مي سمير تكتب: الممنوع من النشر في الصحافة العالمية في 2019

مقالات الرأي



25 قضية فساد أمريكية وأوروبية لم تنشرها الصحف

قانون سرى يسمح لأجهزة الأمن الأمريكية بمراقبة الصحفيين دون إذن قضائي

«فيس بوك» أداة سياسية أمريكية.. و«البنتاجون» يخترق «السوشيال ميديا» للتنبؤ بالانتفاضات

وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية ترفض فضح الاعتداءات على أطفال المهاجرين بالملاجئ


الانطباع السائد عن الولايات المتحدة وأوروبا أنها الجنة التى يتمنى الصحفيون الحياة فيها، ليتمتعوا بالحصول على المعلومات وكشف القضايا الحساسة والخطيرة وملفات الفساد وتقديمها للقراء، ولكن الواقع مختلف تماماً ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية نفسها التى تصف بقية دول العالم بالتضييق على حرية تداول المعلومات تحرم مواطنيها من معلومات شديدة الحساسية.

كما تمارس الحكومات فى أمريكيا وأوروبا رقابة صارمة ومخيفة على الصحفيين وبموجب قانون سرى تم الكشف عنه بعد معاناة شديدة ويتضمن حق أجهزة الأمن الأمريكية فى مراقبة الصحفيين دون الحاجة لاستصدار أمر قضائى، ما يشير لاحتمالات وجود قوانين أخرى مقيدة لحرية تداول المعلومات تستخدمها أجهزة الأمن فى دفن الحقيقة وحرمان المواطنين الأمريكيين والأوربيين من المعلومات.

الكارثة الحقيقية أن وسائل الإعلام العالمية وهى بالأساس أمريكية وأوروبية تسيطر على الغالبية العظمى من العالم وتحظى بمصداقية وتأثير كبيرين تتجاهل متعمدة قضايا شديدة الحساسية والخطورة وتشارك فى نفس الجريمة التى تمارسها الحكومات الليبرالية، وبحماس غريب تتصدى لانتقاد دول أخرى بسبب المعوقات التى تواجه صحفييها أثناء العمل.

تفاصيل الموضوعات التى تجاهلتها الميديا الغربية حساسة وخطيرة ولا يمكن تصور أن تتم مواجهتها بالصمت، لولا بعض المنظمات غير الحكومية التى يمكن اعتبارها ضميراً للعالم قادرا على كشف الزيف الذى تصطنعه وسائل الإعلام فى أمريكا وأوروبا، مثل منظمة «مشروع الرقابة»، وهى منظمة مدنية تعمل على مراقبة وسائل الإعلام، والتى تحرص فى نهاية كل عام على نشر تقرير سنوى يتضمن أهم القصص التى تجاهلتها وسائل الإعلام الأمريكية، ولكن التقرير نفسه لا يجد من ينشره على سكان العالم لأنه يدين أكبر وسائل الإعلام، لكنه يلقى اهتماماً من وسائل الإعلام المستقلة وهى ضعيفة التأثير أى أن النشر فى النهاية غير مؤثر.

نشرت المنظمة هذا العام تقريرها الذى حمل عنوان «الرؤية من خلال النظارة الزجاجية» وتضمن ما يقرب من 25 قصة إخبارية تجاهلتها وسائل الإعلام الغربية أو تمت ممارسة شكل من أشكال الرقابة على تفاصيلها، يكشف زيف التباهى الغربى بحرية الإعلام لديه وحمايته للحق فى التعبير والوصول إلى المعلومات، إذ إنه ينسى فى نفس الوقت أن يعترف بأن كثيرا من القصص تخضع للرقابة ولا يتم كشف تفاصيلها للجمهور.

تتضمن السطور التالية أهم الموضوعات التى خضعت لمقص الرقيب الغربى والتى تم إخفاؤها عن الجمهور فى عام 2019.

1- قانون أمريكى سرى يسمح بمراقبة الصحفيين

وفقاً لمذكرتين صادرتين من مكتب المدعى العام، إريك هولدير، فى عام 2015 تستطيع الحكومة الفيدرالية فى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل سرى مراقبة الصحفيين، وفقاً لقانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، والذى يعرف بشكل مختصر باسم فيسا ويسمح بعمليات تجسس ورقابة واسعة النطاق، دون الحصول على إذن قضائى.

