"حملنا الوطن على ضهرنا".. مصور حروب يروي لحظات العذاب في توثيق وقائع القتل بسوريا

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


شهَم بشار أبو الليث، كعادته الصباحية، لكن هذا اليوم كان مختلفًا، اِختلطت أُموره، ولم يفتح حانوته، بعدما سَربَ نبأ اعتقال أطفال محافظة درعا البلد جنوب سوريا، بتهمة الكتابة على جدران ثانوية البنين، استشاط غضبًا، وبدْء ينضم لصفوف الثوار، ويستكمل مسيرة الطلاب على الحِيطان "الموت ولا المزلة"، ليستهل مسيرة جديدة كتب لها النجاح في توثيق الأوضاع بمدينة حلب، بداية من الاحتجاجات السورية، عقب موجات ثورية أطلق عليها "الربيع العربي"، حتى الأن.






نَاظُور كاميرته، كانت الشاهد الأول على أول صورة التقطها للعديد من الجثث، بشهر يوليو 2011 "ما قامت ثورة عنا إلا بعد وقت"، ما فكر الشاب السوري بيوم، أن تتحول الكاميرا، الذي احترف التصوير بها كهواية أن تكون سلاح ضد الظلم "كل ما يصير ضرب طيران لا بد أن اتواجد وأخد كام صورة". بلغت الأوضاع أوجها ووقف مذعورًا بعدما وثق أصعب المشاهد، في شهر يونيو من عام 2016 الشهر، عندما ذهب الطفل تركي، ابن العشر سنوات، ليجلب الطعام لعمه لكي يستكملون عملهم، وذهب الطفل للمنزل القريب من مكان عمل عمه، وهو يركد خوفًا من البراميل القاتلة التي تلقيها الطائرات، وقبل أن يصل إلى باب منزله كانت طائرات كفيلة بقتل هذا الطفل "الذي لم يرى من عمره سوى الحرب والقتل والدمار".  







جفَّ كلام صاحب الـ(28 ربيعًا)، مُسترسِلاً حديثه، متسائلاُ كيف أن ينسى الشخص لحظة إعلان إعدامه؟ "يوم الفراق والتهجير من المدينة للريف.. حملنا الوطن بشنطة على طهرنا.. هروب من شبح الموت.. فالإصابة تسبب موت"، يقولها الشاب السوري، وما برِحت علامات إصابات جسده بثلاثة رصاصات  تذكره بأبشع الأحداث، لاسيما وضع كبار السن والأطفال "هنن يلي كسرو ضهرنا.. غمغمة الأطِّفال.. آخر لحظات قبل التهجير بعشر دقايق انهد بيتي على الارض الشارع بالكامل". مرارة ترسخت في قلوبهم قبل عقولهم مكان التجمع "حتى وقت تجمعنا وركوب الباصات.. تلك اللحظة في العمر لا تنسى.. موجعة".







اعتقل بشار، في عام 2012، ولكنه ظل ينقل للعالم آثار التعذيب الوحشي- كما وصفه-، محتمي خلف الحطام "بتخبى منهم". استرجع شريط ذكرياته وانتهاك أحد الجهات الإعلامية حقوقه أيضًا "كانت غلطة بوقتها.. بعدين متعودين أن الغرب شاهد مشفش حاجة.. شايفين وساكتين"، برغم ذلك مُصر على توثيق اللقطة، كونها الطريق الوحيد لإنقلاب الموازين يومًا ما وإنهاء الأزمة السورية "الغرب منشغلين بمصالحهم وصراعاتهم.. هاد مش هيضل يمنعهم عن شوفة الحقيقة.. وموت العشرات أو المئات مع كل صباح"- ووفقا للإحصائيات، فإن الحرب بسوريا أودت بحياة 384 ألف شخص على الأقل بينهم أكثر من 116 ألف مدني، ولجوء أكثر من 6 ملايين سوري بحسب الأمم المتحدة، حيث يقيم عدد كبير منهم في مخيمات عشوائية، في حين أن هناك ما يقرب من 5.6 مليون سوري لاجئين في دول الجوار-. 







وجود صاحب صالون نسائي-عمله السابق-، في ساحة المعارك، خلف الكاميرا، لم تمنعه من دوره الإنساني "مرة صارت ضربة طيارة الساعة 4 الفجر.. نزلت لوحدي لمكان الضربة اسمعت صوت صراخ .. لاقيت عيلة كاملة الولد بتنفس طالعتو والأم والأب ميتين وكمان الأخت فقط الطفل عايش.. وقت رجعت لشوفه اكتشفت أنه حصل أهله"، ملخصًا مشواره كمصور حروب "كان معكم لاخر مره بشار أبو الليث.. فكل مرة متصوب أو بزور برجع"، خاصة في إحدى المعارك بمنطقة حندرات شمال مدينة حلب، بدء ينسحب، لكن طال القتال ثلاث ساعات، كسر كاميرته وهاتفه المحمول؛ خوفًا من تعذيبه "والله هاد التعذيب بعينه.. بس لازم أورجي الكل مين يلي قتل وشرد أهاليهم وظلمهم".