رامى المتولي يكتب: "1917" ميلودراما إغريقية عن الحرب العالمية الأولى

مقالات الرأي



بعد انتهاء فيلم ١٩١٧ وجه مخرج الفيلم سام مانديز شكر لجده الأكبر ألفريد مانديز الذى حكى له قصة «الصديقان» محور الفيلم الأساسى ضمن حكايات أخرى عن الحرب العالمية الأولى التى شارك فيها ألفريد وحصل على وسام تقدير لشجاعته، الفكرة الأساسية هنا هى الحرفة رواية القصة، من المؤكد أن طريقة سرد ألفريد الحكايات كانت مميزة لتثبت فى ذاكرة سام ويقرر هو استغلها بهذه الطريقة بعد كل هذه السنوات، طريقة ببناء الفيلم معتمدة لشكر كبير على أسلوب الحكى القديم، راو واحد يتتبع رحلة بطل منذ البداية للنهاية متخطيا كل الصعوبات.

السيناريو الذى شارك فى كتابته سام مع كريستى ويلسون كيرنز والتصوير ومديره روجر ديكينز يدعمان لشكر أساسى فكرة الحكى بداية من كتابة السيناريو المعتمد على حوارات بين فردين أو فرد ومجموعة من ناحية، ومن أخرى على اللغة السينمائية متخليًا عن الحوار التقليدى فى الكثير من المشاهد ويستبدله بالموسيقى التصويرية لمؤلفها توماس نيومان، التصوير كان له عامل كبير مع الإضاءة لتكثيف الحالة الشعورية والتسهيل على المشهد ليقرأ ما بين السطور، لتنفيذ ذلك ظهر الفيلم وكأنه لقطة واحدة طويلة، والمونتاج له دور كبير فى دعم هذه الرؤية لتظهر بهذا السكر فى النهاية.

دعمًا لفكرة الحكاية الشعبية الموجودة بنفس الشكل فى كل دول العالم على اختلافها، وشكلها الأساسى فى المسرح الإغريقى العريق، نسير مع بطل أفعاله غير معتادة ولا تشبه باقى من حوله، الميلودراما هى السائدة والظروف القهرية التى تضطره لفعل الكثير من الأشياء التى قد يرفضها فى الأوقات العادية، لذلك نجد الكثير من المبالغات بالتأكيد هى فى مكانها الصحيح نظرًا لاعتماد سام على هذا الشكر تحديدًا، قراءة الإلياذة أو أوديب الآن ستكشف حجم الميلودراما وعدم امتلاك البطل لحق تقرير مصيره الموجودة بوفرة فى الأدب الإغريقي، هل هناك أقوى من الحرب فى العصر الحديث لتكون سببا قهريا على البطل لتحكم عليه برحلة على غير رغبته حيث مصير عدد كبير من البشر بعيد على نتيجة هذه الرحلة، البطل ويل (جورج ماكاى) محكوم بواجب مصيرى وقدرى يجعله يتمسك بالحياة ليوفر لآخرين لا يعلمهم بالتأكيد كل هذا تحت مظلة الحرب العالمية الأولى، حيث إبداء أى ذرة عطف تعنى الموت.

من الكتابة التى تعتمد على الشكل الكلاسيكى ومشاهد مناجاة البطل لنفسه نظرًا لوحدته كما الحال فى الدراما الإغريقية، الفيلم استبدل حالات المناجاة وحولها إلى تكوينات فى لقطات للكثير من المشاهد على الشاشة فظهرت كأنها لوحات فنية، تتحدث فيها السواكن عن الكثير، جثث الأحصنة والجنود التى أخذت أشكالا غريبة بعد الموت نتيجة ظروف الموت ما بين التعلق فى الأسلاك الشائكة أو القنابل الملقاة من الطائرات أو قذائف المدافع التى دفنتهم تحت الأرض مخلفة حفرا كبيرة تظهر وجوههم وبعضًا من أطرافهم كأنهم جزء من لوحات فرانشيسكو جويا السوداء، السيناريو أيضًا اعتمد فى رسمه للشخصيات على الحكى لحد كبير، نتعرف على علاقة ويل وتوم (دين تشارلز تشابمان) من خلال حديثهم معًا وقصصهم المشتركة، الحوار بين ويل والنقيب سميث (مارك سترونج) وأداء الأخير بالوجه والجسد كشف لحد كبير حالة ضابط شاهد الموت آلاف المرات لحد جعله بلا انفعال تجاهه تقريبًا، وحديث آخر بين نفس الثنائى صنع نقطة ذروة ورسم تفاصيل شخصية أخرى هى العقيد ماكنزى (بيندكت كامبرباتش) فتح مجال أن يتفاعل البطل مع شخصية ماكنزى بأقل مساحة لعرض الشخصية مع أقصى كم من الزخم والتكثيف للتفاصيل المطلوبة.

ربما يلعب التصوير والمونتاج دورًا أساسيًا فى الفيلم وهما جزء لا يتجزأ من جودته الفنية، خاصة أن التعامل مع هذا العنصرين أظهر عناصر اخرى كتصميم الإنتاج، الملابس، الإكسسوارات، الخدع البصرية، إخراج المعارك، بشكل أفضل لكن العنصر الأساسى والأهم هو السيناريو يليه أداء الممثلين على رأسهم ماكاى، ولم يكن للفيلم أن يظهر بهذا الشكل لولا السيناريو الجيد والأداء التمثيلى غير الميال للمبالغة كعادة المدرسة البريطانية فى الأداء للسينما على الرغم من أن بعض المشاهد فى الفيلم تحتمل هذه المبالغة لطبيعة الكتابة والمواقف داخله.