وتم الحصول على هذه المذكرات من قبل معهد فارس فى جامعة كولومبيا ومؤسسة حرية الصحافة، خلال قضية متعلقة بحرية المعلومات، أبلغ عنها موقع إنترسيبت الشهير.

وتجاهلت وسائل الإعلام الأمريكية هذه القضية ولم يتم تناولها بالشكل الذى يتناسب مع أهميتها إذ يشكل هذا النص القانونى تهديداً واضحاً وصريحاً لحرية الإعلام.

هذه القاعدة السرية تطبق على المؤسسات الإعلامية أو الصحفيين الذين تعتقد الوكالات الأمنية الأمريكية أنهم يعملون لصالح دول أجنبية أو يقومون بنقل المعلومات الاستخباراتية.

تثير هذه الحقائق مجموعة من الأسئلة الملحة التى تلقى بظلال من الشك حول مدى الحرية التى تتمتع بها وسائل الإعلام فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هذه الأسئلة، كم عدد المرات التى شهدت تطبيق مثل هذا النص؟ ولماذا حرصت وزارة العدل الأمريكية على الحفاظ على سرية هذا القانون؟ وأخيراً، لماذا يسمح لمثل هذا القانون مع قواعد المباحث الفيدرالية التى تستخدم خطابات الأمن القومى لمراقبة الصحفيين، بتجاهل مبادئ العمل الإعلامى الحر؟.

2- «فيس بوك» أحد أدوات السياسة الخارجية الأمريكية

تحت مسمى «محاربة الأخبار الكاذبة» لحماية الديمقراطية الأمريكية من التأثير الخارجى، أسس موقع فيس بوك شراكة مع 3 من المراكز البحثية التى تعمل على تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وأسفرت هذه الشراكة غير المعلنة بشكل صريح، عن زيادة تحيز منصة وسائل التواصل الاجتماعى ضد التيارات اليسارية أو الأصوات التقدمية أو أى توجه يتعارض مع أجندة الولايات المتحدة الخارجية.

حسب تقرير «مشروع الرقابة»، عندما تناولت وسائل الإعلام الغربية هذه الشراكة بين «فيس بوك» وهذه المراكز البحثة، تجاهلت الإشارة إلى دور هذه المراكز فى دعم السياسات الأمريكية والغربية.

وعلى سبيل المثال، أعلن «فيس بوك» عن شراكة مع المجلس الأطلسى، الذى يعد مركزاً بحثياً تحت رعاية حلف الناتو، من أجل مراقبة المعلومات المضللة والتدخل الخارجى.

ويقول آدم جونسون من منظمة متابعة الأداء الإعلامى: «تم تأسيس المجلس الأطلسى من قبل وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاجون إلى جانب حلف الناتو، العديد من القوى الأجنبية، والشركات الغربية بما فى ذلك شركات الأسلحة والبترول».

وحسب التقرير، فإن وسائل الإعلام الغربية التى تطرقت لمثل هذه الشراكة لم تشر على الإطلاق إلى تضارب المصالح الواضح بين الجهة المؤسسة «حلف الناتو» وبين الدور الذى يلعبه فى مراقبة الأخبار.

كما أعلن «فيس بوك» أيضاً عن شراكة مع اثنين من المنظمات الحكومية الدعائية الأمريكية الذى تم تأسيسها فى مرحلة الحرب الباردة، الأولى هى المعهد الوطنى الديمقراطى، والثانية المعهد الجمهورى الدولى.

3- أمريكا تطلق 120 مليار طن من الملوثات

بعد 3 أشهر من تحذير اللجنة الدولية بالأمم المتحدة من التغيرات المناخية والتى أشارت إلى أن العالم أمامه فقط 12 عاما قبل مواجهة كارثة مناخية كبيرة، أصدرت منظمة «تغيير البترول الدولية» تقريراً تجاهلته وسائل الإعلام الأمريكية على نطاق واسع، خصوصاً أن التقرير يكشف أن الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة فى إطلاق الملوثات وبنسبة ضخمة.

وحذر التقرير، الذى حمل عنوان «التنقيب تجاه كارثة»، من أن عدم الحد من انبعاثات الكربون قد يسفر عن كارثة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد الرئيس دونالد ترامب، قامت بزيادة دراماتيكية فى حجم إنتاجها من الطاقة على نحو الذى يجعل أمريكا مسئولة عن 60 % من انبعاثات الكربون فى العالم بحلول عام 2030، ورغم خطورة هذه المعلومة إلا أن وسائل الإعلام العالمية لم تتناول التقرير الذى ظهر من خلال المنصات الإعلامية المستقلة محدودة التأثير.

