عبدالحفيظ سعد يكتب: خطط المخابرات التركية للسيطرة على ليبيا عبر "النهضة" التونسي

مقالات الرأي



إعادة تدوير مشروع تركيا للسيطرة على شمال إفريقيا

تطورات الجزائر والأوضاع الليبية تعيد أطماع سيناريو 2012 "الفاشل"

مع تصاعد الأحداث فى ليبيا فى ظل التقدم الذى يحرزه الجيش الوطنى الليبى ضد الميليشيات التى تسيطر على العاصمة طرابلس، تتكشف الخطط التى كانت تهدف إليها تركيا بتدخلها فى ليبيا سواء بإرسال أسلحة أو استقدام عناصر إرهابية مسلحة، أو تلويحها المباشر بإرسال جنود لها للتدخل فى ليبيا بشكل مباشر.

ويتضح أن تحركات تركيا الأخيرة، تعد تعبيرا عن أطماعها ليس فقط فى منطقة شرق المتوسط، بل فى منطقة الشمال الإفريقى بأكمله، وهى الأهداف التى ضربت بعد فشل مشروع تمكين الإخوان من الحكم، والذى كانت بمثابة الحلم الأردوغانى، والذى يعد تجسيدا لتحقيق الأطماع التركية فى الأراضى العربية.

ولكن يبدو أن خطط المخابرات التركية عقب 2011، ببسط نفوذها فى المنطقة بطريقة ناعمة عن طريق العمل على تمكين الإخوان والإسلاميين من الحكم، تعاد تدويرها مرة أخرى ولكن بطريقة عسكرية مباشر وبسيناريو وبخريطة جغرافية جديدة، سواء لتغيرات سياسية على الأرض خاصة فى الجزائر وليبيا، أو عوامل أخرى دفعت الدول التى ترعى المشروع خاصة تركيا للعمل على إعادة تدويره بطرق مختلفة.

ونجد أن المخطط التركى للتحرك فى ليبيا، والتخطيط لإرسال قوات عسكرية إلى هناك، لم يكن وليد الفترة الأخيرة، مع تقدم الجيش الوطنى الليبى نحو طرابلس، أو عقب الاتفاق الأمنى الذى وقع بين فائز السراج وأردوغان، بل كانت تلك الخطط تعد له من فترة.

وتمثل ذلك فى دفع حركة النهضة لمشروع التمكين فى تونس، خاصة السيطرة على الرئاسة التونسية، وهو ما دفعها لطرح مرشح النهضة عبدالفتاح مورا على منصب الرئيس فى الانتخابات فى سبتمبر الماضى، وبعد سقوطه اتجهت الحركة لدعم قيس سعيد فى مواجهة نبيل القروى.

ويظهر هنا أن الخطط التركية فى تونس كانت تهدف لسيطرة حركة النهضة على الرئاسة للعمل على السيطرة على قرار الجيش التونسى، خاصة أنه رغم نفوذ حركة النهضة الإخوانية وشبه سيطرتها على الحكومة، إلا أن منصب وزير الدفاع ووزير الخارجية لا يتم اختيارهما، إلا بموافقة رئيس الجمهورية طبقا المادة «89» من الدستور التونسى.

ومن هنا كانت الخطط التركية تسعى للسيطرة على منصب الرئيس التونسى، عبر حزب النهضة، والعمل على التقرب من قيس سعيد، بعد دعمه فى الجولة الثانية للانتخابات على أمل السيطرة عليه بعد وصوله للرئاسة، للعمل على ضمان وجود قائد للجيش تابع لها.

وتسير خطط تركيا لإدخال الأسلحة والجنود للميليشيات فى طرابلس بريا من جهة، وهو ما ظهر فى تحركات الرئيس التركى رجب أردوغان الأخيرة وزيارته المفاجئة لتونس فى محاولة الدخول فى حلف مع تونس والجزائر.

