الخريطة الكاملة لتنظيمات الإرهاب "الطائر" من وإلى ليبيا

العدد الأسبوعي

عناصر إرهابية
عناصر إرهابية


تركيا نقلت 2400 مقاتل و1700 آخرين فى الطريق

ليبيا تتحول لساحة "جذب وتنافس" بين 6 آلاف قاعدى وآلاف الدواعش الممولين من أنقرة 

"أنصار الشريعة" و"بوسليم" و"الجماعة المقاتلة" وكتائب الإخوان أبرز فصائل الإرهاب الليبي


اختصر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الطريق على الجميع، وطالب مباشرة بوقف إرسال مقاتلين سوريين موالين لأنقرة إلى طرابلس، دعمًا لحكومة فائز السراج فى مواجهة قائد الجيش الوطنى الليبى المشير خليفة حفتر. ماكرون أعلنها صريحة فى مؤتمر برلين الأخير حول الوضع فى ليبيا: «يجب أن أقول لكم إن ما يقلقنى بشدة هو وصول مقاتلين سوريين وأجانب إلى مدينة طرابلس، يجب أن يتوقف ذلك»، وهى رسالة مبطنة بلا شك إلى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ومفادها أن أوروبا تعى تماما لعبة نقل الدواعش وغيرهم من المقاتلين والزج بهم فى صراع متعدد الأطراف متباين الأهداف والأجندات تتصاعد بسرعة الصاروخ فى ليبيا.

وعلى ما يبدو أن ماكرون قد التقط تهديدات أردوغان الصريحة لأوروبا بورقة المقاتلين الطائرين من سوريا إلى ليبيا بمعرفته، فالرئيس التركى كتب قبل 24 ساعة فقط من انطلاق مؤتمر برلين فى مقال نشر فى مجلة «بوليتيكو» الأمريكية، أن «سقوط حكومة السراج سيمنح للمنظمات الإرهابية على غرار تنظيم «الدولة الإسلامية» والقاعدة، «موطئ قدم فى القارة العجوز». ومن ثم جاء رد الرئيس الفرنسى بأن الخطة التركية مكشوفة، ولا يجب السماح بها.

ولا يبدى الجانب التركى وحلفاؤه أدنى اهتمام لإخفاء سياسته فى توريد المقاتلين والمرتزقة من سوريا إلى ليبيا، سواء لضرب خصومه فى المنطقة والبحر المتوسط، كمصر واليونان بشوكة الإرهاب «الملاكى»، أو للضغط على أوروبا بحثًا عن أى مكاسب هنا أو هناك، فالمرصد السورى لحقوق الإنسان، يقطع بحسم أن «تركيا تواصل عملية نقل المرتزقة السوريين»، إلى هناك، كاشفًا عن مقتل 28 مقاتلًا مواليًا لتركيا جنوبى ليبيا، ليضافوا إلى ما سبق رصده قبلًا من سقوط 24 مقاتلًا آخرين فى طرابلس ينتمون لفصائل «لواء المعتصم» و«فرقة السلطان مراد» و«لواء صقور الشمال» و«الحمزات»، وهى فصائل ممولة تركيًا، وتتطوع عناصرها فى خطة أردوغان، حتى أن فرقة السلطان مراد نشرت فيديو شهير لعناصرها المسافرين إلى ليبيا يستعرضون فيه بأنهم قادمون لمجابهة «حفتر».

ولم يفت المرصد الإشارة إلى فخ «الترانزيت الليبى» التى يلوح بها أردوغان فى وجه أوروبا، كاشفًا أيضًا عن أن «مقاتلين من الفصائل الموالية لأنقرة يتخذون عملية نقل المرتزقة من تركيا إلى ليبيا ذريعة، ويصلون إلى الأراضى الإيطالية»، حيث وصل منهم بالفعل 17 مقاتلًا، فيما أن آخرين توجهوا إلى الجزائر بحثًا عن فرصة للعبور إلى أوروبا..

وبحسب مدير المرصد السورى، رامى عبد الرحمن، فإن تركيا ساهمت فى نقل نحو 2400 مرتزق حتى الآن إلى طرابلس، فيما أن 1700 آخرين يتلقون حاليًا تدريبات مكثفة فى المعسكرات التركية استعدادًا للسفر إلى ليبيا، فى حين تتواصل عمليات التجنيد والإغراءات المادية من جانب أنقرة للمقاتلين والمرتزقة فى عفرين ومناطق درع الفرات وعموم شمال وشرقى سوريا، وذلك فى إطار خطة لإرسال 6000 مقاتل إلى ليبيا.

