عذاب العزيز الهاشمي يكتب: التشريعات والإنسانية توحد العالم ضد فيروس كورونا

ركن القراء

الدكتور عذاب العزيز
الدكتور عذاب العزيز الهاشمي


"لعل ضارة نافعة" جاء فيروس كورونا لتوحد الثقافة والسياسة والاقتصاد جمعيهم في مواجهة هذا المرض الذي انتشر بصورة متسارعة في اغلب دول العالم فاصبحت السياسة العامة للدولة تبحث عن تشريعات وآليات مناسبة في مواجهة الازمة فتوحدت العلاقات الدولية ضمن صيغة التعاون المشترك نحو الهدف في وضع استراتيجيات واحدة متفق عليها وبالتالي جاءت الثقافة ايضا موحدة صحيا من خلال إغلاق المدارس والجامعات والمقاهي والنوادي وغيرها من سبل المواجهة لهذا المرض والخطير.

فتغير خريطة الأوليات في الاقتصاد والسياسة والثقافة في العالم باتجاه التوحد الغير مسبوق في التاريخ بحيت أصبح لا يوجد معنى للصراع الدولي والتقاسم الوظيفي والاقتصادي والعسكري والسياسي على مصادر القوة والثروة والنفط حيث اصبح الانسان هوالهدف للحفاظ على بقاءه بهذه الأرض التي تجمع البشر بغض النظر عن العرق والدين والطائفية والصراع الدموي الذي قتل فينا حب العيش الكريم المسالم والحفاظ علي مقومات الارض من طبيعة وهواء وبحار وغيرها.

وفقدنا الشعور بأن الأرض لها حق علينا في سياساتنا واهدافنا واخيرا جاء ما يوحدنا جميعا بدون استثناء في مجابهة الوباء المنتشر في انحاء العالم بدلا من وباء القتل والدمار والقصف والاحتلال الذي قتل فيها الانسان الابتسامة للطفل والمستقبل  والضمير والأخلاق، جاء ما يوحدنا هذا المرض الذي لا يميز بين فقيرا وغني وزيراو مواطن رئيس او حارس جاء المرض ليقول للعلم كفا ظلما وفسادا وكفا دمارا وحروبا.

البعد الاقتصادي للتشريعات في مواجهة الوباء
كان الرئيس دونالد ترامب قد زار مبنى الكابيتول في محاولة لإقناع الجمهوريين بالموافقة على حزمة لتحفيز الاقتصاد تتضمن خفضا للضرائب على الرواتب وإعفاءات ضريبية للقطاعات المتضررة، إلا أن اقتراحاته لم تلق تجاوبا من المشرعين.

وأبرز ما عراه هذا الفيروس هو النظام الرأسمالي المتوحش، الذي لم يخجل عن مراكمة مليارات الدولارات في جيوب ثمانية أشخاص، يملكون ما يملكه نصف البشرية جمعاء.

وما ذكرنا به هذا الفيروس أن الإنفاق العالمي على الصحة لا يتجاوز 40 دولارا للفرد في العام في البلدان الفقيرة، وحوالي 1000 دولار في أغنى بلدان العالم أي الولايات المتحدة.

وما كشفه أيضا أن الإنفاق على الصحة ليس معيارا كافيا، فرغم ان الولايات المتحدة تنفق 17% من دخلها القومي على الصحة، فإن نسبة من لديهم تأمين صحي شامل فيها لا يتجاوز 30%، لأن معظم الإنفاق يذهب لجيوب شركات التأمين، وليس للمواطنين وصحتهم، ولا للصحة الوقائية أو الأولية، ولأن أسعار الخدمات العلاجية التي تفرضها الشركات خيالية.

مليارات الدولارات تذهب لشركات التأمين، والأدوية، وكلها لم تستطع، حتى الآن اكتشاف لقاح واقي من هذا الفيروس الدقيق والخطير .

مليارات الدولارات تنفق سنويا على التسلح وأجهزة الأمن المتعددة، وقد تضاعف الإنفاق على الأسلحة بشكل جنوني في السنوات الأخيرة، وكل ذلك لا قيمة له في وجه فيروس دقيق اسمه الكورونا المستجد، الذي لا يفرق بين إنسان فقير في شوارع دلهي، وبين أثرى أثرياء العالم من أصحاب المليارات في كاليفورنيا أو نيويورك، كما أنه لا يفرق بين الحكام، والملوك، والوزراء، والمشاهير، وبين المواطنين العاديين البسطاء.

