رامي المتولي يكتب: السلطة والدين ما زالا مواضيع مؤلف "مملكة إبليس" الساخنة

مقالات الرأي




مساحة جديدة تلقى بظلالها على الشكل الراسخ لعرض الدراما التليفزيونية، بعد الشاشة الصغيرة ثم اليوتيوب تأتى المنصات لتفتح آفاقاً مختلفة من المشاهدة والوصول للجمهور الذى يحاول التعافى من هجوم الإعلانات على متعة المشاهدة، «مملكة إبليس» أحدث أعمال المؤلف محمد أمين راضى والمنتج طارق الجناينى والمخرج أحمد خالد موسى، المصنوع خصيصًا للعرض عبر منصة إلكترونية كاسرًا الكثير من القيود أولها عدد الحلقات وعرضها يوميًا أو أسبوعيًا، المسلسل يتعرض للسلطة والدين ويناقش بشكل حديث نفس طرح مسلسل راضى السابق «العهد».

ما زال لدى راضى ما يريد طرحه حول السلطة والدين وعلاقاتهما ببعضهما البعض فى الوقت الحالى، وإن كان أول أعماله التليفزيونية «نيران صديقة» عام 2013 ناقش استغلال السلطة والدين فى مرحلة تاريخية حديثة من عمر المجتمع المصرى، وبشكل فردى من خلال شخصيتى طارق (عمرو يوسف) وسليم (صبرى فواز) وكلتا الشخصيتين كانتا نتاج ظروف مجتمعية معينة صنعتهما وصنعت صراعهما، لذلك لم يكن الطرح بنفس حالة التكثيف فى ثالث أعماله التليفزيونية (العهد) عام 2015 الذى يعد بلا جدال واحداً من مسلسلات قليلة تستحق لقب الأفضل فى السنوات القليلة الماضية.

من خلال «العهد» جهل راضى الزمان والمكان واستغل المساحة الواسعة التى منحها له هذا التجهيل ورسم صوره لتكون الاستبداد بالسلطة، وكذلك استغلال الدين سياسيًا ورسم حدوداً واضحة للفارق بين الحكم والتحكم، «العهد» هو بالقطع الأجرأ والأكثر تركيزًا على تفاصيل التزاوج بين الدين والسياسة، بعد أن جمعهما فى شخص الضوى (صبرى فواز) رجل الدين الذى فرض نسخته المتشددة من الدين وخط بيده عهد – دستور- مزور منحه سلطة وشرعية أكبر.

لم يكن الطرح فقط فى المسلسل هو الأجرأ والأكثر ذكاءً فى الرمز والإسقاط فيما يتعلق بالموضوعين الشائكين خاصة مع التغيرات السياسية التى جعلت من جماعة إرهابية متشددة دينيًا تصل لكرسى الحكم فى مصر، أيضًا تفوق المسلسل على المستويين الشكلى والفنى واستغلال المخرج خالد مرعى لعناصر مثل الإضاءة التصوير لأحمد يوسف والديكور لمحمد أمين والموسيقى التصويرية لهشام نزيه هو استغلال أكثر من جيد دعم الفكرة وتماشى مع الاهتمام بالعناصر الفنية فى المسلسلات والأمر وصل فى هذا المسلسل للاستغلال الأقصى للعناصر بشكل يجعله أقرب للسينما فى التعبير بصريًا.

المسلسل الرابع لراضى «مملكة إبليس» يمثل كالعادة كسراً لحالة الجمود والخروج عن المألوف والمناطق الآمنة سواء فى الكتابة أو التنفيذ، بعيدًا عن المسحة الجادة التى صاحبت أعماله السابقة وإن كانت تضم بعضًا من السخرية لكنها كانت شديدة الجدية وقاتمة فى مصائر أبطالها خاصة أن من أكثر مايميز أعماله بشكل عام هو الصفات الشريرة التى تتسم بها شخصيات عوالمه حيث لا بطل مثالياً ولا شخص مثالياً نقياً يستمر، لكن المسلسل الأخير مختلف شكلا ونوعًا، هو كوميدى غنائى تتداخل فيه الأغانى لترسم الأحدث وتشكلها وتعبر حالة الشخصيات إلى جانب تقديم التحية للعديد من المطربين والملحنين إلا أنها لم تكن مجرد تحيات بل عنصراً درامياً أساسياً، واستخدام راضى للأغنيات لم يكن كأعماله السابقة التى تضمنت أغنية مميزة وسط الأحداث يغنيها الأبطال، لكن عدد الأغنيات كان أكبر وكذلك عدد المتغنين بها.