4- العبودية الجديدة فى أمريكا والعالم

هناك ما يقرب من 409 آلاف شخص فى الولايات المتحدة الأمريكية يعيشون فى ظروف يمكن وصفها بالعبودية الحديثة، وفقا لمؤشر العبودية الدولية فى عام 2018، وتعرف «العبودية الحديثة» على نطاق واسع بأنها تشمل العمل القسرى والزواج القسرى.

وتم اكتشاف أعلى مستويات العبودية الحديثة فى كوريا الشمالية، حيث يوجد نحو 2.6 مليون شخص يمثلون 10٪ من السكان كضحايا للرق المعاصر.

ويتم إنتاج مؤشر العبودية الدولية بواسطة مؤسسة «Walk Free» ووصف مؤسسها، أندرو فورست، الرقم الأمريكى بأنه «صادم ولا يمكن تحقيقه إلا من خلال التسامح مع الاستغلال».

وحسب جريدة الجارديان، فإن منهجية «Walk Free» تشمل استنتاجات قائمة على استخدام المسوحات الوطنية، وقواعد بيانات المعلومات الخاصة بأولئك الذين تم مساعدتهم فى قضايا الاتجار بالبشر، وتقارير من وكالات أخرى مثل منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة.

ولاحظ مؤشر العبودية الدولية أن العمل القسرى حدث فى العديد من الظروف داخل الولايات المتحدة، بما فى ذلك مجال الزراعة، وكشفت القضايا القانونية الأخيرة ضد الشركات الخاصة التى تدير عددا من السجون الأمريكية عن الاستغلال الذى يتعرض له السجناء مثل فرض العمل الإلزامى عليهم، وساهمت سياسات الهجرة التقييدية الجديدة فى زيادة تعرض الأشخاص غير المسجلين والمهاجرين للرق الحديث.

وبالنسبة لوسائل الإعلام الغربية، فإن العبودية الحديثة داخل دول العالم المتقدمة لا تستحق الانتباه.

5- إدانة ضحايا التحرش والاغتصاب وتجارة الجنس

فى 7 يناير الماضى، أصدر حاكم ولاية تينيسى فى ذلك الوقت، بيل هاسلام، أمراً بالعفو عن سينتويا براون، - كان عمرها 16 عاماً وقتئذ- والتى عوقبت بالسجن مدى الحياة لإدانتها بقتل رجل اشتراها بهدف إجبارها على إقامة علاقة عاطفية معه واغتصابها.

ولم تكن قضية براون فريدة من نوعها، إذ قالت ماريام كابا التى أسست منظمة «بقيت على قيد الحياة ولكنها عوقبت»: «هناك الآلاف من الفتيات مثل سينتويا براونز فى السجن. ويجب أن ننتبه حقاً إلى حقيقة أننا يجب أن نقاتل من أجل أن يكون كل هؤلاء أحرار.. وعندما تنظر إلى سجون النساء، فإن الغالبية الساحقة، التى تصل نسبتهم إلى 90 % لديهم تاريخ من العنف الجنسى والجسدى قبل أن ينتهى بهم المطاف فى نهاية الأمر بالسجن».

واهتمت وسائل الإعلام بتغطية قضية سينتويا لكن دون الإشارة أن هذه القضية تمثل ظاهرة كبيرة تستحق التوقف أمامها بما فى ذلك كبرى الصحف الأمريكية والأوروبية.

6- اغتصاب الأطفال المهاجرين فى الملاجئ

على مدى الأشهر الـ6 الماضية، جمعت منظمة «ProPublica» مئات من تقارير الشرطة التى تضمنت تفاصيل مزاعم الاعتداءات الجنسية فى ملاجئ الأطفال المهاجرين، وحسب المنظمة تلقت هذه الملاجئ 4.5 مليار دولار لنفقات الإسكان والخدمات الأخرى ورغم ذلك، يتصرف الموظفون وغيرهم من المقيمين فى بعض الأحيان «كحيوانات مفترسة».

وتشير المنظمة إلى أن التقارير أظهرت أن الشرطة كانت حريصة على سرعة إغلاق التحقيقات، فى كثير من الأحيان فى غضون أيام أو حتى ساعات.

وفى أحد التحقيقات المتعلقة بتعرض طفل صغير للضرب والإهانة داخل أحد هذه الملاجئ، استمر التحقيق لمدة 72 دقيقة قبل إغلاقه دون توجيه أى اتهامات.

