بطرس دانيال يكتب: مِن الشدّة... رجاء

مقالات الرأي



السعادة هى مقياس اللجوء إلى الله والثقة والرجاء والإيمان به

«هذا هو اليوم الذى صنعه الرب، فلنبتهج فيه ولنتهلل» (مزمور 24:117). نحتفل هذا العام بعيد القيامة المجيد فى أجواءٍ غريبة لم نعتد عليها من قبل، بسبب ﭬيروس كورونا الذى اقتحم عالمنا وقَلَبَ موازينه. مَن يتخيّل أن نحتفل بطقوس أسبوع الآلام المحببة إلى قلوبنا وعيد القيامة الذى يملأ الأجواء بالبهجة فى منازلنا؟ هل كان يتوقع أى شخص منّا أن يتابع هذه الصلوات عن طريق التلفاز فقط؟ إذاً ما هو الحل؟ يجب علينا أن نتحلّى بالرجاء الذى يحوّل كل الطاقات السلبية إلى إيجابية، ونتعلّم من السيد المسيح المثال الحى الذى تألم وتعذّب وقبل الإهانات والصلب والموت ثم قام من بين الأموات. لا ننكر أن غالبية الناس فى العالم كله تعيش حالة من الخوف والفزع والصراع النفسى بين اليأس والأمل، الحزن والفرح، الظلام والنور، لكن يجب علينا أن ننطلق من عيد القيامة المجيد رافعين راية الأمل وعدم الاستسلام للوضع الحزين، حتى نستعيد طاقاتنا فى هذه الفترة ثم نعود إلى حياتنا اليومية كما من قبل ولكن بصورةٍ أفضل وموعظة جديدة. كما يجب أن نعتبر هذه الأيام مرحلة تنقية وتطهير ووقفة مع الذات لنصبح أنضج من قبل. «هذا هو اليوم الذى صنعه الرب، فلنبتهج فيه ولنتهلل»، هذا اليوم يختلف تماماً عن الأيام التى نصنعها بأيادينا، للأسف الكثيرون منّا اخترعوا أيام الخيانة والنكران والحقد والقتل والتدمير، لكن اليوم الذى يمنحنا إياه الله هو يوم جديد نستطيع أن نطلق عليه: يوم ميلاد الخليقة الجديدة. فإن كنّا صنعنا أيام الظلام نتيجة ما نفعله مع الآخرين؛ فالله يمنحنا النور الذى يبدد الظلام، إذا كنّا نخاف الموت أو نتجاهله أحياناً كثيرة، فالله يهبنا الحياة التى لا نهاية لها ولا يستطيع أحدٌ أن ينزعها منّا، إذا كان الإنسان يصنع الدمار بكل الوسائل التى يتفننها؛ فالله يُصلح كل شىء فى حياتنا، وإذا كان الإنسان يبتكر البغض والكراهية، لكن الله يمنحنا الحُب الحقيقى والغفران الدائم بلا حدود. بالرغم من الأجواء التى تحيط بنا ونحن نحتفل بعيد القيامة، يجب علينا أن نهدم كل أنفاق العالم القديم المبنية على البغض والكراهية والظلم وعدم المساواة، ونحل محلها جسور المحبة والسلام والنور والعدالة، فالقيامة بالنسبة لنا هى عبور من الجسد الأرضى إلى اللقاء السماوى. من الطبيعى أن يعترض البعض على ما نمر به من محن وقلق بسبب ﭬيروس كورونا، لكن يجب أن نثق فى وعود الله وعزائه، وأن نضع نُصب أعيننا الرجاء الذى به نتحمّل المشقات والآلام والصعوبات التى تواجهنا فى هذه الدنيا واثقين بأنها لن تدوم، لأن ذلك النهار لن يعقبه ليل على غرار أيام الحياة الأرضية، لأن نوره لا يزول، وضياءه لا حدّ له، وسلامه حقيقى، وراحته أبدية. كما يجب علينا ونحن نحتفل بعيد القيامة المجيد أن نتذكّر جميع الذين رحلوا عن عالمنا بسبب ﭬيروس كورونا ونحن على ثقةٍ بأنهم فى مكانٍ أفضل، وهذا سيدفعنا إلى التحلّى بالرجاء الذى يساعدنا على تحمّل جميع المشقات فى سبيل حياة وقيامة أبدية. فالإنسان الذى يجاهد فى هذه الدنيا جهاداً حسناً سينال التعزية عن كل هذا، وينعم بالفرح الذى لا ينزعه منه أحدٌ. إذاً خبرة القيامة تساعدنا على إزالة الحجر الذى يغلق باب رجاءنا لكى نخرج إلى النور ونعتاد عليه، كما أنها تمنحنا الثقة فى وجود الله كل لحظةٍ فى حياتنا وهو الذى سيحررنا من عتق عبودية القبر. لذا يجب علينا أن نحيا فى سعادةٍ تامة ونفرح كل حين، ولا نتمثّل بالذين يعتبرون السعادة ضد الإيمان، حتى أنهم يعيشون فى حزنٍ طوال حياتهم. فالسعادة هى مقياس اللجوء إلى الله والثقة والرجاء والإيمان به. فإذا فتحنا قلوبنا لله ستغمرنا السعادة والابتهاج والقيامة، ولكن عندما نستسلم للحزن والكآبة سنبتعد عن الله مصدر هذه النعم، وحيثما يوجد الله؛ فهناك السعادة. للأسف كثيرون الذين يعيشون تحت وطأة الحجر الذى يغلق باب القبر عليهم ومن شدّة يأسهم لا يريدون الخروج من هذا الظلام، كما أن البعض منّا يحيا فى هذه الحياة وكأنه مائتا ولا يفكر أبداً فى نعمة القيامة، لذا يجب علينا أن نرفع هذا الحجر لكى نحيا القيامة بروحٍ جديدة، ونزيل عنّا حجر همومنا وحزننا ويأسنا، ونحّول هذا كله إلى نورٍ وفرحٍ وقيامة. كل عام وجميعنا بخير وسلام، وبركة القيامة تحل على جميعنا.