أحلام سورية بسماء لندن.. حكاية أول لاجئة تقود طائرة خاصة في بريطانيا

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


في اللحظة التي تحركت فيها "مايا غزال" من سوريا متجهة صوب إنجلترا، قررت ألا تسلم نفسها لحالة الانعزالية والغربة التي تفرض نفسها على حياة الكثير من اللاجئين في العالم، حيث غادرت دمشق وقلبها مفعم بالأمل والأحلام التي لم تحب أن تحُل الظروف بينها وبين الوصول إليها، فنجحت في تحقيق جزء منها عندما صعدت في أحد الصباحات إلى كبينة القيادة بطائرة صغيرة في مطار غرب لندن، كي تكون أول لاجئة سورية تقوم برحلة فردية كطيار متدرب وهي لم تتجاوز الـ20 من عمرها "كنت خائفة ومتوترة لكني كنت مدفوعة بالحماس"، حسبما تقول مايا.





خلال سني عمرها الأولى في دمشق، كانت الشابة السورية ترادوها أحلام أن تصبح دبلوماسية، لكن مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011 لم يعد كل شيء ممكنًا، لأن حيوات الأسرة نفسها كانت قاب قوسين من الموت تحت القصف المتواصل على المنازل والمدن، تعود مايا بالذاكرة إلى الوراء، وتحكي كيف زايلها شبح الموت في أحد الأيام، عندما وقع صاروخ على بعد خطوات منها. كانت في حيرة من أمرها، هل تكمل المسير أم تعاود أدراجها سريعًا إلى البيت، لكن ما تتذكره جيدًا أنها ضجت بالسياسة ولم تعد لها رغبة في حلمها القديم.



 عام 2015 وصل الوالد إلى بريطانيا، ثم لحقت به العائلة تباعًا في إطار برنامج لم الشمل، حينها انحسر الخوف وبدأ الأمان يخيم بظلالها الهادئة على الأسرة، وبدأت مايا تفكر في أحلام جديدة داخل البلد الجديد، لكن واجتها صعوبات في البداية بعدما رفضتها الكثير من المدارس، دفعها ذلك أن تجلس لأسابيع في البيت وسط أسئلة كثيرة؛ عمّا يمكن أن تفعله في الفترة المقبلة من حياتها، وكي تشغل نفسها بدأت في تعلم الجيتار.

 

لم يستمر هذا الحال طويلًا، ففي أحد الأيام كانت بالقرب من مطار هيثرو رفقة والدتها، بهرها منظر الطائرات وهي تقوم برحلات الإقلاع والعودة، حينها خطر لها أن تأخذ طريقًا مغايرًا وجديدًا "قررت الالتحاق بهندسة الطيران والتدرب كي أكون قبطان طائرة للرحلات التجارية".



الرحلة الفردية التي قامت بها صاحبة الـ20 عامًا، كانت خطوة من جانبها لأجل الحصول على رخصة الطيران، حيث يتولى المدرب وحده مسؤولية إعطاء الضوء الأخضر للمتدرب في الإقلاع "ولا يسمح لأحد بالطيران قبل أن يكون جاهزًا"، تقول مايا قبل أن تضيف أن الرحلة محفوفة بالمخاطر لأن الطائرة تكون على ارتفاع مئات الأقدام، ومما يزيد من صعوبتها أن المتدرب يكون وحده بلا أحد في مقعد الطيار المساعد، لتفادي المشاكل في حال توترت الأعصاب.



بدأت الرحلة القصيرة التي قامت بها مايا، عندما انطلقت بالطائرة على المدرج، لتصعد بعد لحظات في الجو وتلف بها لفة كبيرة ثم هبطت مرة أخرى "لا يوجد شيء يسيطر عليك سوى المجال الجوي، كنت مسيطرة على الطائرة ولم يكن لدي أي حدود"، تعتبر مايا أن ما قامت به كان بمثابة هدف أرادت طوال الوقت تحقيقه، ورغم الإحباط والخوف الذي كان يلازمها طوال الوقت، لكنها كانت تؤمن في داخلها أن الوحشة تزول بالتكرار والاعتياد والتصميم على المضي قدمًا دون تراجع "كنت واثقة أني قادرة على فعل ذلك"، لكنها عبرت الموقف بسلام، وكان أكبر الداعمين لها والدتها التي لم تلتقط أنفاسها طوال مدة تحلق ابنتها بالطائرة منفردة.



تسعى السورية دائمًا أن تشارك قصتها في المحافل التي تقيمها مفوضية شئون اللاجئين، لذا سعت إلى التطوير من نفسها كمتحدثة عامة، فانخذبت إليها الأنظار في الفترة الأخيرة، وحصلت على جائزة إرث "الأميرة ديانا"، وأصبحت محط اهتمام الجمهور في بريطانيا، فيما ترتكز رسالتها التي تريد إيصالها لكل اللاجئين في العالم؛ أنه رغم كل ما مررنا به فإن الأمور حتمًا ستتحسن.