ولا يبدو نقل المقاتلين والمرتزقة الدواعش وغيرهم من سوريا إلى ليبيا مجرد محفز غير مرغوب فيه فى صراع سياسى محلى له امتدادات خارجية. فالأكثر خطورة من ذلك هو استعادة عجلة الإرهاب والعنف الدينى المسلح لنشاطها الذى كان قد انحسر على نحو كبير مع ضرب الدواعش الليبين وعدد من التنظيمات القاعدية النشطة كالمرابطون بقيادة المصرى هشام عشماوى فى ليبيا خلال السنتين الأخيريتين، على يد الجيش الوطنى الليبى.

فالتدفق الكبير من قبل المرتزقة والمقاتلين المدعومين تركيًا سيحول ليبيا مجددًا إلى بؤرة «جذب» لآلاف المقاتلين الفارين من سوريا والعراق بعد انهيار وهزيمة داعش من جانب، وإلى بؤرة استعادة نشاط بالنسبة لتنظيمات أخرى مؤثرة كالقاعدة وتوابعها.

فالثابت وفق تقديرات الأمم المتحدة، أن ليبيا، تمامًا كأفغانستان وباكستان، من الواجهات المفضلة لفلول داعش، وبخاصة أن الأخير لا يزال يحافظ على تواجد ما هناك رغم قلة المقاتلين، ممثلًا فى نشاط ظاهر بمناطق عمليات تمتد بطول الساحل بين أجدابيا وطرابلس، ناهيك بأن الجنوب يشتعل من حين إلى آخر بنيران داعش فى سبها والكفرة، حيث تظل مراكز الشرطة المستهدف الأول من العمليات، إلى جانب مؤسسات النفط، وكذا خطف الأعيان المحليين طلبًا للفدية وتأمين مصادر التمويل.

وكان دواعش ليبيا حاضرين ولو رمزيًا بعد مقتل خليفتهم السابق، أبو بكر البغدادى، وبثوا فى 5 ديسمبر 2019 مقاطع فيديو عديدة توثق عمليات إعدام جماعية «قديمة» فى منطقة صحراوية بالبلاد، وذلك فى رسالة للجميع بأن «ولاية ليبيا» لاتزال على قيد الحياة.

ويعزز نقل المقاتلين السوريين، وبخاصة من الدواعش، نوعًا من التنافس والصراع مع القاعدة الطامحة فى النهوض مجددًا بعد سنوات من التراجع، حيث لا يزال التنظيم يحتفظ بنحو 6 آلاف مقاتل فى ليبيا، وفق تقارير الأمم المتحدة.

أضف إلى ذلك أن ليبيا لا تزال تمثل نقطة انطلاق لتنظيمات قوية، على طريقة جماعة أنصار الشريعة، المنقسمة ما بين الانتماء لداعش والقاعدة، والنشطة فى بنغازى ودرنة وسرت، وكذلك جماعة درع ليبيا الإخوانية فى مصراتة، وشقيقتها «كتيبة 17 فبراير» فى بنى غازى، وكتيبة بوسليم فى درنة، والجماعة الليبية المقاتلة، وتنظيم مجاهدى ليبيا (الداعشى)، وكتيبة الفاروق (القاعدية)، وغيرهم، ومن ثم فتوريد مقاتلين من سوريا، سيوسع بلا شك من دائرة العنف.

ويزيد من تعقيد الوضع الإرهابى فى ليبيا، أنها شبه محاصرة أصلًا بحزام من جماعات العنف الإفريقية الداعشية والقاعدية شديدة الخطورة، وتحديدًا جنوب البلاد المتاخم لمناطق الصحراء الكبرى وحوض بحيرة تشاد. فهناك ولاية غرب إفريقيا الداعشية (بوكو حرام) بقوام 3500 مقاتل، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد أغ غالى التى تشكلت فى 2017 من اندماج 4 جماعات متشددة (أنصار الدين وإمارة الصحراء الكبرى وجبهة تحرير ماسينا والمرابطون التابع لمختار بلمختار) وتنشط فى مالى وغرب إفريقيا. وهناك كذلك 4 آلاف مقاتل للقاعدة فى بلاد المغرب العربى وإفريقيا الوسطى.