مي سمير تكتب: احذروا.. "فى بيوتكم مدمن محتمل"

مقالات الرأي



الفجر تفتح ملف الإدمان (2)

الطفل الشقى طريقه ممهد إلى الإدمان إذا لم يتحول سلوكه إلى إيجابي

سن المراهقة والبلوغ تربة خصبة لتحويل الشاب إلى متعاطٍ

الأشخاص الذين لا يخشون الخطر والمجازفة أكبر عرضة للإدمان عن غيرهم

حيرت حالات الإدمان المختلفة العلماء والباحثين، الذين لم يكفوا عن مطاردة الدوافع، ومعرفة سبب وربما سر لجوء المدمن إلى البحث عن مكافأة ترضى العقل - أو تغيبه - وتسعد النفس، حاولوا حل اللغز وفك الطلسم الذى يهدد مئات الملايين من الأسر حول العالم.

وأمام خطورة الموقف.. انقسمت الآراء بين أكثر من تيار، أحدهما مؤيد لكون الميل إلى الإدمان نتيجة لعوامل وراثية، أما الفريق الآخر فقد ذهب للميل إلى أن حالة الإدمان تنتج لعوامل بيئية.. وظل كل طرف يدافع عما توصل إليه.. إلى أن وصل الفريقان إلى تسوية واضحة وربما عادلة.. باعترافهما أن كلا منهما صحيح ودقيق.. وأن أسباب الإدمان لا تخرج عن العوامل الوراثية والتأثيرات البيئية معا.. وإن كانت تلك العوامل تختلف من شخص إلى آخر، وفقا لاستعداده.

وقطعا للشك باليقين أجرى الباحثون فى المجلة الأمريكية للأمراض النفسية دراسة كبيرة فى عام 1999 عن التوائم المتطابقة وغير المتطابقة، ورغم أن التوائم المتطابقة تشترك فى نفس الحمض النووى، لكن تبين أن لكل منهما مخططه الوراثى الخاص به ولا يتشابهان فى هذا الصدد أكثر من أى شقيقين آخرين.

ووجدت الدراسة أن اضطرابات تعاطى الكحول تميل إلى الظهور بشكل أكثر شيوعا بين التوائم المتطابقة وأن ما بين 48 ٪ و 58٪ من خطر إصابة رجل باضطراب تعاطى الكحول، يعتمد على المتغيرات الوراثية، فى حين أن ما تبقى من خطر إصابته بالإدمان يرجع إلى عوامل بيئية، وعندما يتعلق الأمر بالمخدرات غير المشروعة من المحتمل أن تلعب الجينات دورا أكثر أهمية.

1- المراهقة.. بوابة الخطر

لكن.. هل هناك سن محددة يكون الشخص خلالها أكثر عرضة للإدمان عن غيره؟.

تقول «دانييل ديك»، باحثة فى مجال الإدمان وأستاذة فى أقسام علم النفس وعلم الوراثة البشرية والجزيئية فى جامعة «فرجينيا كومنولث» إن معظم الناس يبدأون فى استخدام المخدرات أو الكحوليات خلال فترة المراهقة والبلوغ».

كون أجزاء الدماغ خلال فترة المراهقة، لم تكن قد تطورت بشكل كامل يساعدهم على التفكير فى النتائج طويلة المدى لقراراتهم الحالية، علاوة على أن فترة المراهقة تشهد تطورا كبيرا فى نظام المكافآت والبحث عنها فى جرعة مخدرات أو كأس من الكحول.. ولم تنس «ديك» أن تؤكد على أن ثمة علاقة تتداخل بين المدمن وعلم الوراثة.

الحقائق التى ذكرتها «ديك» تعنى أن على الآباء والأمهات إدراك أن أدمغة أبنائهم مصممة فى تلك المرحلة العمرية إلى دفعهم للمخاطرة والتواجد فى بيئات تتوافر فيها المواد المخدرة أو الكحوليات.