العالم أصبح قرية عالمية واحدة نتيجة العولمة، وانفجار التجارة والنشاط الإقتصادي العالمي، ومنظومة الرأسمالية التي تقدس حرية التجارة، وحرية تنقل الأموال، وحرية الإستثمار، ولكن ذلك جعلنا أيضا عالما واحدا لا حدود بينه لنقل الفيروسات والأمراض الحديثة التي لن تبقى محصورة في البلدان النامية كأمراض الملاريا، والسل، والحمى الصفراء القديمة.

عالمنا ينفق آلاف المليارات على إنتاج وتجارة الأسلحة المربحة، ويتقاعس عن تخصيص 12 مليار دولار كافية لجعل المياه النقية والصحية متوفرة في كل بيت في العالم.

وعالمنا انشغل بتطوير أنظمة التجسس الإلكترونية وبرامجها التي قضت على خصوصية البشر، وجعلت كل مكالمة هاتفية، وكل محادثة في العالم، مسجلة في خوادم الأجهزة الأمنية، ولم ينشغل بتطوير تقنيات تطوير اللقاحات ضد الفيروسات، والأمراض المعدية، كما يستطيع أن يفعل.

وكثير من الحكومات تلكأت عن تخصيص موارد لمكافحة فيروس الكورونا عندما بدأ بالإنتشار، وانشغل إعلامها بالشماتة بالصين، ولكنها سارعت لتخصيص عشرات المليارات لدعم البنوك والشركات الاحتكارية عندما انهارت سوق الأسهم مهددة معبد الرأسمالية العالمية.

ومن المذهل أن كوريا الجنوبية والصين وفرت بسرعة الفحوصات لكل من يحتاجها في حين تجاهد الولايات المتحدة لتوفيرها وبعد أن تعرض رئيسها لانتقادات حادة لتباطئه في التعاطي مع وباء العصر العالمي.

فيروس الكورونا، يُعلم الإنسان، أيا كان موقعه، ومنصبه، وثروته، أننا عالم واحد، ومصيرنا واحد، والخطر علينا واحد.

وكل الأسلحة النووية، والهيدروجينية، و قاذفات القنابل، والطائرات، وكل الجدران والحدود، لن تستطيع حماية طفل، أو رئيس، أو مسن واحد، من الإصابة بفيروس الكورونا.

ولا يجوز أن تمر تجربة الوباء العالمي القاسية التي نعيشها بكل آلامها وكأن شيئا لم يحدث، فهي نتاج العولمة التي لا يمكن إعادتها إلى الوراء.

العقلانية تتطلب إعادة النظر في كل المنهج الاقتصادي، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية العالمية، والتعامل مع البشرية وبلدانها كأجسام متساوية دون تمييز، وتتطلب التخلي عن الجشع الأناني للأفراد، الذين لن تحميهم ملياراتهم من فيروس آخر قادم، وأو نيزك قد يصطدم بكرتنا الأرضية، أو كارثة بيئية محتملة.

العقلانية تتطلب حراكا شعبيا عالميا لإصلاح الأنظمة السياسية والاجتماعية بما يضمن وضع مصلحة الإنسان، والبشرية جمعاء، وسلامة الكرة الأرضية، فوق كل المصالح الخاصة، وبما ينهي كل أشكال العنصرية، والتمييز، والتسلط السياسي في عالمنا.

فهل نحن بحاجة لتشريعات عادلة ومنصفة لجميع هؤلاء البشر تحقق الانتماء المتساوي بالحقوق والواجبات لما لهذة الارض من حق علينا بالحفاظ عليها من زحمة الحياة الغير نقية التي افرزتها السياسات والتشريعات الظالمة والتي اتت واكلت الاخضر واليابس على هذا الكون.

هذا الفايروس لعب دورًا محوريًا في تسريع عمل المشرعون في جميع دول العالم , وخرجت تشريعات (قوانين واجبة التنفيذ حديثة) بسرعة كبيرة من هيئة التشريع لعده دول كما وأنها ليست قوانين إنما أمطار غزيرة وهذا حدث تاريخي يعد هو الأول وفق عالمنا الحديث، هل يمكن أن يعمل المشروعون في الدول بهذه القوه عندما يكون هناك  مجاز إنسانية ودماء وموت مفاجئ لشعب كامل، هل يمكن لجميع الدول أن تتوحد لإيقاف حرب دموية، هل يمكن لجميع الدول أن تتكاتف لإيقاف الظلم عن شعب.