رامي المتولي يكتب: Unorthodox.. نتفليكس تفضح "المتشددين اليهود"

مقالات الرأي



إدانة الرجعية وسلطة رجال الدين والسلفية فى كل الاديان

فى الوقت الذى يبحث فيه العالم عن التقدم والكشف عن سبل مريحة وآمنة للحياة، يختار البعض أن يتراجع خطوات للخلف، ويتمسك بأصول يرى بشكل متواتر أن الابتعاد عنها هو الكفر وعادة لا يأخذ بالتطور ويتوقف عند مرحلة آمنة ووسيلته فى السيطرة تكون سلطته الروحية القادمة من الدين، هذه المجموعة التى تساهم فى نشر الجهل بشكل متعمد لفرض السيطرة والبقاء فى موقع المتحكم تختلف فى درجات تعاملها البعض يصل لأقصى درجات التطرف والإرهاب ويسعى لفرض وجهة نظره بقوة السلاح كالصهاينة والداعشيين أو أى مجموعة من المتطرفين الدينيين حيث القتل على أساس دينى تقربًا من الله، أو بدرجة أقل فى إراقة الدماء لكنها فى نفس مستوى العنف الممارس فقط يختلف شكله كما الحال عند السلفيين أو الحسيدين، الأخيرة هى الطائفة التى يركز عليها المسلسل القصير Unorthodox والذى يثبت أن الفكر المتشدد الرجعى واحد فى كل الأديان.

الحسيدين هى طائفة يهودية سلفية متشددة وهى أشد انغلاقًا على نفسها وعاداتها عن المعتاد من الجماعات العرقية فى المجتمعات المتعددة الجنسيات أو المنفتحة بشكل عام، طائفة الأميش المسيحية هى الأخرى نموذج للرجعية والتمسك الحرفى بعادات تعادى الطبيعة البشرية الساعية للبحث والتطور، المسلسل مستوحى من أحداث حقيقية لكنه لا يسير عليها بشكل حرفى، فأصل المسلسل هو كتاب سيرة ذاتية بعنوان Unorthodox: The Scandalous Rejection of My Hasidic Roots للكاتبة ديبورا فيلدمان التى كانت جزءا من مجتمع الحسيدين ولكنها نبذته مع زوجها فى مرحلة من حياتها واتجهت لدراسة الأدب واستقرت فى برلين بعد أن كانت تعيش فى مجتمع منغلق فى بروكلين- نيويورك بالولايات المتحدة، وعلى الرغم من كون أمريكا بلدا متقدما تكنولوجيًا وتعيش ديبورا فى مدينة كبرى متعددة الجنسيات لكن جماعتها التى تأسست فى القرن الثامن عشر قررت أن تعيش على مبادئ سلفية رجعية إرضاء لرجال الدين المتحكمين تمامًا فى هذا المجتمع المنغلق والذى لا يملك رجاله حريتهم الشخصية كاملة، وبالتالى المرأة فى هذا المجتمع هى أكثر بؤسًا.

من هنا تأتى أهمية هذا المسلسل الألمانى الجنسية التى سافر للعالم كله عن طريق منصة «نتفلكس» ليكشف بشكل واضح أن الرجعية والسلطة الدينية تتصرف بنفس الطريقة مهما اختلفت الأديان وكلها تمارس قهر على المرأة وتسيطر فكريًا على الرجال وتستخدمهم لخدمة رجال الدين أنفسهم تحت غطاء مكون من سلسلة محرمات تقرب من النعيم بعد الموت فى مقابل عذاب لو استحل الشخص هذه المحرمات، انعكاس ديبورا فى المسلسل هى إستر شابيرو الفتاة التى وصلت للسن الذى يسمح لها بالزواج وهو الثامنة عشر ليتم ترتيب زوج لها والهدف الرئيسى هو الإنجاب فقط، هى مجرد آلة لزيادة عدد هذا المجتمع المتشدد لغرض تعويض عدد اليهود ضحايا الهولوكوست حسب ما ذٌكر فى المسلسل ومن هنا تأتى مفارقة اختيار برلين الأرض التى شهدت قتل وتعذيب مئات الآلاف من اليهود على يد النازيين، وهى الوجهة التى هربت اليها إستر لتطلب دعم والدتها التى كانت فى نفس مكانها قبل أن تهرب بدورها وتكون لنفسها حياة مختلفة فى برلين.

الكثير من التفاصيل سنجد أنها تتشابه بين السلفيين فى كل الأديان، هى تحويل النساء لمجرد ماكينات الغرض منها التزاوج وزيادة النسل فقط، المبالغة فى تطبيق شكل الدين دون الاهتمام بالروح والعلاقة بين أى شخص والله، المهم فى هذا المجتمع المنغلق هو إرضاء رجل الدين الذى يمنح الشخص لقب الصلاح أو لا، ففى هذا المجتمع ممنوع على الفتاة إستر أن تمارس هوايتها وحبها للموسيقى، فلا يمكنها الغناء لأن صوتها مثير للفتنة وكذلك الحال مع عزفها للموسيقى، يبدأ المسلسل بمحاولتها الهرب من هذا المجتمع لكنها لا تستطيع ان تأخذ معها أشياء بسيطة لأن الممر الآمن لسير نساء الطائفة فى الشارع والمحدد بالحبال قد انقطع وبالتالى لا يمكن للنساء المرور، ومع مرور مشاهد الحلقات سنتعرف أكثر على طقوس هذا المجتمع وما يبدو من الخارج جنة هو فى الحقيقة سجن وجحيم اختاره رجال الدين ليزيد نفوذهم ونفس رجال الدين المشهور عنهم السماحة يدعمون وجود شخصيات مثل موشى ليفكوفيتش الذى يستخدمه الحاخام ليمثل الضغط على إستر ويرهبها ليضمن عودتها إلى المجتمع المنغلق.