د. نصار عبدالله يكتب: إنها... لوبيا يا سادة

مقالات الرأي



عندما يراقب المرء ما يحدث الآن فى ليبيا الشقيقة، فقد يجد نفسه مدفوعا إلى أن يتذكر الاسم القديم للدولة الليبية الذى ما زال موجودا إلى الآن فى بعض الأطالس والخرائط الجغرافية، والذى ربما نسيه الكثيرون من المتابعين، أو لعلهم لا يعرفونه أصلا.. إنه: «لوبيا» الذى ارتبط بالكثير من الأمجاد فى هذه البقعة العزيزة من الأرض العربية.. ولمن قد يستغربون الاسم أو من قد يعتبرونه «مزاحا» من الكاتب.. نحيلهم إلى أحد القواميس الجغرافية القديمة ألا وهو قاموس أحمد زكى باشا الذى طبعت طبعته الأولى فى مطبعة بولاق عام 1317هـ الموافق 1899م حيث ورد فى ذلك القاموس أن الصحراء اللوبية هى صحراء تفصل بين ديار مصر وإيالة طرابلس الغرب وتسمى عند الافرنج (Lybie) وصحة اسمها بالعربية لوبيا كما وردت فى الكتب الجغرافية العربية وكما وردت كذلك فى كتاب: «طبقات الأطباء» لابن أبى أصيبعة وغيره لا بالياء كما نقله المترجمون مراعاة للفظ الفرنساويين بهاـ مع أن الصواب فى تعريب حرف الياء اليوناية Υ هو الواو كما هو فى أصل اللغة اليونانية.. انتهى كلام أحمد زكى باشا الذى لم يكن يعلم أن ذلك البلد سوف يكون فى يوم من الأيام اللاحقة مطمعا للكثير من البلاد الأجنبية وآخرها حاليا تركيا فى عصر الرئيس الثانى عشر من رؤسائها: رجب طيب أردوغان الذى تقوم سياسته على محاولة إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية التى تمكنت من الاستيلاء على ليبيا وضمها إليها فى عام 1551 وظلت تحكمها إلى عام 1711 حين تمكن ضابط ليبى وطنى شاب هو أحمد القرمانلى من القيام بثورة ناجحة أطاحت بالوالى العثمانى وألهبت مشاعر جماهير الشعب الليبى التى كانت تهتف فى الشوارع «القرمانلى هزم العثمانلى» مما أرغم السلطان العثمانى على إحناء رأسه للعاصفة والاعتراف بالأمر الواقع وتعيين القرمانلى نفسه واليا على ليبيا بعد منحه الباشوية، وكان هذا الإجراء من جانبه هو خير حفظ لماء وجهه، فهو يجعله ظاهريا على الأقل ما زال صاحب السيادة على «لوبيا»، وما زال هو القادر على العزل والتعيين وهو ما زال صاحب الحق فى المنع والمنح (على الأقل منح الباشوية التى لا تكلفه شيئا سوى قطعة من الورق يسطر عليها قرارا يعرف بالفرمان) وقد أسس القرمانلى أسرة حاكمة فى لوبيا تعرف بالقرمانلية ظلت تحكم البلاد حتى عام 1835 (يذكرنا هذا الوضع بوضع شديد القرب والتشابه حدث فى مصر.. الجارة الشرقية لليبيا حين أرغم الشعب المصرى السلطان العثمانى على عزل الوالى خسرو باشا وتعيين محمد على واليا لمصر بدلا منه، بعد أن منحه طبعا لقب الباشا فى عام 1805، وقد قام الأخير بتأسيس أسرة حاكمة فى مصر عرفت بالأسرة العلوية التى ظلت تحكم البلاد إلى أن أطاحت بها ثورة 23يوليو 1952) ونعود الآن إلى الأسرة القرمانلية فى ليبيا أو فى لوبيا إن شئنا الدقة، فقد كان من أبرز حكامها يوسف باشا الذى قام بتأكيد السيطرة الليبية (أو اللوبية) على مياه البحر المتوسط، وقام بفرض رسوم مرور على جميع السفن الأوروبية والأمريكية التى تبحر فى نطاق المياه الإقليمية الليبية من هذا البحر، وفى عام 1803 قرر يوسف باشا زيادة رسوم المرور على السفن الأمريكية، لكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت الانصياع لهذه الزيادة مما جعل القوات البحرية الليبية تقوم بالاستيلاء على إحدى السفن الأمريكية جاعلة منها رهينة لضمان سداد الرسوم، وجن جنون الولايات المتحدة وأعلنت الحرب على ليبيا وقامت قواتها البحرية بمحاصرة ميناء طرابلس وقصفه بالقنابل لكن ليبيا صمدت للحصار، وخاضت قواتها البحرية معارك ضارية أسفرت فى النهاية عن أسر السفينة «فيلادلفيا» إحدى أكبر السفن الحربية الأمريكية بكل من عليها من ضباط وجنود، وهو ما جعل الحكومة الأمريكية ترضخ للمطالب الليبية، حيث قام الرئيس الأمريكى جيفرسون بالاتفاق مع يوسف باشا على أن تقوم الحكومة الأمريكية بدفع ستين ألف دولار لإطلاق سراح السفينة والرهائن، وقد طبعت هذه الحرب آثارها على الوجدان الأمريكى وتركت آثارا ما زالت باقية إلى الآن، ويكفى أن نذكر هنا أن نشيد مشاة البحرية الأمريكية ينطوى على ذكر طرابلس، كما أن إحدى القطع البحرية الأمريكية تسمى طرابلس، ربما ما يزال للحديث بقية