صفقة القرن بين "كليوباترا" و"دار الفؤاد"

العدد الأسبوعي

مستشفى كليوباترا
مستشفى كليوباترا


قيمتها 10 مليارات جنيه وجهاز حماية المنافسة يفشل فى وقف الصفقة.. والقرار الأخير لوزارة الصحة

بعد الإعلان عن صفقة اندماج أوبر وكريم عملاقى النقل التشاركى، أصبحت السوق المصرية على موعد مع صفقة اندماج ضخمة بعد قرار مجلس إدارة مؤسسة «كليوباترا» الصحية فى نهاية نوفمبر من العام الماضى، ببحث ودراسة الاستحواذ على مجموعة «ألاميدا» الطبية التى تملك سلسلة مستشفيات «دار الفؤاد» و«السلام الدولى»، ما يعنى أن العجلة دارت بالفعل.

وفى حال الموافقة ستقوم مؤسسة «كليوباترا» بالاستحواذ على كامل أسهم «ألاميدا» المالكة لمستشفيات دار الفؤاد والسلام الدولى، وذلك بأن تسدد الأولى 50 % نقداً والباقى فى صورة أسهم يتملكها مساهمو الثانية، ويصل تقييم المجموعتين لـ10 مليارات جنيه ما يجعلها عملاق الخدمة الصحية الوحيد فى مصر.

شركة مستشفى كليوباترا مدرجة بالبورصة المصرية، وتعد مجموعة «كير هيلث كير» هى المساهم الرئيسى فيها بحصة قدرها 37.73% من الأسهم وهى مملوكة بشكل غير مباشر لمجموعة أبراج كابيتال الإماراتية، فى حين يتمثل باقى هيكل ملكيتها فى أسهم تداول حر.

وتمتلك الشركة 6 مستشفيات كبيرة فى القاهرة وتعتبر الأكبر بين مستشفيات القطاع الخاص فى مصر، وتحمل المستشفيات التابعة لها عدة أسماء وهى كليوباترا بمصر الجديدة والنيل بدراوى والشروق والقاهرة التخصصى والجولف والكاتب بالدقى، وتستأجر مستشفى كوينز للنساء والولادة بمصر الجديدة.

وتنقسم ملكية شركة ألاميدا للرعاية الصحية مناصفة ما بين الرئيس التنفيذى فهد خاطر ومجموعة إماراتية، وتمتلك عدداً من الكيانات منها مستشفيات كبرى وهى السلام الدولى ودار الفؤاد، ومعامل يونى لاب والكسير للمناظير وطبيبى.

وتأتى الصفقة المرتقبة بعد إصدار قانون التأمين الصحى الشامل، الذى يسمح باختيار المريض لمكان تلقى الخدمة العلاجية والطبيب المعالج، بموجب تعاقد بين الحكومة ومقدمى الخدمات الصحية من القطاعين الخاص والحكومى، وجعل القانون من الصحة قطاعاً جاذباً للاستثمار خصوصاً مع حجم السوق الذى تخطى حاجز الـ100 مليون مواطن، ما يسمح بدخول لاعبين جدد إلى السوق، على أن تستهدف مشروعاتهم المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والفيوم وبنى سويف الجديدة وغيرها، بالإضافة إلى أن الحكومة بصدد تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل فى 6 محافظات كاملة خلال شهور، وسيتم الأمر نفسه فى بقية المحافظات بعد سنوات، أى أن الكيانات الصحية ستجد مزيداً من المكاسب.

ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة توسعاً للكيانات الكبيرة من خلال الاندماجات، لتكون سلاسل على غرار القطاع الغذائى، لتقليل تكاليف التشغيل وخفض النفقات عند شراء الأدوية والمستلزمات، وتوفير الوقت بدلاً من إنشاء كيانات جديدة، وعدم الاضطرار إلى شراء أراض بأسعار أغلى وكذلك الحال فيما يخص أسعار مواد البناء والفائدة والعملة الأجنبية.

وتضم مجموعة مستشفيات كليوباترا 780 سريراً، فى حين تمتلك ألاميدا 860 سريراً، وبذلك سيضم الكيان المحتمل اندماجه من 1640 لـ2000 سرير، ليصبح الأكبر بين مؤسسات القطاع الخاص. وفقا للبيانات الرسمية الصادرة فى عام 2017 يصل عدد الأسرة فى المستشفيات المصرية لما يعادل 1.3 سرير لكل ألف مواطن، بينما تصل المعدلات لـ1.8 سرير فى السعودية و4.6 سرير فى لبنان و10.5 سرير فى ألمانيا، ما يعنى أن مصر أقل بكثير من المعدلات العالمية فيما يخص توافر خدمات الرعاية الصحية، ما يعنى أنه سيكون فيها حجم طلب مرتفع على هذه الخدمة حالياً وفى المستقبل، ما يعنى أن السوق الصحى وتحديداً المستشفيات الاستثمارية لديها فرصة مؤكدة تحقيق أرباح أكبر وفرصة ضخمة للتوسع.

