّل جلسات المحاكمة الجنائية؛ لما لها من فضل توفير الجهد والوقت والنفقات، بدون أدنى إخلال بحقوق الدفاع، ولعل الظروف القاسية الحالية فرصة لبحث جاد لتبني هذه السياسة.
كما أن جائحة كورونا؛ كضرورة إجرائية، تستوجب استحداث تعديلات في قانون الإجراءات الجنائية، حيث أنّ أزمة وباء كورونا أفرزت ضرورة توجيه المشرع نحو إقرار مجموعة تعديلات تشريعية لقانون الإجراءات الجنائية؛ لتلائم الظروف الراهنة، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية وجود مثل هذه القواعد بما يسمح بمباشرة الإجراءات القضائية بدلًا من تعليقها؛ نظرًا للظروف الراهنة.

وإن منطق إدارة الأزمة (Disaster management)، يفترض استمرارية الخدمة ودوام سير العمل بالمرفق العام دون تعطيل، مع تعديل في وسائل وآليات أداء الخدمة، بما يراعي الظروف الاستثنائية الناجمة عن حالة الأزمة. 

فالمبدأ القانوني الحاكم للمرفق العام؛ هو (استمرار ودوام سير المرفق العام)، وهذا المبدأ واجب التطبيق، سواءً في الأحوال العادية أو في الأحوال الاستثنائية، وأمّا فيما يتعلق بالمحاكم، فإن من حق المتهمين أن يتم حسم أمرهم بأسرع وقت، دونما تأخير أو تأجيل، على أن يراعى في الوقت ذاته عدم تعريض صحة وحياة جميع العاملين بمرفق العدالة من قضاة، وأعضاء النيابة العامة، والمحامين، والموظفين، والمتقاضين، ورجال الأمن، والصحفيين المتابعين لأخبار المحاكم. 

بالإضافة إلى أن الإسراع في إصدار تعديلات قانون الإجراءات الجنائية بما يسمح بإجراء التحقيقات والمحاكمات والتقاضي عن بعد؛ لأمرٌ ضروريٌ، ولكن الأهم هو البدء من الآن في إعداد البِنيَة التحتية اللازمة لذلك، كما يبدو من الضروري أيضًا تعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية، بما يسمح بإجراء الإعلانات القضائية إلكترونيًّا، عبر (الواتس آب) أو برسالة نصية قصيرة عبر الهاتف أو من خلال البريد الإلكتروني، على نحو ما فعلت كلًا من الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسعودية، والأردن.