ورغم اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى بالهجوم على سياسة الهجرة التى تبناها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلا أن هذه المنصات الإعلامية، نادراً ما تتحدث عما يحدث داخل ملاجئ المهاجرين، ويمكن العثور على هذه التفاصيل على المواقع الإخبارية المستقلة فقط.

7- قانون أمريكى سرى يسمح بمراقبة الصحفيين

شركات الأدوية الكبرى تتجاهل احتياجات البلدان النامية

وفقا لتقرير مؤسسة «Access to Medicine»، صرحت جوليا كولوى لصحيفة الجارديان: «فشلت أكبر شركات الأدوية فى العالم فى تطوير 66 % من الأدوية من أصل 139 دواء تحتاج إليهم البلدان النامية بشكل طارئ».

كما أشار التقرير إلى أن معظم شركات الأدوية العالمية الكبرى ركزت على الأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة البشرية «الإيدز» والملاريا والسل، لكنها فشلت فى التركيز على الأمراض الخطيرة الأخرى.

وفى محاولة لتعبئة المستثمرين للضغط على شركات الأدوية لإتاحة مزيد من الأدوية للدول النامية، قدمت المؤسسة نتائج تقاريرها إلى 81 مستثمراً عالمياً فى أحداث مختلفة فى لندن ونيويورك وطوكيو، واعتبارا من إبريل 2019، تعهد 90 من كبار المستثمرين بدعم الأبحاث التى تدعم احتياجات الدول النامية.

ورغم خطورة القضية التى تشبه عملية قتل ممنهجة لملايين البشر إلى التسبب فى تدهور صحتهم إلا أن وسائل الإعلام الغربية تجاهلت القضية بشكل كامل باستثناء تقرير صغير على وكالة الأنباء رويترز.

8- «البنتاجون» يفحص «السوشيال ميديا» للتنبؤ بالثورات

قامت حكومة الولايات المتحدة بتسريع جهودها الرامية إلى مراقبة وسائل التواصل الاجتماعى لاستباق الاحتجاجات الكبرى المناهضة للحكومة فى الولايات المتحدة، هذا ما كتبه نافيز أحمد لصحيفة «ماذربورد» فى أكتوبر 2018، معتمداً على تقرير بشأن البحث العلمى والوثائق الحكومية الرسمية وبراءات الاختراع.

وأضاف نافيز أحمد: «على وجه التحديد تشكل مواقع التواصل الاجتماعى للمواطنين الأمريكيين الذين لا يحبون الرئيس دونالد ترامب، محور آخر الأبحاث التى يمولها الجيش الأمريكى، وبدورها تعد هذه الأبحاث جزءاً من جهد أوسع من جانب إدارة ترامب لتعزيز دور الجيش الأمريكى وتأثيره على الاستخبارات الداخلية».

وعبر برنامج معروف باسم «Embers»، تولى البنتاجون فى وقت سابق تمويل أبحاث تحليل البيانات الضخمة المتعلقة بـ«التنبؤ بالسلوك السكانى الجماعى»، وتحديد إمكانية اندلاع الصراع والإرهاب والاضطرابات المدنية، خاصة فى أعقاب الربيع العربى.

وأشار نافيز أحمد إلى أن هذا الاهتمام بتحليل البيانات لم يكن قاصراً على الخارج فقط، ولفت الانتباه إلى دراسة يدعمها الجيش الأمريكى حول الاضطرابات المدنية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بعنوان «هيكل الشبكة الاجتماعية كمتنبئ للسلوك الاجتماعى: حالة الاحتجاج فى الولايات المتحدة عام 2016 الانتخابات الرئاسية».

وتجاهلت وسائل الإعلام الأمريكية هذه الأبحاث التى تتولى وزارة الدفاع الأمريكية الإشراف عليها، والدور المتزايد للجيش الأمريكى فى مراقبة المنصات الاجتماعية سواء خارج أو داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن ضمن القصص الأخرى التى تجاهلت وسائل الإعلام الكبرى فى الغرب تناولها بالشكل الكافى، معسكرات التدريب العسكرى التى حضرها المتطرفون اليمينيون الأمريكان فى أوكرانيا، واستغلال موقع جوجل لبيانات المستخدمين لصالح الشركات الاستثمارية، وكيف تؤثر شبكات الجيل الخامس على الصحة الإنسانية، ومراقبة المباحث الفيدرالية للنشطاء السياسيين فى الولايات المتحدة.