وتشير التقديرات إلى أن عدد الأسرة فى مستشفيات مصر يتراوح من 130 لـ152 ألف سرير، منها 33 ألف سرير بالقطاع الخاص، ولذلك يشكل الكيان الجديد جزءاً مؤثراً فى الخدمة الصحية التى يقدمها القطاع الخاص، ما يجعله قادراً على فرض أسعاره، ما يحرم الطبقة المتوسطة من الاستفادة من خدماته ويجعلها حكراً على الطبقة الغنية.

وتعتبر وزارة الصحة هى المسئول الأول عن الصفقة المحتملة، وذلك وفقاً للقرار الوزارى للدكتور عادل العدوى، وزير الصحة الأسبق، رقم 497 لسنة 2014، والذى يمنع التصرف فى المستشفيات الخاصة ومصانع الأدوية إلا بعد الرجوع للإدارة المختصة بالوزارة، والحصول على موافقة كتابية لهذا الهدف بعد التأكد من عدم تأثر حقوق المرضى والأطباء والعاملين بالمنشأة. ولهذا السبب لم يجد جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، سوى مخاطبة وزارة الصحة لاستخدام صلاحيتها لوقف الصفقة خلال الفترة الماضية، لتأثيرها السلبى على المنافسة فى القطاع الطبى، لأن هذه الخطوة ستؤدى لزيادة الأسعار بالنسبة للمرضى وستسهم فى زيادة معدلات التضخم، وتقيد الخيارات المتاحة أمام المريض فى الحصول على أفضل خدمة بأقل سعر، بجانب أنها ستؤدى لخلق كيان مسيطر ويمثل عائقاً أمام دخول استثمارات جديدة. وبموجب المواد 6 و11 من قانون جهاز حماية المنافسة، يجب أن تقدم الشركات المعنية بالصفقة أوراق الاندماج قبل اتمام الاتفاق للجهاز لفحصها، والتأكد من عدم وجود آثار سلبية على السوق.

وتقضى المادة 19 من القانون، أن يقدم أى شخص أو كيان يتجاوز حجم أعماله السنوى 100 مليون جنيه إخطاراً للجهاز بأى عملية اندماج أو استحواذ حيز التنفيذ، وذلك خلال 30 يوماً من التاريخ المحدد لها. ويترتب على مخالفة هذا القرار غرامة من 20 لـ500 ألف جنيه، وتتوقف سلطة الجهاز عند الإخطار فقط وليس له الحق فى الموافقة على أو رفض عمليات الاندماج، لكنه يضع اشتراطات لما بعدها إذا سببت أضراراً، أو إذا أثبت الجهاز أن الاندماج يشكل مخالفة للقانون، ما يعنى أن مخالفة قانون الجهاز أمر غير ضار لأى مستثمر كبير إذ أن أقصى غرامة لا تشكل سوى نصف فى الألف من حجم الصفقة.

المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، علق على الصفقة المثيرة، موضحاً أن جهاز حماية المنافسة لن يستطيع منعها على غرار ما حدث بالضبط فى حالة «أوبر وكريم»، إذ إنه رفض اندماج الشركتين لكنه لم يستطع وقف الاندماج، واكتفى بإصدار ضوابط حاكمة لعمل الشركتين بعد الصفقة، لضمان حماية المستهلك. وأوضح المركز، أنه حتى يستطيع الجهاز مقاضاة الكيانات المدمجة بموجب المادة 6 من قانونه، كان ينبغى إضافة مادة فرعية جديدة تنص بوضوح على وجوب اعتماد عمليات الدمج من قبل الجهاز، وعدم اقتصار مهمته على الرقابة اللاحقة.

ويرى المركز، أن الأدوات الرقابية الموجودة فى قانون الجهاز تفتقد الفعالية لأن الغرامات المالية التى يتم فرضها على الشركات المخالفة، تتم من خلال حكم قضائى وبناء على دعوى جنائية يحركها الجهاز.

ولفت المركز، إلى أن متوسط الوقت الذى تستغرقه القضايا يصل لـ4 سنوات، وهى فترة طويلة تسلب الجهاز قدرته على وقف الممارسة الاحتكارية الضارة، بجانب الصعوبة التى يواجهها فى الحصول على البيانات اللازمة لأداء عمله من جميع الجهات سواء كانت حكومية أو خاصة.