بطرس دانيال يكتب: اغرس اليوم

مقالات الرأي



يعلمنا السيد المسيح قائلاً: «الأمين فى القليل، يكون أميناً فى الكثير». يجب أن يسأل كل شخص نفسه: «ما هى الرسالة الناجحة والنافعة التى قدّمها للبشرية؟ يجب على كل شخص منّا أن يقوم بعمله بإخلاص وأمانة ليس حباً فى نفسه؛ ولكن من أجل الآخرين. ولا يرتبط العمل بعمر الإنسان ولا صحته، كم من مُسنين يقومون بواجباتهم حتى ولو كانت الصحة هشّة والعمر يتوارى! ونتذكر أمثولة واضحة: عندما مرّ كسرى أنوشروان بفلاح عجوز يغرس نوعاً من الشجر الذى لا يؤتى ثمره إلا بعد زمنٍ طويل، فقال له كسرى : «يا والدى العزيز! إنك تتعب نفسك عبثاً لأنك لن تذوق ثمره أبداً!» فأجاب العجوز: «لقد صدقت يا مولاى! ولكن الذين سبقونا غرسوا، فأكلنا. ونحن نغرس ليأكل من يأتى بعدنا». ففرح كسرى من هذه النفس النبيلة والعظيمة وأمر بأن يكافئوه. فقال الفلاح للتو: «يا مولاى! هآنذا جنيت ثمرة غرسى قبل الأوان». وأنت أيها الشاب المليء بالقوة والحيوية والصحة، ماذا قدّمت لأبناء وطنك وجيلك؟ كل من حولك ينتظر منك دوراً مهماً فعالاً وفى أبسط الأمور اليومية والسلوكيات الحميدة. فالمجتمع ينتظر منك أن تصبح عنصراً خيّراً للإنسانية جمعاء. فهل قمت بهذا؟ وأسرتك الصغيرة التى تعبت وقامت بتضحيات لا تُحصى من أجلك، تنتظر منك أن تكون فخراً وشرفاً لها، فهل تفكّر فى هذا وتحققه لها؟ والعلم يدعوك لأن تنهل من كنوزه وثرواته، حتى تنشر النور من حولك للقضاء على الجهل والظلام، فهل لديك النيّة الصادقة للقيام بهذا؟ والوطن الذى احتضنتك أرضه وظللتك سماؤه يبنى عليك أفضل آماله مقابل ما يقدّمه لك كل يوم، فهل بادرت بشىء نحوه؟ ما أجمل إخلاص ونُبل وأمانة الإنسان الذى يفكّر فى مصلحة بلده وناسه، لأن الإنسان الوطنى الخالص هو الذى يسعى لخير وطنه ويحافظ على مصالحه. لا توجد عبارة أقوى مما ردده ويلسن وهو على فراش الموت: «الشكر لله؟ لقد قمت بواجبى». فالواجب دائماً، ويجب أن يبقى، الهمّ الأول والأخير لكل شخص، حتى لو تعرّض بسببه لخطر الموت، لأن الموت لا بدَّ أن يأتى عاجلاً أم آجلاً. لذلك يجب علينا أن نقوم بواجبنا على أكمل وجه، كما نطالب بحقوقنا اليومية. فالإنسان لا ينتظر أن يجد كل ما يطلبه بين يديه وفى كل لحظة وبكل يُسر. مما لا شك فيه أن الله يعتنى بطيور السماء، فيهب كل طائر رزقه، ولكن لا يلقى له طعامه فى عشّه، بل يدفعه بالغريزة إلى البحث عنه. وكما يقول المثل: «لنطلب من السماء أن تساعدنا فى عملنا، لا أن تنجزه عنّا». فالإنسان الاتكالى، هو كاللص الذى يعيش من تعب الغير. ويطلق القديس فرنسيس الأسيزى على أمثال هذا: «ذبابة تقتات من فضلات الغير». وعندما سُئل المخترع العظيم إديسون عن سر النجاح فأجاب: «صبر ومثابرة واحتمال». وعن العبقرية فقال: «2% وحى وإلهام و98% عرق واجتهاد». فالفشل فى عمل شىء، أفضل من النجاح فى عدم خوض التجربة. وتقول الحكمة الصينية: «إذا أردت أن تحصد بعد بضعة شهور فازرع حنطة، وإذا أردت أن تحصد بعد بضعة أعوام فاغرس شجرة، وإذا أردت أن تزرع للأجيال فعليك أن تربّى رجالاً». ونحنُ، تُحيط بنا نماذج كثيرة مشرّفة فى الإخلاص والتفانى والتضحية من أجل الغير، فلنعتبرها مثالاً لنا يُحتذى به. وما أجمل الصورة المشرّفة التى يقدّمها الوالدان لأبنائهما وخاصة ما يقومان به نهاراً وليلاً من تضحيات ليساعدا هؤلاء الأبناء حتى آخر لحظة دون انتظار أى مقابل! أين نحن من هذه الشهامة والتضحية؟! لنتعلّم إذاً أن نعمل دائماً غير منتظرين المنفعة الشخصية والتى نحصل عليها فى أقرب وقت، ولكن نعمل لأن العمل شريعة كل مخلوق حتى لو لم يكن فى حاجة. وليكن هدفنا الأول هو منفعة الغير. فكما أننا نأكل ونتنعّم من تعب الذين سبقونا، كذلك علينا أن نسعى فى إفادة الغير من ثمرة شقائنا. فالمقياس الحقيقى للنجاح ليس مقداراً ما ربحناه أو حققناه لأنفسنا؛ وإنما ما قدّمناه للآخرين. إذاً... لماذا لا نصبح ودعاء كالحمل، وصبورين كالجمل، وعاملين كالنحلة، ومدبّرين كالنملة ومبكّرين كالديك، ونشيطين كالسمكة؟! إن فعلنا هذا، لن نصبح عالة أو عبئا على مجتمعنا. ونختم بكلمات أندريه موروا: «البطالة والفراغ رأس مال الشيطان».