وكان الغرض الأساسى من زيارة أردوغان العمل على فتح جبهة لتوريد الأسلحة والمعدّات (والمُسلّحين) إلى ليبيا عن طريق معبر رأس جدير بين تونس وليبيا، وعدم الاكتفاء بالنقل الجوى، خاصة مع تزايد المخاطر والصعوبات أمام عمليات النقل عن طريق البحر وتعرضه للمطاردة خاصة فى منطقة المتوسط التى يتواجد بها قوى تتعامل مع تركيا كدولة معادية أو منافسة مثل اليونان وقبرص فى الشمال أو مصر فى الجنوب، بالإضافة لتواجد الأسطول الفرنسى والإيطالى فى مياه المتوسط.

ورغم محاولات حزب النهضة الإخوانى بالضغط على الأحزاب والرئاسية التونسية لتمرير الاتفاق، والتساهل معها فى تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن معظم الأحزاب واتحاد الشغل فى تونس كان لها رأى آخر بعد أن أجمعت على إدانة محاولة توريط تونس فى الشأن الليبى، أو إجبارها على الدخول فى حلف تحاول تركيا تشكيله شرقى المتوسّط، وهو ما عبرت عنه كذلك الرئاسة التونسية بتكرار رفضها التدخل المباشر فى ليبيا، ورفض وجود قوات أجنبية.

ويفسر ذلك أن دوافع دخول النهضة المغامرة فى الترشح للرئاسة الأخيرة رغم ضعف الحركة، أنه كان يسير وفقا لخطط وأوامر تركيا لراشد الغنوشى رغم أنه كان يرفض فى السابق الترشح لمنصب الرئيس، وكان ينتقد الإخوان فى مصر لإقدامهم على هذه الخطوة.

ولكن نتيجة الضغوط على حركة النهضة من تركيا والتنظيم الدولى للإخوان، غيرت الحركة استراتيجيتها بمحاولة السيطرة على الرئاسة التونسية، لكن ما شجعها على الخطوة أنها وجدتها فرصة للصعود فى ظل الترتيبات الإقليمية والدولية، وتجاوزها الشأن التونسى المحلى، إلى محيطها الحدودى، تحديداً « ليبيا» و»الجزائر».!!

وتبرهن تحركات حركة النهضة الإخوانية المعروف قربها من تركيا، أن المخطط التركى للتدخل فى ليبيا لم يكن وليد اللحظة، بل منذ فترة، وأن هذا المخطط لم يكن يستهدف فقط دعم الميليشيات أو حكومة الوفاق فى ليبيا فقط، بل يعمل على إعادة تدوير خططها للسيطرة على الشمال ألأفريقى، ولكن بخريطة جديدة، تدخل فيها هذه المرة الجزائر، خاصة فى ظل حالة السيولة وسقوط نظام عبدالعزيز بوتفليقة، ما يهدد بتداعى نظام الحكم القائم على المؤسسة العسكرية الجزائرية. ويمهد الطريق إلى صعود الإسلاميين للحكم، فى أى انتخابات برلمانية مقبلة. ويتضح ذلك فى محاولة استمرار التصعيد فى الشارع الجزائرى حتى بعد انتخاب الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون، ومحاولة الاستفادة من عدم استقرار الأوضاع، للعمل على وجود الإسلاميين فى الحكم فى الانتخابات التشريعية.

ومن هنا نجد أن إحداث عملية تغيير فى الخريطة السياسية فى دول الشمال الإفريقى والتى تجمدت مع ثورة 30 يونيو، تعد من الخطط المهمة للتحرك التركى فى البلدان العربية، عبر بوابة ليبيا، خاصة بعد فقدانها التأثير فى سوريا لصالح روسيا، وسقوط نظام عمر البشير المتحالف معها فى السودان. ومن هنا بدأت محاولات تركيا لمحاولة تعويض ذلك بمحاولة مد نفوذها فى الشمال الإفريقى، والعمل على إحياء خططها سواء بالتدخل العسكرى المباشر أو اللعب بورقة الإخوان والإسلاميين مرة أخرى ، سواء فى تونس والجزائر أو محاولة دفعهم للواجهة فى ليبيا، بعد خسائرهم أما الجيش الوطنى.