عبده الزرّاع يكتب: ارفعوا أيديكم عن ثقافة الطفل يرحمكم الله..!

الفجر الفني

عبده الزرّاع
عبده الزرّاع


قديما كان الأدباء يكتبون للأطفال فى الخفاء، ويتوارون خلف كتابات أخرى مثل: الرواية والقصة القصيرة، والشعر، خوفا من أن تلتصق بهم تهمة "كاتب أطفال"، وعندما فتن أمير الشعراء أحمد شوقى بحكايات لافونتين الخرافية للأطفال، ترجم بعضها عن الفرنسية إلى اللغة العربية، وأراد أن يكون لأبنائنا أدبا يضاهى هذا الأدب، فكتب حكاياته الشعرية للأطفال على غرار تلك الحكايات، مؤمنا بقيمة هذه الكتابة فى تهذيب وجدان أطفالنا، وغرس القيم الإنسانية والجمالية فى نفوسهم، يومها دعى رفقاء دربه من الشعراء والأدباء أن يكتبوا خصيصا للأطفال، وخاصة جبران خليل جبران، لكن -للأسف- أن دعوته لم تجد قبولا من الأدباء وقتها، وسرعان ما أنصرف هو الآخر عن الكتابة للأطفال بعدما ترك للأجيال الجديدة تراثا شعريا راقيا، وكان -بهذا الإبداع- من أوائل من طرق هذا المجال.

 

وجاءت أجيال بعد شوقى آمنت بقيمة هذه الكتابة باعتبارها رسالة سامية، فتفرغ كامل كيلانى للكتابة للأطفال بعدما كان يعمل فى مجال تحقيق الكتب التراثية، والتراجم، وأصبح رائدا لهذا الأدب، بعدما قدم ما يربو عن مائتى كتاب، مستفيدا من الأساطير، وكتاب ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والقصص العربية المتواترة فى بطون الكتب التراثية، وأوجد بكتاباته شرعية حقيقية للكتابة للأطفال، وأتت بعده أجيال كثيرة كانت أكثر دأبا وإنتاجية لإرساء قواعد هذه اللون من الأدب، فجاء الشاعر محمد الهراوى ليكون أول من تفرغ للكتابة الشعرية للأطفال، وقدم إنتاجا ثريا ومتنوعا، ولا ننسى جهود عادل الغضبان، والابراشى، وبرانق، من الذين كان لهم اسهامات ملموسة فى هذا الأدب، لكن الجيل الأكثر تأثيرا جيل عبد التواب يوسف، وأحمد نجيب، ويعقوب الشارونى الذى مازال يعطى بسخاء وبكل طاقته لخدمة أدب وثقافة الأطفال.

 

ومع هذا الجيل، حقق أدب الأطفال طفرة كبيرة فحصل كتاب ورسامى الأطفال على جوائز كبرى عربية ودولية، وتعاقبت الأجيال  بعد ذلك منهم من يكتب وعينه على الجوائز العربية بحثا عن قيمتها المادية، وهذا ليس عيبا فى حد ذاته لأن الكاتب فى مصر والوطن العربى، يظل طول عمره يصرف من قوت أولاده على طباعة كتبه، والغريب أن هناك بعض دور النشر الكبرى تعمل فى مجال صناعة الكتاب باحترافية كبيرة، تظل طول عام تصنع كتابا للأطفال نصا ورسما، عاكفة عليه ليخرج فى أبهى صورة له على مستوى الطباعة، والإخراج، والنص، والرسوم يتقدمون به لجوائز عربية بعينها يعرفون دهاليزها وتوجهاتها جيدا، فيحصلون على هذه الجوائز التى تعد بمئات الآلاف، مما دعى عددا كبيرا من الكتاب يتوجون للكتابة للأطفال متلمسين الفوز بواحدة من هذه الجوائز، فأوجدت حراكا حقيقيا ولافتا تطورت معه الكتابة للأطفال نصا ورسوما، والحقيقة أنه ظهرت أجيال مبدعة من كتاب الأطفال يشار إليهم بالبنان، لكن ظلت تهمة إلتصاق مسمى "كاتب أطفال" تخيف الكثيرين من الكتاب، وكأنها كتابة سيئة السمعة، أو قليلة القيمة.

 

وكثيرا ما دارت الصراعات بين الأجيال القديمة لدرجة التطاحن والتراشق بالألفاظ، ووصلت هذه المعارك إلى حد الخصومة لسنوات، وللأسف أننا كأجيال -جديدة نوعا ما- نكتب للأطفال ورثنا هذه المعارك والخلافات، وتدور صراعات مكتومة واتفاقات فى الخفاء تديرها شلل صغيرة، توغر الصدور وتزرع أواصر الفرقة بين أدباء يبدعون لصياغة وجدان أجيال سوف تقود مستقبل هذا الوطن فى القريب، ولأننا نعمل بحب وإخلاص فى هذا المجال منذ ما يزيد عن ربع قرن، ومن خلال رئاستى لشعبة أدب الأطفال بالاتحاد، وعضوية لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة، نقيم بعض الفاعليات متجردين من كل حسابات صغيرة لا تفيد تجد الحروب تحاك ضدك بليل لأنك أقمت فعالية كرمت فيها الحاصلين على جوائز عربية، وتجاهلت بعض الأسماء-من وجهة نظرهم- وهذا لم يرد فى ذهنى على الإطلاق، أو أقمت مؤتمرا ناجحا ولم تدع فيه بعض الباحثين للمشاركة، أو ندوة سقط منك سهوا بعض الأسماء، هذا وارد طالما قبلت أن تعمل فى المجال العام، ولأننى لا أستند على شئ سوى حب الناس من المخلصين والحقيقيين، وما قدمته للحياة الأدبية والثقافية من جهد متواضع، لكننى لا أشك قيد أنملة فى موهبتى التى حبانى الله إياها، لذا لا أخشى فى الله لومة لائم، وأقولها دونما مواربة ولا حسابات لأى شئ: "اتقوا الله فى أنفسكم وفى من يعملون فى هذا المجال ممن يقبضون على جمر الإبداع"، وكفوا عن مؤامراتكم الدنيئة والصغيرة التى لن ولم تحرق سواكم، وارفعوا أيديكم عن ثقافة الطفل، يرحمكم الله.