مي سمير تكتب: تحليل أمريكي عن مستقبل الشرق الأوسط مع أقرب المتنافسين على البيت الأبيض

مقالات الرأي



ترامب يدعم مصر بقوة.. وبايدن يريد معاقبة أردوغان.. وساندرز يهدد إسرائيل

"بايدن" مشكوك فى نزاهته وخبير بالمنطقة

ساندرز.. داعم للاستقرار ولا يرى أردوغان حليفًا


لا يزال الشرق الأوسط يجتذب انتباه العالم لأنه مخزن الطاقة الرئيسى والرخيص، وبالنسبة للولايات المتحدة يفرض الإقليم تحديات خاصة عليها إذ إنها القوة الأعظم فى الكوكب. تمزق الحروب الأهلية المدمرة فى سوريا واليمن، مدفوعة بشكل جزئى بالقوى الدولية المتورطة فى هذين البلدين بشكل صريح ما يخلق كوارث إنسانية ويتحدى الجهود الرامية إلى إيجاد حلول سياسية، فيما تستعد إيران لاستئناف أنشطتها النووية مع ممارسة نفوذ عميق فى العراق وسوريا واليمن. وهناك احتمالات متناقصة للتوصل إلى تسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين، فى ظل هذا المشهد المشتعل، نشر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية تقريراً مفصلاً حول موقف المرشحين فى انتخابات الرئاسة الأمريكية من الشرق الأوسط.

تمارس واشنطن دورا فى تشكيل العديد من التطورات فى المنطقة، مرتبطة دوماً برؤية واستراتيجية الشخص الموجودة فى البيت الأبيض ومع تولى الرئيس دونالد ترامب منصبه متعهداً بإنهاء الاشتباكات العسكرية فى المنطقة واتخاذ موقف أكثر تشدداً ضد النظام فى إيران، فيما يرى منافسوه فى الانتخابات الأمريكية عام 2020 أن تصرفاته تزيد من خطر الحرب، ما يسمح لطهران باستئناف برنامجها النووى غير السلمى، ويجعل آفاق السلام الفلسطينى الإسرائيلى بعيدة.

ويرى المنافسون ضرورة وضع استراتيجية أكثر تماسكا لإنهاء «الحروب اللانهائية» التى تتورط فيها أمريكا فى المنطقة والعودة إلى الدبلوماسية.

1- دونالد ترامب

منهج ترامب تجاه الشرق الأوسط حدده من خلال الدعم القوى لمصر والمملكة العربية السعودية، بجانب الدعم التقليدى الأمريكى لإسرائيل، وتبنى موقف المواجهة تجاه إيران، إذ وعد بإنهاء ما أسماه «الحروب التى لا تنتهى» فى المنطقة، وسحب القوات الأمريكية.

وفى عام 2017، اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، وفى عام 2019، اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التى استولت عليها إسرائيل من سوريا فى حرب عام 1967 التى شنتها على كل من مصر والأردن وفلسطين وسوريا.

فى يناير 2020، أعلن ترامب عن خطة سلام جديدة فى الشرق الأوسط بالتعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وهى «صفقة» تم تطويرها دون مساهمة فلسطينية، وتتضمن منح القدس وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية لإسرائيل، وهى مقترح رفضته الدول العربية.

وركز ترامب على مواجهة إيران التى يسميها «الدولة الراعية الرئيسية للإرهاب»، وفى منتصف عام 2019، سمح، قبل أن يتراجع فى النهاية، بتوجيه ضربة عسكرية لإيران فى ظل تصاعد التوتر المتزايد فى مضيق هرمز، لكنه عاد فى يناير 2020، ليأمر بشن غارة جوية لاغتيال قائد فيلق القدس الإيرانى، قاسم سليمانى، الذى كان يعتبر على نطاق واسع مسئولا عن تنسيق العمليات ضد القوات الأمريكية فى العراق وأماكن أخرى فى المنطقة.

