د. بهاء حلمي يكتب: مكافحة جرائم غسل الأموال.. واجب وطنى

مقالات الرأي

د. بهاء حلمي
د. بهاء حلمي


يعاقب القانون مرتكب جريمة غسل الأموال غير المعروفة لرجل الشارع على الرغم من خطورتها على الاقتصاد والأمن القومى.

فجريمة غسل الأموال تتمثل فى تحويل أو اكتساب متحصلات من جريمة أو نقلها أو حيازتها أو استخدامها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو استثمارها أو التلاعب فى قيمتها بقصد إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانة أو صاحب الحق فيه أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى مرتكب الجريمة الأصلية.

معنى ذلك أن جريمة غسل الأموال لاحقة على جريمة سابقة، وكثيرًا ما يحاول مرتكبوها إيداع الأموال المتحصلة من الجريمة الأصلية بالمصارف بغرض إجراء عمليات عليها لإخفاء حقيقتها.

إلا أن الجهات والضوابط الرقابية الصادرة من وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزى تقف حائلا أمام إتمام كثير من هذه الجرائم.

تتميز جريمة غسل الأموال بأنها جريمة اقتصادية، دولية أو عابرة للحدود، جريمة منظمة، جريمة مصرفية، جريمة اجتماعية، جريمة متطورة.

وتتعاظم خطورة هذه الجرائم لاستخدام مرتكبيها درجات احتراف عالية وآليات منظمة اعتمادًا على التقنيات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعمل فى إطار من السرية لعرقلة التوصل إلى مرتكب الجريمة الأصلية، والسعى للاستفادة من الأموال التى يتم غسلها من خلال استخدامها فى الأسواق أو المشروعات الإنتاجية والاقتصادية أو العقارات..

لذلك فهى تشكل تحديا مستمرا للدولة كونها جريمة تعتمد على إخفاء هوية مرتكبيها إضافة الى إخفاء طبيعة الأموال ومصدرها ومكانها، كما أنها تعتمد على التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة ما يجعلها معقدة فى بعض الأحيان.

وتعتبر العملات الرقمية أو الإلكترونية مثل البيتكوين ومشتقاتها، وليبرا التى أعلن الفيسبوك عن إصدارها فى 2020 وغيرها من العملات الإلكترونية التى تزيد على 130 عملة حتى الآن مصدرًا غير آمن للتعامل، لأنها لا تخضع لرقابة بنك مركزى، ولا ترتبط بأى دولة أو موقع جغرافى معين، ومديرى تلك العمليات الإلكترونية غير معروفين الأمر الذى يجعلها بيئة خصبة لعمليات غسل الأموال أو أى جرائم أخرى.

كما أنها تعرض أموال المتعاملين مع العملات الرقمية لمخاطر عديدة مثل عمليات النصب أو الإفلاس أو انهيار العملة مما يؤدى إلى خسارة الأموال فى ضوء عدم وجود جهة رسمية أو معلنة ضامنة لهذه الأموال.

حقيقة علينا الإيمان بأن التطور التكنولوجى الهائل غير شكل الحياة والمعاملات بين الناس وجعل حدود الأسرة تتسع وتمتد لتشمل العالم كله له إيجابياته وتحدياته التى يجب التعامل معها بفكر مختلف يعتمد على المعرفة والتكنولوجيا.

وتنمية الوعى لدى المواطنين وتشجيعهم على أداء واجبهم القانونى والوطنى فى مكافحة الفساد مع تسهيل أساليب تلقى الإخطارات عن تلك الجرائم، وتوعية الناس بمخاطر التعامل مع العملات الإلكترونية أو الرقمية أو أى مصادر إلكترونية غير آمنة.

رغما عن جهود الدولة فى مكافحة الفساد بجميع أشكاله، ومواجهة جرائم غسل الأموال تشريعيا ومؤسسيا وأمنيا من خلال وحدة غسل الأموال بالبنك المركزى تنسيقا والجهات الرقابية والأمنية المختصة للحد من التدفقات غير المشروعة للأموال، والعمل على استرداد الأصول المسروقة وإعادتها.

فيظل المواطن هو الركيزة الأساسية فى استراتيجية مكافحة جرائم غسل الأموال من خلال الإدراك بمسئوليته الوطنية للإبلاغ عن أى شبهة لعمليات غسل أموال.

من الملائم الإعلان عن رقم مختصر لتلقى وحدة غسل الأموال إخطارات وبلاغات المواطنين عن مثل تلك الجرائم خاصة أنه يوجد قطاع من المواطنين ممن لا يجيد التعامل مع مواقع التواصل الإلكترونى.

وطالما ألزم الدستور الدولة بمكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ضماناً لُحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، وحيث إن الشعب هو أحد أركان الدولة بجانب الأرض والسلطة.

فبات هناك التزام وواجب وطنى على كل فرد بالمجتمع لمحاربة الفساد والإبلاغ عن أى أموال بها شبهة غسل أموال للحفاظ على الاقتصاد والأمن القومى.. وللحديث بقية.