وهنا بإمكاننا أن نستخلص من ذلك أن فترة المراهقة هى الأخطر فى عمر المدمن، لكن.. قد تؤدى هذه النتيجة لتساؤل آخر: هل هناك مؤشرات على ميل الشخص للمغامرة والمخاطرة وتحديده كمدمن محتمل قبل وصوله لمرحلة المراهقة؟.

وهنا توجه «ديك» نصيحة للآباء والأمهات مؤكدة أن الطفل الشقى الذى لا يتردد فى خوض المخاطر مثل تسلق الأشجار الطويلة، هو بالتأكيد طفل لا يخشى المخاطر ولا يتردد فى خوض التجارب الصعبة، لذا يكون أكثر عرضة للوقوع فى براثن الإدمان.. لكن فى المقابل نستطيع إنقاذه بتوجيه حب المخاطرة إلى مجالات إيجابية.. وممارسة الرقابة الأبوية وتقديم المشورة والتوعية بشأن مخاطر تجربة الكحول والمخدرات فى فترات لاحقة مثل فترة المراهقة.

لكن هل كل من يقبل على المخاطر والمجازفة يكون أكثر عرضة للإدمان؟.. قالت «ديك» إن رجال الأعمال يميلون إلى أن يكونوا أكثر مجازفة ويتمتعون بحب المخاطرة، وهذا يعنى أن هناك طرقاً لتوجيه هذه الأنواع من الدوافع نحو أنشطة بناءة فى سن مبكرة.

2- طريق الإدمان

فى مجلة «جاما» للطب النفسى، لم تتوقف الأبحاث للتفتيش عن الأسباب التى تؤدى للإدمان، وتوصل الباحثون إلى أن التأثيرات البيئية تلعب دورا أكبر من دور علم الوراثة عندما يتعلق الأمر بمخاطر إصابة شاب باضطراب تعاطى الكحول، فى فترة المراهقة، بينما تبدأ العوامل الوراثية فى الزيادة بمجرد وصول الشاب أو الفتاة إلى منتصف العشرينيات.

لكن «دانييل ديك»، ترى أنه من غير المألوف أن يلعب جين واحد دورا كبيرا فى خطر تحول الشخص إلى مدمن، غير أن الطريقة التى يستجيب بها جسم الشخص للكحول ليست سوى جزء صغير جدا من تأثير الجينات على الإدمان»، مؤكدة أن ثمة رابطا قويا بين الإدمان والحمض النووى لشخص ما، يتمثل فى طريقتين «مؤثرتين وراثيا» تؤثر على نطاق واسع فى كيفية قيام الدماغ البشرى بالتعامل مع المخاطرة والمكافأة والعاطفة.

أول هذه العناصر المسار «الخارجى»، ويتم استخدامه لوصف الأفراد الذين يشاركون فى سلوكيات مندفعة أو محفوفة بالمخاطر، وهم من ولدوا بأدمغة ساعية للحصول على الإحساس بالخطر والحصول على المكافأة، ولا يهتمون بالتفكير فى تصرفاتهم أو عواقب أفعالهم مثل الآخرين، لذا فمن المحتمل أن ينتهى الأمر بهم فى بيئات محفوفة بالمخاطر، كما أنهم أكثر عرضة لمحاولة استخدام المواد المخدرة وتطوير المشكلات. 

أما الطريقة أو العنصر الثانى فهو المسار «الداخلى» ويتعلق بالطريقة التى يتفاعل من خلالها الدماغ للتغلب على الخوف و العاطفة السلبية»، وتوصلت الأبحاث التى أجرتها جامعة نورث كارولينا إلى أن الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثى نحو الاستيعاب الداخلى (كتم الأمور والانفعالات وعدم البوح بها) يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق، ووجدت الدراسات أن المتغيرات الوراثية المحددة المرتبطة بالاستيعاب الداخلى تنبئ بأن الأفراد الذين لديهم استعداد وراثى للكتمان غالبا ما يستخدمون المواد المخدرة لمواجهة العواطف أو إدارتها». 