وفى عام 2018، انسحب ترامب من الاتفاق النووى مع إيران وأعاد فرض عقوبات اقتصادية شاملة عليها وأصدر عقوبات جديدة، بما فى ذلك العقوبات المباشرة على وزير الخارجية الإيرانى، محمد جواد ظريف.

ووعد ترامب بسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا، بعد هزيمة تنظيم داعش، رغم أن التخفيضات المستمرة للقوات الأمريكية صاحبها تجدد لهجمات التنظيم الإرهابى فى سوريا والعراق.

وفى أكتوبر 2019، أعلن ترامب انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ما اعتبره البعض إشارة خضراء لتركيا التى شنت بعد ذلك عملية عسكرية ضد القوات الكردية، لكن ترامب أعلن عقوبات على تركيا بسبب هذه العملية العسكرية.

ومنذ حملته الانتخابية الأولى فى عام 2016، أعرب ترامب عن رغبته فى السماح للدول الأخرى، بما فى ذلك روسيا، بتحمل مزيد من المسئولية فى الحرب الدائرة فى سوريا، ومع ذلك، سمح فى عامى 2017 و2018 بغارات جوية أمريكية على أهداف سورية.

وقال ترامب إنه يجب أن تبقى القوات الأمريكية فى العراق لمحاربة تنظيم داعش ومراقبة إيران، وقام بتطوير علاقات حميمة مع المملكة العربية السعودية، واصفا إياها بأنها «حليف عظيم» وقام بأول رحلة رئاسية خارجية إلى الرياض، ودعم ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فى أعقاب مقتل الصحفى جمال خاشقجى، بحجة أنه من الضرورى أن تحتفظ الولايات المتحدة بالتعاون العسكرى مع المملكة.

وفى عام 2019، اعترض ترامب على قرار للكونجرس يسعى إلى إنهاء الدعم الأمريكى للحرب التى تقودها السعودية فى اليمن، كما استخدم حق النقض ضد التشريعات التى منعت مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة.

وحسب تقرير مجلس العلاقات الخارجية يعد ترامب مؤيدا قويا لمصر، وهو ما ظهر فى الحفاوة التى استقبل بها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارة الأخير للبيت الأبيض فى عامى 2017 و2019.

وتشير أغلب استطلاعات الرأى أن ترامب مرشح بقوة للفوز بولاية ثانية بفضل قدرته على الحفاظ على قاعدته الانتخابية التى أوصلته للبيت الأبيض فى المرة الأولى، خصوصاً مع مهارته فى الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعى لخلق حالة من الزخم تصب عادة فى صالحه، كما أسهمت تحقيقات المساءلة التى أطلقها الحزب الديمقراطى، فى محاولة لعزل ترامب، فى زيادة شعبيته بين مؤيديه على الأقل.

2- جون بايدن

على الجانب الديمقراطى، يبدو أن الصراع ينحصر بين جون بايدن وبيرنى ساندرز.

وكان بايدن، بصفته سيناتور ونائبًا سابقًا للرئيس، منخرطا بعمق فى تشكيل الدبلوماسية الأمريكية والسياسة العسكرية فى جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكمرشح أقرب لخوض المنافسة ضد ترامب يعتمد بايدن على خبرته فى التعامل مع العراق وإسرائيل وسوريا وإيران وبقية دول المنطقة.

كان بايدن مؤيدا قويا لإسرائيل طوال حياته السياسية، ووصف نفسه بأنه صهيونى، على حد تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى، يقول إن التزامه بأمن إسرائيل صارم وأنه بينما يعد بممارسة «ضغط مستمر» على إسرائيل لحل صراعاتها، فإنه لن يحجب المساعدات.

وأبلغ بايدن مجلس العلاقات الخارجية أنه يدعم حل الدولتين للنزاع الإسرائيلى الفلسطينى، وأشار إلى إن منهج ترامب أحادى الجانب قد أصبح أكثر صعوبة، كما يدعم الاحتفاظ بالسفارة الأمريكية فى القدس بعد أن نقلها ترامب إلى هناك فى عام 2018.

