عبدالحفيظ سعد يكتب: البيزنس يغلب ادعاءات السوشيال ميديا

مقالات الرأي



نجيب ساويرس.. جامع الفراشات أم صائد المليارات؟ ازدواجية رجل الأعمال فى تأمين نفسه والحفاظ على روح البشر

نحتار فى تصنيف رجل الأعمال نجيب ساويرس، صاحب الاهتمامات المتعددة، بين رجل الأعمال الناجح فى أعمال الإنشاءات والاتصالات، أم السياسى الحالم، أو المدون الرومانسى الحالم بعالم أفضل.

ظهرت غالبية مواهب ساويرس بعد أن حل فى قائمة المليارديرات، بثروة ضخمة دفعته أن يدخل قائمة العشرين، من صفوة الأثرياء فى العالم بعد أن تجاوزت ثروته وعائلته أكثر من عشرين مليار دولار.

لكن رجل الأعمال دخل فى المجال العام بقدميه، عندما ضخ جزءًا من استثماراته فى الإعلام، وتبعه فى الاستثمار فى الألعاب الرياضية.

لكن مواهب الرجل الصاعد، لم تتوقف عن الرياضة والإعلام، فغاص بقدميه وبإرادته أن ينشأ ويمول حزبا سياسيا فى الفترة المغرية للعمل العام عقب ثورة 25 يناير.

منذ تلك الفترة، اختلط الحال فى التعامل مع ساويرس، هل رجل أعمال أم سياسة؟ عقلية البيزنس أم حنكة السياسي؟ وانتقلت أخباره من صفحات الاقتصاد والأعمال، والمجتمع والرياضة إلى صفحات الأحداث العامة.

لا أحد لا ينكر على ساويرس حقه فى العمل العام، فهو مصرى أصيل يتفاخر بأصوله الصعيدية، وابن بلد يحب النكتة، لا تخلو أحاديثه والعديد من أفكاره فى التعبير عن حبه للبلد، برعاية جوائز أدبية وإقامة مهرجانات ودعم أعمال فنية.

الدعم الذى يقدمه ساويرس، وكلماته المبهجة على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعى بعد أن تحول لناشط عليها، تؤكد كم يحب هذا الرجل بلده وناسه، رغم أن غالبية أمواله واستثماراته خارج أرض هذا الوطن.

يبدو أن حب الوطن والناس، يتحطم عندما يصطدم بعتبة البيزنس، فتخفت المشاعر وتصعد لغة الأرقام والحسابات.

1- نجم الجيل

فى قصة قصيرة، أحداثها وأبطالها حقيقيون، تبدو كطرفة، تدور فى أحد أيام الشتاء فى نهاية القرن العشرين، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة للكتاب، جمعت ندوة بين رجل أعمل كبير صاحب شأن ومال، مع مبدع عجوز، صاحب موقف، وله صيت، لسانه لا يرحم كبيرًا.

أراد المبدع أن يكسر، توجس رجل الأعمال منه فى الجلسة وزلفات لسانه، فابتدع قصة لطيفة من خياله، دمجها بأحداث حقيقية. وحكى المبدع: أنه فى وسط مظاهرات طلبة السبعينيات، المطالبة بالحرب ضد إسرائيل، كنا نشدو الأغانى فى حب الوطن، واتذكر فى هذه اللحظة، أن الطالب فى جامعة القاهرة، والذى يحملنى على أعناقه، يجلس بجوارى الآن..

صفقت قاعة الندوة، وتفاعلت الجماهير بالهتاف، واحمر وجه رجل الأعمال فخرا عندما سمع قصة البطولة المزيفة عن نفسه، لدرجة أنه صدق القصة عن نفسه بأنه «نجم الجيل»، رغم أنه بلسانه وفى أحد الحوارات الصحفية له، قال عن ذكرياته عن حرب أكتوبر، إنه أثناء الحرب كان يدرس الهندسة فى إحدى الجامعات الأوروبية، والتى التحق بها قبل مظاهرات الطلبة، وأنه تمنى أن يكون فى البلد فى لحظة العبور!!

