محمد مسعود يكتب: إيطاليا.. كل الطرق تؤدي إلى "كورونا"

مقالات الرأي



نرصد بالتفاصيل ليالى الرعب والخوف فى الدولة المنكوبة

استهان الشعب بالفيروس.. والنتيجة 27980 مصابا ووفاة 2157 معظمهم عجائز

كبار السن قالوا إن «كورونا» وهم ولعب عيال.. فما يضير من مرت عليه الحروب والأوبئة ولم يمسسه شرا

قانون 9 مارس يمنع الخروج من المنزل إلا بتصريح كتابى يقر فيه الشخص بخط سيره وعدد ساعات خروجه.. والحبس لمن يخرج بدونه

العمالة السوداء من المصريين والعرب تواجه شبح الموت

المساجين أضربوا عن الطعام وأقاموا وقفات احتجاجية للإفراج عنهم.. وعند رفض الحكومة هرب الكثيرون وتوفى 6 أشخاص أثناء المحاولة

الشعب الإيطالى ينشد السلام الوطنى فى شرفات المنازل يوميا من السادسة للسابعة مساء.. والهاشتاج الرسمى للدولة "كل شىء سيكون على ما يرام"

فيديتز مغنى الراب الأول يقيم حفلا من بلكونة منزله.. وزوجته سيدة الأعمال تجمع 4 ملايين يورو تبرعات عن طريق حساب بنكى فى ثلاثة أيام


تتشابه المواقف، وندعو الله ونتضرع إليه، ألاّ يجمعنا نفس المصير، فما جرى فى إيطاليا، عند بداية ظهور فيروس الكورونا، هو نفسه ما يجرى فى مصر.

فى إيطاليا لم يكترث الشعب لحجم البلاء، بينما قابله بالاستهانة والسخرية، لم يلزموا منازلهم، بحثا عن حرية ظنوا أن حكومتهم تسعى لسلبها.. هجموا بكل ما استطاعوا من قوة على الهايبرات والسوبر ماركت والمولات لشراء وتخزين السلع، مثلما يحدث فى مصر تماما، تبادلوا الزيارات والخروجات والفسح فى الأماكن العامة – وهو ما يحدث فى مصر أيضا - اختلطوا بشكل عادى وطبيعى، وكأنه لا يوجد فيروس يداهمهم.. ولا خطر يهددهم، فآل مصيرهم إلى جحيم الحجر الصحى، ونار فراق الأهل والأحبة.

وما كانوا يرفضونه طوعا.. صاروا يتجرعونه قهرا، بعدما وصل عدد المصابين لـ27980 أثناء كتابة هذه السطور، وحصد الفيروس من الأرواح 2157 أغلبهم من كبار السن.

وكبار السن فى إيطاليا، هم الأزمة الكبيرة التى تواجه المجتمع ككل، فكونهم أكثر عرضة للإصابة، كان عليهم الانصياع للتعليمات وتنفيذها بدلا من التمرد عليها وإعلان حالة العصيان، ضاربين عرض الحائط بالمخاطر التى تواجههم، فكبار السن فى هذه الدولة المنكوبة اعتبروا فيروس كورونا محل سخرية، ولعب عيال، إذا ما قورن بما مر على حياتهم من تجارب عاش بعضهم فيها ويلات الحرب العالمية الثانية، فقالوا وما يضير من مرت عليه الحروب والأوبئة ولم يمسسه شر، فأصبحوا من فرط استهتارهم، وقودا لنار تنهش فى دولة بأكملها.

1- بداية الكارثة

لم يعط الشعب الإيطالى الاهتمام الكافى بالأخبار المنشورة عن سائح صينى مصاب بالفيروس وحضر إلى إيطاليا فى رحلة سياحية، تعاملوا مع الأمر كحالة فردية، ولم يتم اتخاذ أى إجراءات وقائية، بعدها بأيام قليلة عاد ثلاثة مواطنين إيطاليين إلى أرض وطنهم عائدين من رحلة إلى الصين، لم يفرض عليهم حجرا صحيا، ولم تهتم الحكومة الإيطالية بالأمر، غير أنها بدأت تنتبه بعد ظهور عدد من الحالات، كان خلالها الأشخاص الثلاثة المصابين اختلطوا بأكبر عدد من الناس، فلكل منهم أسرة وعمل وعائلة وأصدقاء.

وانتشرت العدوى الفيروسية، وعلى ذلك علقت الحكومة الإيطالية الدراسة إلى أجل غير مسمى، عل ذلك يكافح الفيروس، لكن الفيروس أخذ ينتشر كالنار فى الهشيم، لأن الشعب لم يع كم المخاطر التى يواجهها، خاصة كبار السن، واستمرت الحياة عادية تماما إلى أن تم إعلان حالة الطوارئ بشكل كامل، وفرض حجر صحى على جميع المواطنين، لكن كان ذلك بعد فوات الأوان.

2- قانون 9 مارس

كان على الحكومة أن تتخذ إجراءات لمنع الناس من الاختلاط، والخروج لمكافحة حالة الانتشار الواسعة التى حققها الفيروس، لكن بعض الأفراد لم يعطوا للأمر أهمية، ظنا منهم أن فرض الحجر الصحى عليهم تقييدا حكوميا لحريتهم، فخرجوا ولم يمتثلوا لقرارات الحكومة التى كان عليها ألا تقف مكتوفة الأيدى أمام هذه التجاوزات، وعلى ذلك صدر قانون 9 مارس.

