منال لاشين تكتب: دفتر أحوال برلمانى بلا ظل

مقالات الرأي



حصل على 60 مليون جنيه خدمات لقريته مقابل الانقلاب على قانون الحكومة

تدخل فى امتحان بكالوريوس الطب حتى تحصل ابنته على امتياز

قام بتعيين بنات شقيقاته فى البترول برواتب مغرية واستولى على حصص زملائه من التعيينات


بطل هذه القصة قيادة برلمانية ليس لصوتها أى صدى، فننسى كلماته بعد أقل من دقيقة من نطقه بها.. لا يحمل كاريزما حتى ملامحه لا تعلق بالذاكرة.. فى بداية البرلمان بدا للجميع الشخص المطلوب.. إنه كما قال السادات مسمار بلا رأس ولذلك لا يسعى أحد لخلعه من مكانه، أو حتى الخوف منه.. هو بلا جذور على أرض الواقع السياسى أو البرلمانى. ولذلك لم يخش أحد منافسته.. تركوا له منصبا مهما والجميع يطمع فى أن يسيطر عليه. باختصار كان الرجل الضعيف الذى يأمن الجميع له.. المثير أنه كان يحظى بصداقات واحترام كل أطياف المعارضة والمستقلين.. وخدعوا أيضا فيه فهو لم يكن ملك أحد سوى نفسه. ولا أدرى إذا كان أجاد تمثيل الشخص الجبان أو الغبى، أو أنه بالفعل كان كذلك ثم تعلم من أخبار وسير السابقين.

المثير أيضا أن الصحف لم تهتم بالبحث والتنقيب وراءه. نشرنا عن نائب الشيكات ونواب البيزنس ونائب التحرش.. دون أن نفكر أن نفتح تحقيقا وراء هذه الشخصية. إنه حظ الرجل العادى الذى لا يلفت النظر ويطلق عليه فى بعض الحضارات رجل بلا ظل. وحين قارب البرلمان على الانتهاء اكتشف البعض ربما بالصدفة أو بغرض الانتقام الكثير من الصفحات السرية المجهولة فى حياة هذه القيادة البرلمانية. اكتشفوا أنه ليس الرجل البرىء من الاستفادة من كل مزايا البرلمان. اكتشفوا أيضا أنه يخطط لمستقبله السياسى. وأصبح على علاقات قوية وسرية بمسئولين نافذين وأجهزة يحسب لها حساب. قد استفاد من تغييرات عديدة جرت داخل البنية السياسية فى البرلمان. قيادات رحلت وأخرى صعدت.. بينما هو ظل قابعا فى موقعه لا تجرى عليه سنن التغيير أو دسائس السياسة.

1- خيانة الحكومة

يبدو صاحبنا صديقا حميما للحكومة.. لكل رؤساء الحكومة السابقين والحالى وربما القادم.. فهو لم ولن يعلن عن عدائه أو حتى رفضه لأى من مواقف الحكومة.. يبدو دائما الرجل الحكيم الذى ينصح ولا يشتم ولا يهاجم. ومع ذلك لم تسلم الحكومة من خيانات سياسية متكررة من هذا الرجل. أحيانا كان ذكيا فى خيانته للحكومة، وأحيانا أخرى خانه ذكاءه حين وقف ضد الحكومة. ولكنه فى الحالتين لم يخرج صفر اليدين.

المرة الأولى كانت فى قانون قدمته الحكومة لحل أزمات الجمعيات الأهلية. كان القيادة البرلمانية ضمن شخصيات وقيادات برلمانية جلست معها وزيرة التضامن السابقة غادة والى. فى الاجتماع معه ظل النائب يردد أمام الوزيرة أن دائرته تعانى من نقص التمويل للجمعيات الخيرية. وأن جمعيات الحج والعمرة تتسول من أهل الخير. لم تفهم الوزيرة الرسالة المشفرة. ودون أن يخبرها قام بالانقلاب على مشروع قانونها. وكان هذا الموقف عربون صداقة وتعاون مع جهاز نافذ. لم يعد يحتاج إلى وسيط للتعامل معهم. لم يعد يتلقى رسائلهم عبر وسيط سياسى أو برلمانى. لقد أصبح محل ثقتهم خاصة عندما أقنع زملاءه النواب بأن الحكومة تخلت عن الوزيرة ومشروع قانونها.