استغلاله للكوميديا يتماشى بشكل أكبر مع طبيعة المسلسل المكون من 15 حلقة ومخصص للعرض عبر منصة إلكترونية مواكبًا للتطور الذى وصل له العالم بعد انتشار المنصات العالمية وتحولت لواقع يفرض نفسه كوسيط ينافس التليفزيون واليوتيوب، الكوميديا هنا سيطرت وطغت على الجدية والقتامة التى تصاحب مصائر أبطاله، فى أحلك المواقف وحتى مع الموت نجد مساحة كبيرة للسخرية وكوميديا الموقف، على الرغم من كونه يعالج نفس الأفكار الرئيسية التى عالجها العهد من قبل إلا أن استقبال هذا المسلسل مختلف، بسبب اختلاف النوع وطريقة العرض ما يعنى بالتالى اختلاف الشريحة الجماهيرية التى تتابعه.

الشريك الأساسى فى أعمال راضى هما طرفان أولهما هو المنتج طارق الجناينى الذى تحمس لأفكاره وكتاباته ويغامر بتبنى شكل وأسلوب وأفكار مختلفين دون خوف من عواقب، ما يعنى أنه ينظر للمحتوى والمضمون والتطور لا الربح فقط، وعليه يصنعه الجناينى يخشى آخرون فعله وتحمسه للأفكار الجديدة يجعله أبرز المستمرين خاصة مع التطور الذى يلحق بصناعة المسلسلات فى العالم، الطرف الثانى هو الممثلون وعلى وجه الخصوص الذين تتكرر أسماؤهم فى أكثر من عمل يحمل اسمه، كمثال صبرى فواز هو انعكاس للسلطة فى 3 من أعماله وسلوى خطاب ورانيا يوسف هما نموذجان للسيدات القويات القادرات فى 3 من أعماله، لكن على الرغم من الصورة التى قد تبدو نمطية لبعض من ممثليه المفضلين، إلا أن النماذج مختلفة جدًا فسليم والضوى وفتحى أشكال السلطة الثلاثة الذين قدمهم فواز فى أعمال راضى مختلفين تمام الاختلاف وكذلك الحال مع رانيا وسلوى، كونهما ممثلتين موهوبتين يجعلهما قادرتين على مواكبة التحديات التى يفرضها السيناريو، تنويع الأداء هو ما يجعل إبراز مواهبهم فرض واجب فى التعامل مع التحدى، بداية من كون الشخصيات شريرة فى الغالب مطالبة بانفعالات مختلفة على مستويات متعددة، وعادة المشاهد تضم عدداً كبيراً من الشخصيات الرئيسية الأمر الذى يجعل المشهد الواحد أقرب للمباراة بينهم.

الموسم الأول من المسلسل كالعادة يحمل تفوقاً فى الكتابة والأداء التمثيلى والديكور الذى يمثل حارة فى منطقة شعبية يجب أن تظهر بخصوصية تتماشى مع طبيعتها كقطعة منفصلة عن العالم والزمان وتأثير أحداث جمعة الغضب تصل إليها بشكل طفيف، وكذلك الحال مع الموسيقى التصويرية لكن ليس المونتاج، الكثير من الجهد الواضح فى المسلسل فى الكثير من عناصره لكن المونتاج ليس أحدها، بالشكل الذى يدفع للتساؤل عن دور المخرج أحمد خالد موسى الذى كان سبباً مباشراً فى نجاح أعمال ضعيفة مثل «هروب اضطرارى» وتعامل مع سيناريو بأهمية «أبوعمر المصرى» وخرج مسلسل جيد جدًا، أين موسى من «مملكة إبليس» الذى يحمل اسمه لكنه لا يحمل اللمسات المعتادة منه كمخرج محترف.