ومنذ أن صدر القانون، ما كان بالاختيار أصبح بالإجبار، فبات على المواطن الذى يريد الخروج من منزله أن يستصدر تصريحا من موقع الحكومة على الإنترنت، وكل ما عليه فعله أن يقوم بطباعة التصريح وملأ خاناته.. مثل الاسم والرقم القومى وعنوان المنزل والعنوان الذى سيذهب إليه، إن كان للصيدلية أو السوبر ماركت أو المستشفى، وعدد الساعات التى سيقضيها فى هذا المشوار.

وبعد ملأ التصريح يمكنه الخروج، وتسليمه لأقرب ضابط شرطة يقابله بالشارع، وعلى ذلك يحصل الضابط على التصريح ويقوم بتوقيعه وختمه ويكتب به ساعة التوقيع، ويسلمه للمواطن، حتى يمر به من الكمائن أو ضباط الشرطة الآخرين، أما إذا حدث وتم خروج المواطن بدون هذا التصريح فأنه يتعرض للحبس الفورى.

3- السجون والأشقياء

وبذكر الحبس الفورى، فإن السجون الإيطالية شهدت حركة تمرد غير طبيعية من السجناء الذين طالبوا بالإفراج الفورى عنهم، خوفا من الإصابة بفيروس الكورونا، لكن الحكومة الإيطالية منعت عنهم الزيارة، ورفضت فكرة الإفراج عنهم، فقام بعضهم بالإضراب عن الطعام، وعمل وقفات احتجاجية وحاولوا الاعتداء على حراس السجون.

ولم تنته الأمور عند هذا الحد، فما زاد الطين بلة، أن السجناء الذين يأسوا من فكرة الإفراج عنهم خططوا للهرب جماعيا عن طريق القفز فوق أسوار السجن، ونجح عدد كبير من الفرار بالفعل، وتعامل حراس السجن مع بعضهم، ما أدى لسقوط ستة سجناء لقوا حتفهم على الفور، أما الذين هربوا فقد اختبأوا بالفعل مستغلين حالة حظر التجوال التى تشهدها البلاد.

4- السلام الوطني

ومنذ تطبيق قانون 9 مارس، والغالبية العظمى من الشعب الإيطالى يلزم منازله، الشباب والفتيات يلعبون البلاى ستيشن وكبار السن يشاهدون قناة ديسكفرى، لكن مهما طال وقت اللعب وطالت أوقات مشاهدة الأفلام فهم يشعرون بالملل، كونهم محرومين من الخروج والزيارات إلا بتصريح يقضى بشراء الطعام أو الأدوية، ويتم دخولهم إلى المتاجر فردا فردا، يدخل ليشترى احتياجاته وبعد خروجه يدخل غيره.

وأمام هذا الملل، قرر الإيطاليون أن يخصصوا ساعة يومية من السادسة إلى السابعة مساء يقفون فيها فى شرفات منازلهم ينشدون السلام الوطنى لبلدهم، ثم يغنون ويصفقون لبعضهم البعض على سبيل الدعم، وقام «فيديتز» مغنى الراب الأول فى إيطاليا بشراء سماعات ضخمة من موقع أمازون، وبعد استلامها قرر إقامة حفل للمدينة بأكملها من شرفة منزله، غير أنه جمع مع زوجته سيدة الأعمال وصاحبة براند عالمى للملابس فى إيطاليا 4 ملايين يورو فى ثلاثة أيام فقط عن طريق حساب بنكى تبرع من خلاله متابعيه وجمهوره كل فرد بخمسة يورو.

5- العمالة السوداء

تضم إيطاليا عددا كبيرا من الأسر المصرية والعربية، منهم من وفق أوضاعه وحصل على الجنسية أو على الأقل الإقامة منذ زمن، ومنهم من يعمل بلا أوراق رسمية بعد أن دخل البلاد متسللا، وهؤلاء يطلقون عليهم العمالة السوداء، أى التى تعمل فى الظل، وهذه العمالة هى التى تتجرع جميع الصدمات فى غربتها بعد هروبهم من بلادهم بحثا عن واقع أفضل، فأصبحوا كالذبابة التى سقطت فى طبق العسل، وها هم الآن بعضهم لا يعرف سبيل للعودة، ولا تعترف بهم الحكومة الإيطالية من الأساس، وعلى وشك أن يموتون فى حجرهم الصحى جوعا ومرضا.

6- كل شىء سيصبح على ما يرام

الشعب الإيطالى أغلبه يقضى ساعات يومه على مواقع التواصل الاجتماعى، ما دعا أحدهم لابتكار هاشتاج يرفع معنويات الشعب فاختار له اسم «كل شىء سيكون على ما يرام»، لكن إيطاليا لا يوجد بها ما كينات الشائعات مثل مصر، ولا جروبات الماميز، ولعل هذا ما يميزها فعليا عن مصر التى على شعبها أن يعى الدرس جيدا.. وينفذ التعليمات الحكومية والإجراءات الوقائية والاحترازية حتى لا نكون لا قدر الله مثل إيطاليا.