مفاجأة: القانون لا يعاقب دور النشر الوهمية.. والروتين يحميهم

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


موسم النصب على المؤلفين

عادل السمرى: القضايا غالبًا ما تحفظ إداريا فتنتقل صلاحية البت فيها إلى مجلس فض المنازعات وغالبًا ما يغلق القضية


تعمل آلاف دور النشر خارج أى أطر قانونية وتحقق أرباحاً بالملايين سنوياً قبل معرض الكتاب بأشهر قليلة، وذلك من خلال تحصيل أموال من الكتاب والمؤلفين الراغبين فى تحقيق حلمهم بتواجد أعمالهم خلال أيام الحدث الدولى المهم.

انتشرت مؤخراً دور النشر الوهمية التى تعمل بدون مقر ثابت، بغرض جمع الأموال من المبدعين والكتاب مقابل وعود مزيفة بالعمل على نشر إبداعاتهم على نطاق كبير، وعرضها بمعرض الكتاب.

يقول الكاتب مازن فاروق، أحد ضحايا دور النشر الوهمية، إنه عندما أراد نشر كتابه فى مصر مطلع 2018، بسبب ظروف عمله بدولة الإمارات، حصل على عرض مغر عبر «الفيسبوك» من دار نشر تسمى «الحسناء» وتم الاتفاق مع مديرها أمير محمد، على نسبة من إجمالى المبيعات بعد عام من نشر أول طبعة، ووقع بذلك عقدًا مدته عامين.

ولكن بعد عودته إلى مصر مع بداية عام 2019 وطلب لقاء «أمير» حدد له الأخير موعداً بشقة سكنية بالإسكندرية على أنها مقر الدار، وعندما استفسر عن نسب المبيعات مطالبًا بنصيبه والنسخ الخاصة به، ارتبك الناشر وأخبره أن النسخ تعرضت للتلف أثناء الترويج لها فى معرض الإسكندرية الدولى للكتاب الذى أقيم فى مارس 2018 بسبب الأمطار، ووعده بتعويض، ثم تهرب منه على مدار 8 أشهر بحجج مختلفة، حتى فوجئ «مازن» بإعلان الدار إغلاقها بشكل نهائى عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

وبعد 4 أيام من الإعلان اكتشف الكاتب أن مدير الدار بدأ فى تحرير عقود جديدة لكتاب آخرين مقيمين خارج البلاد فى مقر مختلف.

وقال «مازن» إن «أمير» اختفى تماماً شهرا مدعياً إفلاسه ثم عاد بدار جديدة تحمل اسم «إضافة».

حرر مازن فاروق المحضر 16599 جنحة/ أول الرمل، ضد أمير محمد، وعادل أبو الأنوار، المسئولان عن الدار وما يزال ينتظر نتيجة التحقيقات، وتبين لمازن وجود ضحايا آخرين للحسناء.

نفس السيناريو تعرض له الكاتب أحمد مصيلحى، خلال العام الماضى مع دار «فصلة»، حيث فوجئ بحيلة قامت بها وأدت لدفن حلمه بنشر كتابه الأول بالمعرض الدولى للكتاب فى يوبيله الذهبى.

البداية كانت عندما تواصل مع إدارة دار النشر وقدمت له عروضًا مغرية بإمكانية مشاركة كتابه فى المعارض المقامة بجميع المحافظات، بالإضافة للمعارض التى تقام بالدول العربية، فضلًا عن توزيعه على كبرى المكتبات، مقابل سداده 5 آلاف جنيه.

وأثناء توقيع العقد فوجئ بتضمنه عنوان بمنيا القمح لمقر الدار، رغم أن التوقيع كان يتم بشقة سكنية فى منطقة الطالبية بالجيزة، وعندما تساءل عن السبب أخبره المدير بأن المقر الجديد سيتم ترخيصه قريبًا.

وأضاف أنه بمجرد سداده المبلغ المتفق عليه وجد تغييرًا جذريًا فى التعامل، حيث امتنع مدير الدار عن الرد على هاتفه وكلف مساعدته بالرد، وإخطاره بأنه مشغول.