3- المكافأة

ومن «دانييل ديك» إلى «أربانا أغراوال»، باحث فى مجال الإدمان وأستاذ الطب النفسى فى كلية الطب بجامعة واشنطن فى سانت لويس لم يختلف تفسير الأمور بشكل كبير، فـ«أغراوال» يرى أن ثمة اختلافات تظهر فى هياكل الدماغ المتعلقة بالاستجابة المستمرة واتخاذ القرارات فى الأفراد الذين يتعرضون باستمرار لمواد مخدرة فى سن مبكرة.

مؤكدا إن فحوصات الدماغ للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الإدمان بالمقارنة مع غير المدمنين، كشفت أن دائرة المكافآت الخاصة بهم «تضىء» فقط عندما تتعرض إلى الصور المرتبطة بمضمون المشكلة أو سلوكهم.

علاوة على أنه لا يمكن إلقاء اللوم على نوع واحد من الجينات باعتباره مسئولا عن وقوع الإنسان فريسة الإدمان، فهناك آلاف المتغيرات التى تسهم فى القابلية الوراثية للإدمان، بحيث تعمل الجينات والمتغيرات الجينية فى تناسق، وليس فى عزلة، وتكون أشبه بـ«كرات البلياردو» التى تنطلق مع بعضها لإنتاج نمط معين.

4- حقيقة علمية

وفقا للمعهد الوطنى لإساءة استخدام الكحول وإدمانه، تبين أن جسم الإنسان يحول الكحول إلى مادة تسمى «الأسيتالديهيد» وهى «مادة شديدة السمية» يمكن أن تسبب أعراضاً قصيرة الأجل مثل إحمرار الجلد والغثيان، ويمكن على المدى الطويل أن تعزز تلف الكبد وسرطانه، ووفقا للدراسات فإن من يشعر بالغثيان عند تعاطى الكحول فى الغالب لن يتحول إلى مدمن كحوليات».

أبحاث كثيرة لمصادر وهيئات عدة، وخلاصة تجارب ونتائج على مر السنوات.. لكن هل نجحت المعلومات والحقائق العلمية فى مكافحة الإدمان أو على الأٌقل تقليل مخاطره قبل العلاج منه؟..

يوجد بالفعل أدوية متاحة لعلاج اضطرابات تعاطى الكحول، ويعمل أحدها (Antabuse) وهو من نوعية الأدوية التى إن تناولتها ومن ثم تعاطيت الكحول فإنها تشعرك على الفور بالمرض فتضطر للتوقف فورا عن تناول الكحول وربما تقليله تدريجيا قبل الإقلاع عنه تماما، وساعد هذا الدواء الكثير من الناس على الإقلاع عن تعاطى الكحول بصورة نهائية.

تقول «دانييل ديك»، الباحثة فى مجال الإدمان وأستاذة فى أقسام علم النفس وعلم الوراثة البشرية والجزيئية فى جامعة «فرجينيا كومنولث»: «أما بالنسبة لأولئك الذين ولدوا مع أدمغة تميل إلى الاعتماد على نظام المكافأة القوى للغاية، أعتقد أن لدينا القدرة على تطوير عقاقير لمساعدة هؤلاء الأفراد على العودة إلى مكان أكثر تنظيما».

وفيما يتعلق بمستقبل الوقاية من الإدمان، فإذا فهم الفرد مسئوليته المحددة، فيمكنه استخدام هذه المعلومات لتطوير إمكاناته وتجنب الوقوع فى براثن الإدمان، بعدما تبين أن علم الوراثة ليس مسئولا عن الإدمان.. فلا أحد يولد وفى جيناته الوراثية نبوءة بأنه سوف يصبح مدمنا.