كما يقول بايدن إنه يتعين على إسرائيل وقف النشاط الاستيطانى فى الأراضى المحتلة وتقديم مزيد من المساعدات إلى غزة، فى حين يتعين على القادة الفلسطينيين وقف تمجيد العنف على حد وصفه، كما دعا الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ويصف بايدن إيران بأنها قوة «مزعزعة للاستقرار» فى المنطقة، لذا لا يجب السماح لها مطلقاً بتطوير أسلحة نووية، يصف مقاربة ترامب تجاه طهران بأنها «كارثة»، بحجة أن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى الإيرانى لعام 2015 فشل فى منع طهران من تطوير برنامجها النووى، ولذا تعهد بايدن بالانضمام إلى الاتفاق إذا عادت إيران إلى الامتثال.

ويقول بايدن إن القائد الإيرانى قاسم سليمانى، الذى قتل فى غارة جوية أمريكية فى يناير 2020، يستحق هذا المصير بسبب دوره فى الهجمات على القوات الأمريكية، لكن قرار ترامب باستهدافه كان «تصعيدا هائلا» تم اتخاذه دون أى خطة لمواجهة العواقب المحتملة.

يدين بايدن قرار ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ويصفه بأنه خيانة للأكراد و»أكثر الأشياء المخزية التى قام بها أى رئيس أمريكى فى التاريخ الحديث من حيث السياسة الخارجية». كما يقول إن تركيا «يجب أن تدفع ثمنا باهظا» لهجومها العسكرى فى مناطق الأكراد فى سوريا كما أشار إلى أنه «قلق للغاية» بشأن امتلاك الولايات المتحدة أسلحة نووية فى تركيا، ويقترح دعما أقوى للمعارضة الداخلية للرئيس رجب طيب أردوغان.

ورغم هذا الموقف المتشدد من تركيا إلا أن بايدن كنائب للرئيس، اعتذر علناً لأردوغان عن قوله بأن تركيا تدعم تنظيم داعش، وكنائب للرئيس أيضاً، كان يشك فى إرسال قوات أمريكية إلى سوريا، بحجة أن أى استخدام للقوة سيكون له عواقب غير متوقعة، وفى عام 2018، وصف سوريا بأنها واحدة من أكبر الألغاز بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

وشارك بايدن لفترة طويلة فى سياسة العراق، وكعضو فى مجلس الشيوخ، أيد قرار الرئيس جورج بوش بغزو العراق عام 2003، لكنه عارض زيادة عدد القوات الإضافية عام 2007، وبدلاً من ذلك، اقترح تقسيم العراق إلى 3 مناطق تتمتع بالحكم الذاتى، وكنائب للرئيس، أشرف فى عام 2011 على انسحاب القوات الأمريكية المتبقية فى العراق البالغ عددها 150 ألف جندى ثم عودة القوات الأمريكية لمحاربة تنظيم داعش فى عام 2014. كما أشار إلى رغبته فى إعادة تقييم علاقة واشنطن مع الرياض.

ويواجه بايدن صعوبات عديدة فى حملته الانتخابية، خاصة بعد تقارير تزعم أنه مصاب بالخرف، كما أن تحقيقات المساءلة التى أجريت مع الرئيس ترامب ألقت بظلال حول نزاهة المرشح الديمقراطى.

كان ترامب طلب من الرئيس الأوكرانى فتح باب التحقيق فى الأنشطة التجارية لجون بايدن وابنه فى أوكرانيا، وربط ترامب بين هذا التحقيق وبين منح أوكرانيا مساعدات أمريكية، ما دفع الكونجرس للتحقيق معه بشأن استغلال سلطاته كرئيس أمريكا من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

ورغم أن بايدن يستغل هذه الواقعة كدليل على خوف ترامب من قدرته على منافسته فى الانتخابات، إلا أن هذه القضية أثارت تساؤلات عديدة حول فساد عائلة بايدن.