وعندما ذهب أحمد مصيلحى للدار للتأكد من أن كتابه سيلحق بمعرض الكتاب فى دورته الخمسين، طمأنه المدير بأن كتابه سيصدر بحلول نوفمبر 2018 أى قبل المعرض بشهرين.

وبعد مراوغات وتهرب من الناشر لفترة طويلة، لم يتمكن الكاتب من الحصول على نسخ كتابه سوى قبل المعرض بشهر واحد، وكانت قليلة جداً، ولا تتوافق مع شروط العقد حيث تمت طباعتها بعنوان مختلف، فضلًا عن الأخطاء الإملائية والصفحات المضغوطة ليصبح عدد صفحات الكتاب أقل من المتفق عليه.

وكانت أغرب المفاجأة بأن الدار أعلنت قبل المعرض بعدة أيام أنها لن تتمكن من إقامة حفل توقيع، واقترحت على الكاتب أن يخصص لنفسه أيامًا يحضر خلالها أقربائه ومعارفه لالتقاط الصور معهم.

لكن الصدمة الكبرى كانت بعد بدء المعرض مباشرة، حينها «مصيلحى» لتفقد إصدارات الدار، حيث فوجئ بأن جناح الدار عبارة عن بضعة أرفف قامت بشرائها من دار نشر أخرى.

وكانت الكارثة الأكبر فى عدم عثوره على كتابه، وعندما تواصل مع المدير تحجج بأنه يواجه صعوبة فى إحضار النسخ فى أول أيام المعرض، ثم أحضر 10 نسخ فى آخر أيام المعرض.

وبعد انتهاء فترة المعرض توقف الناشر عن الرد على اتصالاته، قبل أن يغلق المقر تماما.

وبعد أيام من البحث اكتشف «مصيلحى» وباقى الضحايا أن الناشر افتتح مقرا آخر سراً فى الزقازيق.

وحرر الكاتب أحمد مصيلحى شكوى رسمية باتحاد الناشرين، وتحرير محضر ضده برقم 10884 لسنة 2019 بقسم الطالبية بتهمة العمل بشكل غير رسمى ودون وجود مقر موثق، والاستيلاء على أموال الكتاب.

ووقعت الكاتبة سارة إبراهيم، ضحية دار نشر لا وجود لها على أرض الواقع تحمل اسم «ديكا»، وذلك من خلال «الفيسبوك»، وتمثل عرض الدار فى نشر كتاب مجمع مقابل 20 جنيهاً فقط للصفحة.

وأغلق مدير الدار أبوابها بعد حصد 25 ألف جنيه من كتاب وقعوا العقود داخل كافيه، وبعد أن قام بتغيير أرقام هواتفه افتتح دارا أخرى تحت مسمى «توكة» بنفس النهج ولكن مع كتاب جدد.

يقول المحامى عادل السمرى، إن السبب فى جرأة الناشرين وخداعهم للكتاب بهذه الطريقة، هو وجود ثغرة فى قانون النشر تتمثل فى إنه لا يوجد بند لفرض عقوبة على دور النشر الوهمية، وهو سبب تبرئة معظم الناشرين من القضايا، واستمرارهم فى النصب، مستغلين روتين الإجراءات القانونية.

وأوضح «السمرى» أن القضايا غالبًا ما تحفظ إداريا، فتنتقل صلاحية البت فيها إلى مجلس فض المنازعات، والذى غالبًا ما يغلق القضية ولايقدم حلًا يرد للكاتب حقه بشكل قانونى، مطالبًا بالعمل على وضع بنود جديدة فى القانون لتوقيع أقصى عقوبة على الناشرين المزيفين تصل إلى السجن والغرامات المالية الكبيرة لردعهم.

ويتفق معه فى الرأى سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين الذى طالب بأن يتضمن القانون بندا يعاقب كل من يمارس النشر دون أن يكون عضوًا فى اتحاد الناشرين حتى يتمكن الاتحاد من مساءلته رسمياً.

وأوضح أن الاتحاد لا يملك سلطة الرقابة على دور النشر غير الرسمية، مؤكدًا أن دوره يقتصر على مراقبة دور النشر المقيدة لديه فقط.