ولكن وزيرة أخرى كانت أكثر فهما لرسائله الخفية وطلباته المشفرة. عرضت عليه أن توفر له منحة قدرها 60 مليون جنيه مرة واحدة للخدمات فى قريته فقط، وليس الدائرة. إنها تملك خزائن المال وبتوقيع منها بنى فى قريته مجدا شخصيا فقد وضع اسمه على الخدمات الجديدة وعزز مركزه لدى المواطنين بأنه رجل قوى.. يطلب فيجاب طلبه. الثمن هذه المرة كان المشاركة فى تعديل مادة مجرد مادة فى مشروع قانون، مادة واحدة تغير موازين القوى وخريطة الاختصاصات فى مجلس الوزراء بأكلمه. بالفعل تم التعديل بالمساء وفوجئ به الجميع كاقتراح فى الجلسة الصباحية. ولكنه ظهر محايدا كالمعتاد، وكان يتابع الخناقة بين النواب بدون اهتمام ظاهر.

هذه الواقعة حسمت وضعه للأبد. لم يعد الرجل الذى يتجاهله الجميع. أصبح الكل يعمل له ألف حساب. وصار رقما حاسما فى أى معادلة برلمانية. بل إنه صار يتولى المفاوضات الصعبة بنفسه.

2- بنات وتعيينات

عندما ذاق صاحبنا طعم النفوذ، واكتشف كم من مفاتيح السلطة يحيط به، وتجرى تحت أصابعه توسع فى تجاوزاته. إن إدمان السلطة أقوى وأشد من إدمان الجنس أو القمار. السلطة قادرة أن تمحو ذاكرة أيام أحلام الشرف وقيم المساواة. اكتشف صاحبنا أنه يملك نفوذا يمتد من الإسكندرية لأسوان. ومن وزارة إلى أخرى. وأن كل المؤسسات بالدولة لا تبتعد كثيرا عن نفوذه.

فى أحد الأيام عادت ابنته من امتحان البكالوريوس فى الطب. كانت حزينة وباكية. وأخبرته بين دموعها أن السؤال الإجبارى فى مادة الامتحان كان صعبا جدا. ولم تستطع لا هى ولا زملائها المتفوقين حله. وكان عليه أن يتصرف لإنقاذ مستقبل البنت. تواصل مع الوزير المختص وشرح له المشكلة. فما كان من الوزير إلا أن اتصل بعميد الكلية للتصرف العاجل. وعندما رفض الأستاذ هذا التدخل السافر. قام العميد بإلغاء السؤال الإجبارى من الامتحان وتوزيع الدرجات المخصصة لهذا السؤال على بقية الأسئلة، وأكد العميد أنه تلقى شكاوى كثيرة جدا. واتخذ قراره بناء على الشكاوى من أبنائه وبناته الطلبة والطلبات. وحرصا على مستقبلهم، وحصلت ابنته على درجة امتياز. كان يردد دوما أنه لم ولن يتدخل لإيجاد وظيفة لابنته مثل الكثير من زملائه النواب، خاصة فى شركات البترول الثرية ذات الرواتب المغرية، وصدقه نواب كثيرون. ولكنه قام بتعيينات بنات شقيقاته فى شركات البترول بالتفاهم مع وزير البترول الذى رحب بضم البنات إلى نادى البرلمان فى شركة ميدور وأخواتها.

وبعد أن أطمأن على مستقبل ابنته وبنات شقيقاته بدأ فى توزيع حصص زملائه من تعيينات بعض المؤسسات الحكومية فى بلدته أو بالأحرى دائرته. ضمن كبار الرءوس فى دائرته حتى لا يحتاج إلى دعم أحد الأحزاب أو الشخصيات السياسية، لقد أصبحت خيوط ومفاتيح الدائرة فى يديه. إنه يخطط لمستقبله السياسى فى البرلمان القادم، مثلما يخطط خصومه السياسيين إلى إقصائه من برلمان 2020. لقد بدأت المعركة بينه وبين خصومه مبكرا بسرية وهدوء. وربما تتصاعد فصول المعركة ليبدأ خصومه بتسريب مستندات تدينه. وتفضح استغلاله لموقعه. ولكن يظل خروج القضية للنور مجرد احتمال، فهو يعرف أن حماية سمعة البرلمان هدف مقدس للجميع. وإن كنت لا أرى أن وجود تجاوزات لأى قيادة فى البرلمان أو خارجه يدين الآخرين أو يوصم البرلمان كله بالتجاوز والخطأ. فمن الظلم أن نأخذ نحو 600 نائب ونائبة بخطأ فرد واحد، أو أن نختصر كل معارك البرلمان فى معركة واحدة لفرض السيطرة والنفوذ. فهناك عشرات بل مئات النواب يتحركون لصالح دوائرهم وما يعتقدون أنه فى صالح مصر، وهؤلاء لن ولم يضرهم وجود أمثال هذه القيادة ولا هو ولا خصومه على تورتة النفوذ والسلطة فى البرلمان الحالى والمقبل.