عبدالحفيظ سعد: كتب: تجار الفزع

مقالات الرأي



يتبدد لدى شعور الفزع القادم من «كورونا»، ولا يتملكنى الخوف من الفيروس.. هذا الشعور المسالم ليس لإجراءات وقائية منى تحول دون الإصابة، لكن يفرضه الواقع المعاش، الذى يجبرك أن تتعامل مع عشرات أو مئات الناس يومياً، فى عمل أو مواصلات، أو لقضاء حاجتك الضرورية من مأكل ومشرب، مثل مليارات البشر حول العالم.

الفيروس المستجد الذى بدأ يضرب العالم شرقه وغربه لا يستثنى أحدا، فلا يفرق بين لون أو دين أو جنس، أو غنى أو فقير يضرب دول الدرجة الأولى، مثل مواطنى العالم المتخلف، والذين قد يكون لهم ميزتهم أن أجسادهم اعتادت التعامل مع الأمراض.

الفيروس الغامض، يصيب الأطباء أكثر من المرضى، لا يخشى الزعماء والوزراء أو صفوة الأمة مثله، مثل مئات كل الأمراض والفيروسات، لا يحول بينه وبين أى جسد، إلا قوة المناعة، وهى مكتسبة كمنحة إلهة (من عند ربنا)، أو المكتسبة من تصرفات الشخص فى ممارسات وعادات غذائية (أسلوب الحياة).

يضاف لذلك أن الغالبية العظمى من المرضى الذين أصيبوا بالفيروس، تم شفاؤهم، رغم عدم وجود لقاحات أو أدوية للعلاج المباشر، إلا تقوية الجهاز المناعى للتعامل مع أعراض المرض، كما يقول المتخصصون، وبحسب الأرقام المعلنة لا يفارق الحياة بسبب المرض، سوى بعض من أصيبوا به.

لا يعنى الأمر أننا نقلل من خطورة الفيروس، كما لا نهول منه، لدرجة تصيبنا بالفزع، إلا بناء على نصيحة وتعليمات، من لهم الدراية العلمية والمعلومات الكاملة لاتخاذ موقف أو إصدار توجيه.

لكن أكثر ما يقلقنى من فيروس كورونا أو أى كارثة أخرى قد تحدث مستقبلا، هؤلاء تجار الفزع، فهم لا يختلفون عمن نسميهم «تجار الحروب» الذين يستغلون ساعات الخطر والكوارث، فى أن يتحول الأمر لديهم إلى فرصة لزيادة المكسب، على حساب الناس، رغم أنهم معرضون لنفس الخطر.

الفيروس لا يستثنى أحدا حتى هذا الرجل المستغل الذى يرفع ثمن وأسعار الكمامات، أو ذلك الذى يخزن مستحضرات التنظيف والحماية الشخصية، بغرض أن يرفع أسعارها، هو لا يدرك أن بما يفعله، قد يصيبه هو، وتنتقل العدوى من مريض لابنه أو ابنته أو زوجته، وقد يكون هو نفسه معرضا للخطر، ليس ذلك فحسب، فهو لا يدرك أن ما يفعله، قد يكون مبررا أن يرفع تاجر الخضروات والبقالة الأسعار عليه ، وهكذا ندخل فى مسلسل الاستغلال المتبادل، وكله يمارس «الدنيئة» فى مجاله.

قد يكون استغلال الأزمات مبررا، فى صراعات الحكومات والدول لتصفية الحسابات الاقتصادية والسياسية، لكن الأمر لابد أن يختلف بين البشر على الأقل من نعيش وسطهم، لا أحد يتنمر على أحد، أو يحاول استغلال الأزمة لصالحه، حتى لو كان ذلك فى إثارة فزع الناس وأن يتحول إلى مجرد فتى، فى المطالبة بوقف المواصلات أو إغلاق المدارس، حتى منع التجمعات، نترك الأمر إلى أصحاب المسئولية، هو يحددون القرار بما يرون، حتى لو كنا نفقد المصداقية فيهم.

لكن لا يعنى ذلك أن نركب مركب الفزع.. قد نحاط بالحذر، لكنه ليس بدرجة تصيبنا بالشلل، ونترك أنفسنا، لحملات الصوت العالى، وأصحاب الفتاوى على السوشيال ميديا أو حتى فى الشارع.. ونضع الأمر، لمن هو أصحاب العلم، ونطبق المعايير التى يصل إليها العالم فى أن نلغى الدراسة أو أى تجمعات، أو حتى نوقف المواصلات. ونقيس مدى تأثير ذلك على تقليل الإصابة، أو أنه إجراء غير مبرر، لدرجة تعطل حياة آلاف وملايين البشر، ولا نتحول مثل الدبة التى قتلت صاحبها، وهى تحاول أن تبعد عنه البعوضة.