"فخورون بما فعلنا".. كواليس أول رحلة غطس لسيدة إنجليزية على كرسٍ متحرك مع غواص مصري

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


شاء القدر أن تُسلب البريطانية "سو أوستن" قدرتها على التنقل وأن تصل حركتها بالعالم عبر كرس متحرك، لكنها لم ترفع الراية والبيضاء وتستسلم لظروف مرضها الصعبة، فسرعان ما قررت أن تعود إلى رياضتها الأحب إلى قلبها، في التواجد بين أسماك البحر بألوانها الزاهية تحت سطح الماء. كان الباعث على ذلك، هو رغبتها الأكيدة في عمل شيء فريد من نوعه تثبت من خلاله قدرتها على الاستمرار في الحياة، بفعل الأشياء ذاتها، حتى لو اضطرت أن تكرر فعلها فوق الكرسي المتحرك.






يعتبر تامر سالمان؛ الغطاس المشرف على الرحلة، نفسه محظوظًا لأسباب كثيرة، أهمها ان السيدة أوستن قبل أن تصاب بالإعاقة، كانت غطاسة على خبرة كبيرة بقواعد وتقنيات الغوص، الأمر الذي جعله يتجاوز معوقات كثيرة، كما أنها قبل أن تصدر قرارها النهائي بتنفيذ تجربتها في منطقة رأس محمد بشرم الشيخ، أجرت محاولات عدة في بحيرات أجنبية، استطاعت من خلالها أن تستقطب انتباه العديد من المنظمات والمراكز المشرفة على مثل هذه النوعية من رحلات الغطس "المكان اختارني إني أرافق السيدة أوستن"، والسبب أن سالمان يتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع حالات الإعاقة.






كانت فكرة أوستن أن تقوم برحلة غطس لأطول نقطة ممكنة، يقوم خلالها فريق تصوير على أعلى مستوى من الاحترافية بتوثيق تفاصيل الرحلة، والتي وصلت إلى عمق 24 مترًا تحت الماء، لذا استغرق التحضير أكثر من سنة ونصف، جازف الجميع خلالها بالمحاولة، لكن الجلسات بين تامر وأوستن كانت تمتد لساعات للتعرف على أبعاد وتفاصيل الرحلة، ومحاولة التوصل إلى نقاط مشتركة تتعلق بعوامل الأمن والسلامة التي حرص الغواص المصري أن تكون على رأس الأولويات "لأن الموضوع كان منه رحلة غوص ومنه تصوير فيلم سينمائي"، كذلك تهيئة الكرسي المتحرك كي يلائم درجة حرارة الماء.






تختلف هذه الرحلة بالنسبة لـ"تامر" عن رحلات الغوص العادية التي يقوم بها بشكل يومي، ليس لأن السيدة التي يرافقها مصابة بإعاقة الحركة، لكن لأن الهدف الأساسي من الرحلة لم يكن من أجل التسلية والمتعة بل كان الأمر أشبه برحلة تصوير في أكثر من وضعية مختلفة، فيما لم يكن يحملها على ظهره طوال الوقت، بل كان تحركه معها وفق ما تقتضيه الحاجة في التنقل من موضع تصوير إلى آخر، فالكرسي كان يتمتع بمواتير محركة ذات حجم صغير "فكنت بشيلها بالكرسي أغلب الوقت علشان نوفر جهد الموتور"، الأمر الذي ضاعف من حجم التعب والجهد المبذول، ونتج عنه إصابات بالغة في كف القدم، بجانب تمزقات في الأربطة "دا نتيجة الجد البدني اللي كنت بتحدى فيه نفسي"، لكن هذا الألم سرعان ما يتلاشى أمام دموع الفرح التي كان يراها تترقرق في عين السيدة الإنجليزية.






حام حول عمق الغطسة التي وصلت إليها السيدة أوستن العديد من الأسئلة المستهجنة، وحيث اتهمت بعضها الغواص المصري بأنه رحلته بمثابة شروع في القتل لأنه خاطر بحياتها، ووضعها على مقربة يسيرة من الموت المتعمد، لكنه يقول إنهم أخذوا موافقة العديد من المنظمات الدولية قبل الشروع في الرحلة، وإن أوستن في الأساس قبل أن تُصاب بإعاقة الحركة كانت تتقن رياضة الغوص، ومعها رخصة بعدد غطسات لم تتأتى للأصحاء أصحاب الحركة الطبيعية "معاها رخصة بأكتر من 350 غطسة قبل الإعاقة و250 بعد الإعاقة"، بالإضافة إلى إلمامها بتقنيات 5 تخصصات في الغوص منهم الغطس العميق "هي غطاسة محترفة الفكرة بس إنها مش بتحرك رجلها".






على مدار اليوم كان سالمان وفريقه؛ المكون من 9 أشخاص على قدر كبير من الاحترافية وموزعين في أماكن متفرقة من مكان التصوير، للتدخل عند الضرورة. كان يتحقق لهم توثيق ما يقرب من 3 غطسات، كانت الواحدة تستلزم منهم البقاء تحت الماء لساعات طويلة، وبمجرد أن يعودوا إلى المركب ليلتقطوا أنفاسهم، كانت السيدة أوستن تنادي عليه، وتهمس له "ما كناش هنقدر نعملها، لكن علشان اتحدنا عملناها، وإحنا فخورين بدا"، كان سالمان يعتبر الكلمات على بساطتها مكافئة له على التعب الكبير الذي يبذله هو وفريقه.






بدأت رحلة مع الغوص عندما تخرج من كلية التربية الرياضية، تخصص ألعاب قوى وجمباز، وإلى جانب ذلك أحب السباحة فدرسها، وحصل على العديد من شهادات الإنقاذ من الاتحاد الدولي للإنقاذ، وعمل مدربًا للسباحة لفترة كبيرة في القاهرة إلى أن اضطرته ظروف الأسرة بعد وفاة والده، أن يتجه إلى شرم الشيخ ويعمل فترة بالمبيعات، حتى يتحقق له أخذ كورسات في الغطس مع مدربين أجانب، كان الكورس الذي يمكن أن يؤخذ في شهر واحد فقط، كان يتلقاه في 5 أشهر كي يكون لديه القدرة على التعلم بشكل أفضل كنت بمشي وراء الغطاسين زي ابنهم الصغير".






كانت الكوميديا حاضرة بشكل كبير أثناء الرحلة، حيث كان تامر يحب أن يلاطف السيدة أوستن ويجذب إليهم انتباه الناس من حولهم، فيتفق معها أنه سيقول لها بصوت زاعق "أنا قلت لك ما نعملش الموضوع دال أنه خطر عليك"، في نفس اللحظة وعلى طريقة فيلم أسبرطة يركل الكرسي بكل قوته دافعًا به في الماء، في نفس الوقت يكون الفريق مستعدًا لاستقبالها كي يضبطوا أجنحة الكرسي ويحكموا الأحزمة حول جسدها، فيتحول غضب المتفرجين وسخطهم إلى ضحك وفرح، ويقول إنه لاحقًا سيفتقد إلى هذه الأجواء المبهجة التي كانت محل فخر وانبهار الجميع.