مصطفى عمار يكتب: "قطب"

مقالات الرأي

مصطفى عمار
مصطفى عمار


عرضت قناة دى إم سى الأسبوع الماضى الجزء الأول والثانى من الفيلم الوثائقى «قطب» والذى يتناول التاريخ الشخصى والتنظيمى لواحد من رموز جماعة الإخوان المسلمين والأب الروحى لكافة التيارات الجهادية والتكفيرية التى ظهرت فى التاريخ الحديث للإسلام السياسى، ويحسب للفيلم وصناعه الكاتب الصحفى «أحمد الدرينى» والمخرج «شريف سعيد» اللذان يتوليان مسئولية وحدة الأفلام الوثائقية بقناة دى إم سى، وقدما من قبل مجموعة من الأفلام الوثائقية الجيدة من خلال الوحدة، وتأتى أهمية الفيلم الوثائقى الجديد «قطب» فى كونه كما ذكرنا يتناول السيرة الذاتية لشخصية شديدة التعقيد، تنقلت فى تراجيديا تصاعدية ما بين الماسونية والتطرف، وما بين الكتابة عن المايوه وجماله والكتابة عن تكفير المجتمع وانتفاء اعتبار الوطن وطناً على أساس الحدود، بدرجة تجعلك أمام سيرة تعتقد للحظات أنها سيرة خيالية، فلا يمكن أن تجتمع كل هذه التناقضات فى شخص واحد تنتهى حياته على أعتاب المشنقة، وبالطبع ليس نتيجة أفكاره كما كانت تروج جماعة الإخوان المسلمين، ولكن نتيجة إدانته فى تحقيقات القضية المعروفة باسم، «تنظيم قضية 1965» والتى كان يخطط فيها التنظيم السرى للجماعة بقتل الرئيس جمال عبدالناصر وتفجير مبنى الإذاعة المصرية ومحطات الكهرباء، والتخطيط أيضاً لتفجير القناطر الخيرية لإغراق الدلتا بالكامل، فيمكنك أن تتوقع الكارثة إذا علمت أن هذا المخطط حدث قبل بناء السد العالى، وهو ما كان يهدد بإغراق الدلتا بالكامل وموت الآلاف من المصريين، ولكن المفاجأة التى كشفها لى الفيلم ولم أتوقف أمامها بين ما قرأت وتابعت عن قضية «سيد قطب» هو أن الشباب المتهمون داخل التنظيم السرى لجماعة الإخوان وقتها، سيصبحون فيما بعد محمد بديع مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين، ومحمود عزت نائب المرشد، وإبراهيم منير القائم بأعمال المرشد فى ظل سجن بديع واختفاء عزت، بالإضافة إلى يوسف ندا العقل المفكر لاقتصاديات الجماعة واستثماراتها سواء بالداخل أو الخارج، هؤلاء هم الشباب الذين كانوا يحيطون بسيد قطب ويستقون أفكارهم منه، وهو ما يفسر لنا حجم العنف والدموية التى تابعناها فى تصرفاتهم وقت توليهم الحكم فى مصر عقب ثورة 25 يناير، الفيلم به كثير من الأسرار والقصص التى نسجها صناعه باحترافية شديدة، وربما تأتى أهمية ما قدموه فى أنه للمرة الأولى يتاح لهم الاطلاع على أوراق تحقيقات القضية 65 بالكامل، وعلى حسب تصريحات «أحمد الدرينى» الذى أكد أن عدد الأوراق التى اطلع عليها تصل إلى 24 ألف ورقة تقريباً، جميعها تحوى اعترافات شباب التنظيم السرى وتحريات المباحث العسكرية والجنائية، لواحدة من أهم القضايا التى شغلت مصر فى تاريخها الحديث، وتكشف الطريقة والأسلوب التى كانت ولا تزال تفكر به جماعة الإخوان المسلمين، وقياداتها، من سحق وتدمير لأى شىء حتى ولو كان الوطن فى سبيل تحقيق غايتهم ومخططاتهم السياسية.. وربما يدفعنا الفيلم لطرح سؤال عن إمكانية إطلاق قناة أفلام وثائقية مصرية، نحافظ بها على تاريخنا ونرصد فيها التاريخ الحقيقى لفترات مهمة من تاريخنا، يقوم غيرنا الآن بتزويرها وزرع ما يشاء من أكاذيب بها، مستخدماً سلاح الوثائقيات، الذى تطور بدرجة كبيرة ولم يعد الفيلم الوثائقى بنفس الشكل والمضمون المتعارف عليه لدينا، فتأثير الأفلام الوثائقية وصناعتها وسوقها أصبح لا يقل عن الأفلام السينمائية الروائية، فهى الطريق الوحيد لحفظ التاريخ وتدوينه، وهو ما يجعلنا نحلم بأن تمتلك مصر قناة وثائقية، ربما تكون نواتها الأفلام الوثائقية والتسجيلية الموجودة فى مكتبة التليفزيون المصرى وبالتحديد قناة الأخبار وقطاع الأخبار المصرى، بجانب ما تم إنتاجه من قبل وحدة الأفلام الوثائقية بقناة دى إم سى، ليتم بعدها وضع خطة محكمة لإنتاج مئات الأفلام التى تسجل تاريخ مصر وتحفظه من التزوير والتدليس، التى تقوم به قناة الجزيرة الوثائقية، وغيرها من القنوات الممولة تجاه مصر، ربما يكون الحلم صعبا، وربما يكون مستحيلا، ولكنه فى نفس الوقت مهم وضرورى لمواجهة أعدائنا والانتصار عليهم.. شكراً لصناع فيلم «قطب « وشكراً لكل من وقف خلف هذا العمل ودعمه، وشكراً لمن سيتحمس لإطلاق القناة إن وجدت من يتحمس لها.