2- صائد الفراشات

نترك قصة المبدع ورجل الأعمال، لنعود إلى نجيب ساويرس، خاصة أنه، لم يعد يفكر فى الفترة الأخيرة كرجل أعمال أو حتى رجل سياسة، واكتفى بنشاطه الملحوظ كمدون على تويتر.

وتحول ساويرس على السوشيال ميديا إلى «صائد فراشات»، يحتفى بالضحكة والبسمة، ويتفاعل مع متابعيه بقفشة، لا تخرج إلا من رجل حالم وزاهد وليس رجل بيزنس، وهو ما عبر عنه بنفسه عندما سأله أحد متابعيه «أنت قاعد علطول على تويتر، بتجيب وقت منين تعمل فلوس»، فأجاب مداعبًا «أنا عملتهم خلاص»، فى إشارة منه لحالة الزهد بعد أن أنعم الله عليه بالمال الوفير.

لكن عندما خرج نجيب ساويرس، وتحدث مع الإعلامية لميس الحديدى فى برنامجها القاهرة الآن على شاشة العربية الحدث، عن التداعيات الاقتصادية بسبب أزمة كورونا، خلع نجيب ساويرس، ملابس دور صانع البهجة، وجامع الفراشات، ليعود من جديد لدور رجل الأعمال، وتخلى عن كل ما سبق واهتم به من سنوات حتى كرجل سياسة. خرج ساويرس ليتحدث كرجل بيزنس قح، يتحدث عن الخسائر، وتوقف الأعمال والمصالح، ويضع فى المرتبة الثانية صحة الإنسان. ورغم أن حديثه لا يخلو من الإنسانية ومن الخوف على والده ووالدته، وأسرته، بل وشخصه لحرصه أنه يبتعد أربعة أمتار عن العمال الأربعة فى مكتبه رغم ما يوفره من أدوات تعقيم وعناية.

لكن عندما تحدث عن العمال، وتسيير العمل، قدم اقتراحات تحث على ضرورة استئنافهم لعملهم، على أن ينظم ذلك فى دوريات ليلية، لتلافى الحظر، دون أن يضمن توفير مسافة الأربعة أمتار، مثلما يتجنب هو أن يختلط فيها مع العدد القليل معهم، وهل سيوفر هو نفس وسائل العزل لهم فى المصانع ومناطق العمل، هل سيضمن عدم انتقال العدوى من عامل لآخر، أو لأسرته.

صحيح أن ما طرحه ساويرس كرجل بيرنس، بضرورة إيجاد وسيلة لعودة عجلة العمل، أمر ملح، لكنه لا يتوقع أن يصدر ممن يدعى جمع الفراشات، ويتقمص دور الرجل الزاهد وهو يرسل الضحكات لمتابعيه على حساباته ، كـ«نجم الجيل». تحدث نجيب ساويرس، بلغة رجل الأعمال عندما، دعا للاستثمار فى الذهب، وهو المجال الذى أكد فى نفس حديثه أن نصف أمواله استثمارات فى الذهب، أى أكثر من عشرة مليارات جنيه من ثروته هو وأسرته، تذهب فى وقت الأزمة فى الملاذات الاقتصادية الآمنة. لا أحد ينكر على نجيب ساويرس حقه فى الحفاظ على ثروته، لكن عليه ألا يتقمص دور البطولة، فهو ليس بيل جيتس وغيره من الأثرياء العباقرة الذين لا ينظرون إلى المال الكثير، بل عليه أن يعترف أنه رجل بيزنس، جمع المال بطرق شتى، تحمل العديد من علامات الاستفهام.. لا أحد يملك أن يحاسبه عليها، لكن عليه أن يتوقف عن لعب دور «جامع الفراشات».