3- بيرنى ساندرز

تشير أغلب التحليلات إلى أن بيرنى ساندرز هو المرشح الأقرب للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة.

ساندرز كان معارضاً قوياً للتدخل العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط، وكذلك استخدام القوة فى العراق وسوريا ويقود الجهود لإنهاء التدخل الأمريكى فى اليمن.

كما يدعو ساندرز إلى إنهاء الدعم الأمريكى للحملة العسكرية التى تقودها السعودية فى اليمن، وتبنى تشريعاً لإنهاء دور الولايات المتحدة هناك.

ومع ذلك، أخبر ساندرز مجلس العلاقات الخارجية أنه «من أجل الاستقرار فى الشرق الأوسط»، يجب على الولايات المتحدة مواصلة العمل مع المملكة العربية السعودية، واقترح الجمع بين القادة السعوديين والإيرانيين لإجراء مفاوضات مباشرة حول حل نزاعاتهم فى جميع أنحاء المنطقة.

وأبلغ ساندرز مجلس العلاقات الخارجية أنه يؤيد اتفاقية إيران النووية لعام 2015، والتى انسحب منها ترامب فى عام 2017. ويصفها ساندرز بأنها «واحدة من أقوى الاتفاقات المناهضة للأسلحة النووية التى تم التفاوض بشأنها على الإطلاق».

وعارض ساندرز الضربة الجوية التى قامت بها إدارة ترامب ضد القائد الإيرانى قاسم سليمانى، ووصفها بأنها «اغتيال» و«تصعيد خطير»، وقدم تشريعاً لمنع أى تمويل للعمل العسكرى ضد إيران دون إذن من الكونجرس.

وعارض ساندرز أيضاً الغزو الأمريكى للعراق فى عامى 1991 و2003، واعتبر أن الأخيرة أطلقت «سلسلة من حالات عدم الاستقرار»، كما وصف الحرب الدائرة فى سوريا بأنها «مستنقع»، وعارض استخدام الضربات الجوية الأمريكية ضد الجيش السورى ويفضل الحل الدبلوماسى لإزاحة الأسد عن السلطة. ويدعم ساندرز انسحاب القوات الأمريكية من سوريا ولكنه أدان قرار ترامب عام 2019 بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، والذى وصفه بأنه خيانة للأكراد.

ويرى ساندرز أن تركيا «ليست حليفة للولايات المتحدة» رغم عضويتها فى الناتو، ووصف الحملة العسكرية التركية ضد الأكراد فى شمال سوريا بأنها «مذبحة جماعية». كما قال إنه غير مرتاح لاستمرار نشر الأسلحة النووية الأمريكية فى تركيا.

ويدعم ساندرز حل الدولتين للنزاع الإسرائيلى الفلسطينى، ويقول إن الولايات المتحدة يمكنها أن تلعب دورا رئيسيا فى المفاوضات، لكن الأمر متروك للأطراف نفسها لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.

كما يقول ساندرز إنه سيحجب 3.8 مليار دولار من المساعدات الأمريكية السنوية لإسرائيل حتى تطبق تغييرا جذريا فى سياستها تجاه غزة، كما يرى ضرورة إعادة النظر فى نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى تل أبيب، بعد أن نقلها ترامب إلى القدس، وأنه سيكون ممكنا إذا استمرت إسرائيل فى تقويض الجهود من أجل حل تفاوضى.

وتشير المؤشرات الأولى إلى أن الجولة الأخيرة من انتخابات الرئاسة الأمريكية قد تشهد مواجهة بين ترامب الجمهورى الذى يمثل أقصى اليمين وساندرز الديمقراطى الذى يمثل أقصى اليسار، ويتبنى كل منهما أجندة سياسية متناقضة تماماً فيما يتعلق بالشرق الأوسط.