د. نصار عبدالله يكتب: معرض الكتاب وسعد درويش

مقالات الرأي



أسماء كثيرة ينبغى أن نذكرها كلما حل موعد معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى لم يعد مجرد مكان لعرض الكتب وبيعها، ولكنه أصبح مهرجانا ثقافيا حافلا بمختلف الأنشطة الثقافية والفنية أيضا شريطة أن تكون تلك الأنشطة الفنية منطوية على قيمة ثقافية ما.. من هذه الأسماء من تولوا رئاسة الهيئة العامة للكتاب التى كان اسمها فى الستينيات دار الكاتب العربى ثم تغير بعد ذلك إلى الهيئة العامة وهو الاسم الذى ما زالت تحمله إلى اليوم، هؤلاء الرؤساء الذين كان لهم دور مشهود فى رعاية الأنشطة المصاحبة للمعرض وتذليل العقبات التى تعترضها، كذلك من بين الأسماء التى ينبغى أن نذكرها أيضا أولئك الذين حملوا على عاتقهم عبء الإعداد لتلك الأنشطة والإشراف على تنفيذها.. على رأس الذين ترأسوا الهيئة خلال حقبة ما يأتى اسم الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور ثم الدكتورة سهير القلماوى (فى الحقيقة فإن الدكتورة سهير القلماوى تسبق صلاح عبدالصبور فى رئاستها للهيئة، لكن صلاح عبدالصبور يسبقها فى الأهمية، ويسبقها أيضا وهذا هو ما يتعلق بموضوع مقالنا فى مستوى الاهتمام بالأنشطة الثقافية المصاحبة للمعرض التى كانت أيام الدكتورة سهير تقتصر تقريبا على فقرة واحدة هى لقاء مع كاتب وكان ذلك الكاتب فى معظم الأحيان روائيا، ولم يبدأ الاهتمام بالشعراء أو بالأحرى الاعتراف بهم إلا فى عصر صلاح عبدالصبور، بعد صلاح عبدالصبور تولى رئاسة الهيئة الدكتور عزالدين إسماعيل الناقد الأدبى الشهير (الكثيرون لا يعرفون أن عزالدين إسماعيل شاعر أيضا وكاتب مسرحى وإن كان قد عرف فقط كناقد) وفى عصر الدكتور عزالدين شهدت ندوات المعرض الثقافية طفرة كبيرة سواء فى النوع أو فى الكم، وكان الفضل فى ذلك يرجع إلى واحد من المسئولين ذوى الثقافة والكفاءة وهو الشاعر سعد درويش الذى اختار لمعاونته فى مهمته مساعدين على قدر كبير من التفانى والإخلاص، وكان هذان المساعدان هما: الفنان نجيب رشدى وزوجته الفنانة نادية رمسيس، كان سعد درويش بالإضافة إلى اتسامه بالثقافة والكفاءة يتسم بسمة أخرى أظنها كانت عاملا مهما من عوامل إخراج أى نشاط فى أكمل صورة ممكنة رغم أن هذه السمة ذاتها كثيرا ما كانت سببا فى بذل مجهود مضاعف لم يكن هناك ما يدعو إلى بذله أصلا، هذه السمة هى الوسوسة، فقد كان سعد درويش رحمه الله موسوسا إلى أقصى حد يمكن تصوره، كانت تربطنى به صلة من المودة والصداقة باعتباره شاعرا، بل شاعرا مجيدا أيضا، وقد ساعدتنى هذه الصلة أن ألمس عن قرب مدى شدة الوساوس التى كانت تتملكه كلما قام بعمل ما ثم انتابه وسواس فى أنه لم يقم به على الوجه المطلوب، كان سعد درويش مدركا لحالته ومعترفا بها خلافا للكثيرين من الموسوسين الذين ينكرون أشد الإنكار أنهم موسوسون رغم أن كل تصرفاتهم تنطق بذلك، أما سعد درويش فقد كان دائما يحاول أن يتخلص من وساوسه لكنه لا يستطيع، ويكفى للتدليل على ذلك أن أروى للقارئ الحكاية الآتية: ذات يوم كتب سعد درويش رسالة إلى أحد أصدقائه وطلب منى أن أراقبه وهو يضع الرسالة داخل المظروف حتى إذا انتابه شك فى ذلك سألنى لكى أؤكد له أن الرسالة داخل المظروف، بعدها قام بكتابة عنوان الصديق تفصيلا على المظروف: المدينة اسم الشارع رقم العمارة رقم الشقة اسم الصديق المرسل إليه رباعيا.. ثم اشترى طابع بريد ألصقه على الخطاب، وأعطانى الخطاب قائلا: سوف نتوجه معا إلى صندوق البريد حيث سوف تقوم أنت بإلقاء الخطاب فى الصندوق، ولو حدث أنى انتابنى شك فى شىء ما وطلبت منك أن تعطينى إياه لكى أراجعه فلا تفعل.. لأننى سوف ينتابنى الشك مرة بعد مرة، قلت له: اتفقنا.. وحين وصلنا إلى الصندوق قال لى: هل الرسالة داخل المظروف؟.. قلت: نعم.. قال: أشك فى ذلك.. لو سمحت أريد أن أتأكد.. وحاول أن ينتزع المظروف منى.. لكننى كنت أسرع منه فى إلقائه إلى الصندوق.. وبعدها قلت له: أنا متأكد.. رحم الله سعد درويش فقد كان وسواسه هذا سببا فى عدم حدوث أى خطأ سواء فى الإعداد أو الإخراج.. رحم الله هذا الوجه الغائب.. وبالمناسبة فإن: «الوجه الغائب» هو عنوان الديوان الشعرى الوحيد الذى أصدره سعد درويش.