د/ حسن أبو طالب يكتب: "فيروس كورونا" بين جائحة اقتصادية عالمية، ومنحة تنموية محلية !

مقالات الرأي

د/ حسن أبو طالب
د/ حسن أبو طالب


لا شك أن إسراع منظمة الصحة العالمية بتصنيف مرض كوفيد 19  على أنه وباء عالمي أصاب الكثير من المتأملين بالحيرة. ولعل أهم هذه الأسباب، بل وأكثرها وضوحًا، هو عدد ضحايا فيروس كورونا (حتى كتابة كلمات هذا المقال) الذي لا يكاد يُقام له وزن، عند مقارنته بأعداد ضحايا الأوبئة التي ضربت كوكب الأرض فيما مضى: فقبل ما يزيد عن مائة عام أصابت الإنفلونزا الإسبانية تقريبًا ثلث سكان الكرة الأرضية، وتسببت في مقتل ما يقرب من 50 مليون إنسان. وفي القرن الثاني عشر، أي قبل حوالي ما يزيد عن ثمانمائة عام، تسبب الطاعون في مقتل ما يقرب من ثلث سكان الأرض آنذاك،  وهكذا كانت أعداد ضحايا الأوبئة العالمية في الماضي. 

ولكن إن اختلف البعض حول تصنيف كوفيد 19 على أنه وباء صحي، فثمة إجماع، في الشرق وفي الغرب، على أنه جائحة إقتصادية مكتملة المعالم، سيكون لها تأثيرات مدمرة على جميع المستويات، سواء على مستوى الدول المتقدمة أو دول العالم الثالث، وتبعات لم يكن يود أحد أن يراها على الأرض، بعد أن اضطرت جل الحكومات إلى إغلاق الحياة وتعطيل الأعمال سواء بشكل جزئي أو كلي، كأحد الإجراءات الاحترازية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية لتجنب زيادة عدد المصابين وتفشي الوباء. وستتبدل أحوال وتتغير أوضاع في جميع أنحاء العالم، فقد أشار التقرير الفني لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى انخفاض مستوى حركة التجارة بين الدول بنحو 50 مليار دولار أمريكي، وإلى انكماش في القدرة الإنتاجية لجمهورية الصين الشعبية بمعدل 2 بالمئة. ويرى اقتصاديون أن من بين الاقتصادات الأكثر تضررًا الاتحاد الأوروبي حيث بلغ متوسط خسائره، إلى الآن، ما يزيد عن 15 مليار دولار أمريكي، في حين بلغت خسائر الولايات المتحدة نحو 6 مليار دولار أمريكي، واقتربت خسائر اليابان من 5 مليار دولار أمريكي.

وعلى المستوى المحلي، جاء تأثر قطاعات حساسة في مصر كقطاع السياحة والطيران، فضلا عن واردات قناة السويس بشكل سلبي من الإجراءات المتخذة لتفادي تفشي الوباء بين مختلف فئات شعبنا المكافح، وسط تطمينات مجلس الوزراء المصري بأن الاقتصاد الوطني في وضع طيب الآن يمكّنه من تجاوز خسائر كورونا الاقتصادية وذلك بفضل تراجع معدلات التضحم في الفترة الأخيرة، وتماسك أداء عملتنا المحلية أمام سلة العملات الأجنبية، وزيادة صافي الاحياطي النقدي من الدولار في البنك المركزي إلى مستويات غير مسبوقة.

ورغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية جراء الفيروس التاجي ليس فقط في مصر ولكن على مستوى العالم، ثمة منحة يا سادة يمكن للقاهرة أن تستخرجها من قلب محنة  كوفيد 19، في ظل توقع خبراء الاقتصاد على المستويين العالمي والإقليمي بزيادة وتيرة توجه العالم شرقًا، أكثر مما كان عليه الحال قبل تداعيات أزمة كورونا الحالية، والإشارة إلى الشرق هنا لا تقتصر على بكين فقط، بل إلى كثير من دول الشرق، وفي القلب منها مصر، وهو توجه يثير قلق الدول الغربية. حيث يمكن لمصر أن تتحول بفضل موقعها الجغرافي المتميز إلى مركز لحركة التجارة والصناعة العالميتين. فبمد جسور التعاون مع إفريقيا يمكن للحكومة المصرية الاستثمار في قطاع الزراعة بما يحقق الإكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، وبالاعتماد على عقول أبنائنا المميزة يمكن وضع خطة محكمة للتوسع في مشروعات الرعاية الصحية بما يتماشى ورؤية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والتوسع في تطبيق نظام التأمين الصحي الجديد، وبالاعتماد على البنية التحتية للتحول الرقمي يمكن، الآن وبشكل أفضل من أي وقت مضى، الاستثمار في تطوير منظومتنا التعليمية والاهتمام بجودة مخرجات التعلم بما يتماشى مع المعايير الدولية في هذا الشأن. وبذلك يمكن لمصر بفضل ثروتها البشرية التي لا تقدر بثمن أن تتخذ من الأزمة سبيلاً للنهوض وبداية للانطلاق نحو مستقبل واعد يحقق لأبنائه التقدم والنمو والازدهار.