لُقب بخادم الحرمين الشريفين.. هل كان سليم الأول فاتحًا أم غازيًا؟ (تقرير)

أخبار مصر

سليم الأول
سليم الأول


ما الذي حدث في مصر على يد سليم الأول؟ وهل ما حدث هو من أخلاق الفاتحين؟ أم من ما اعتدناه من تصرفات الغزاهة؟ أم بين ذلك وذاك؟ المصادر التاريخية تحمل الكثير.

وكشف شريف فوزي المنسق العام لشارع المعز لدين الله الفاطمي، لمحة من الثمانية أشهر التي قضاها سليم الأول في مصر قبل أن يعود إلى بلاده.

خادم الحرمين الشريفين
وقال "فوزي" في تصريحات لـ"الفجر"، إن سليم الأول بعدما أعدم السطان طومانباي آخر سلاطين المماليك الجراكسة عام ١٥١٧ م، على باب زويلة، وبعد أن استتب له الأمر، استغرقت فترة وجوده فى مصر ثمانية أشهر قبل رجوعه إلى اسطنبول، وفي القاهرة تنازل له الخليفة العباسي المتوكل عن الخلافة وعن شارتها مثل بردة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبضع شعيرات من لحية الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيف عمر بن الخطاب.

وأضاف أن لقب خادم الحرمين الشريفين أصبح من ألقاب سليم العثماني بعد أن كان اللقب حكرًا على سلاطين مصر، وكان أول من تلقب بهذا اللقب هو السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، الشهير بصلاح الدين الأيوبي، بعد أن أصبحت الشام ومصر والحجاز فى ملكه، وأخذ سليم معه إلى اسطنبول ما يقرب من ١٨٠٠ من أمهر الصناع المصريين وكذلك الكثير من الأعيان والعلماء، بل أيضا أخذ نفائس ونوادر الكتب التى كانت فى مكتبات المساجد والمدارس المصرية، وأفضل من يصف أحوال مصر وقت وجود سليم العثمانى قبل سفره إلى بلاده، هو المؤرخ المملوكي المعاصر ابن إياس.


وقال فوزي إنه ربما يظن البعض كون ابن إياس من أصول مملوكية، فسيكون متحاملًا على سليم، غير أن من يقرأ تاريخه يجده ينتقد الكثير من أوضاع البلاد تحت حكم المماليك بل لقد انتقد ابن إياس الغوري نفسه كثيرًا فى مؤلفه هذا، وعبر الأسطر التالية ننقل لكم ما قاله ابن إياس في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور عن الفترة التي قضاها سليم العثماني في مصر، حيث ذكر أن سليم حمل على الجمال والمراكب نفائس مصر من من الذهب والفضة والنحاس والتحف المصنوعة من تلك المعادن بل حتى سلب الرخام الفاخر من العمائر والقلعة ويصف ابن إياس ذلك بأن أجداده لم يروا مثل هذه النفائس.

شُبه بـ نبوخذ نصر
وتابع: "انظروا كيف وصف ابن إياس حال مصر وتحولها من ملك عظيم –والكلام لفوزي- ومملكه كان يتفاخر بها فرعون إلى ولاية تابعة لمملكة أخرى والفظائع التى فعلها سليم وشبهه ابن إياس بنبوخذ نصر، هذا الملك العراقي الجبار، حيث ذكر ابن إياس أن سليم كان لايظهر إلا لسفك دماء المماليك، وكان اسمهم الجنود المصريين، وكان غارق فى السكر ومع الصبيان المرد، وكان متناقضًا فى أوامره وليس له أمان".

وتابع: "ينتقل ابن إياس لوصف عساكر العثمانيين حيث قال نصًا: "إنهم كانوا جعانيين، نفسهم قذرة يأكلون على ظهور خيولهم"، وقال عنهم كذلك، "عندهم قله دين وأدب فكانوا يشربون الخمر فى الأسواق، ويفطرون في نهار رمضان ولا يصلون في الجوامع أو صلاة الجمعه إلا قليلًا، كذلك عرف عن كثير منهم خطف النساء والصبيان المرد حتى أصدر سليم أوامره بعدم خروج النساء أو الصبيان المرد من بيوتهم خلال خروج عساكره وتجهزه لعودته لبلاده، وغير ذلك من تعرض الناس للتضيق والطرد من منازلهم حينما نزل سليم بمقياس النيل ومصر العتيقه حيث طرد أمرائه وقواده، الناس من البيوت المحيطة وسكنوها بدلًا منهم".

وأضاف فوزي أنه من المعروف عن سليم انتقاله من المقياس وسكن دار الأشرف قايتباى ببركه الفيل، وذلك لتعرضه لمحاولة اغتيال من إنكشاريته "فرقة من جنوده"، وقد شنق منهم الكثير على أبواب القاهرة، وقد زار أيضا سليم كلًا من الإسكندرية ورشيد ثم عاد إلى القاهرة، ونظم أمور مصر تحت ولاية خاير بك، ووضع معه جنود عثمانية، ووضع نُظم تضمن إبقاء مصر تحت سيطرته وكذلك والولاة، وقد أبقى على بعض المماليك في كشوفاتهم بالمدن، وهى مناصب أشبه بمناصب المحافظين الآن، وعفى عن البعض منهم، وسفك دماء الكثير منهم، حتى شبهوا أفعاله بالسفاحين. 

أطلق على المماليك "الجنود المصريين"
وأشار أنه كان يُطلق على المماليك "الجنود المصريين" نسبة لكونهم مصريين، وقد قتل منهم الكثيرين، وأخذ معه الخليفة العباسي إلى اسطنبول، كما أخذ معه ابن الغوري، وغرقت مركب من المراكب التي أرسلها إلى اسطنبول وغرق فيها 300 فرد ممن نقلهم معه من أمراء وأعيان وصنايعية، ماتوا في البحر، ويقول ابن زنبل الرمال كان قبره أي سليم لا يزار من السلاطين في اسطنبول، كما لم يزار قبر خاير بك في مصر، وتلك كانت لمحات من فترة تواجد سليم العثماني في مصر قبل رجعوه لبلاده وهي فترة ثمانية أشهر.

وأشار إلى أن مهاجمة سليمًا لمصر، لم تأت عفوًا، ولم تكن من قبيل المصادفة بمكان، بل كان الأمر مخطط له، حيث تكشف لنا الوثائق عن استفتاء سليم الأول، مفتيه علي جمالي أفندي، في أن المماليك تتداول نقود مخالفة للشرع بقوله "إذا كانت أمة (يقصد المماليك) تنافق في احتجاجها برفع راية الإسلام، فتنقش آيات آيان كريمة على الدنانير والدراهم مع علمها بأن النصارى واليهود يتداولونها هم وبقية الملاحدة من أهل الأهواء والنحل... فيدنسونها، ويرتكبون أفظع الخطايا بحملها معهم إذا ذهبوا إلى محل الخلاء لقضاء حاجتهم، فكيف ينبغي معاملة هذه الأمة "، فأجاب جمالي بأن هذه الأمة إذا رفضت الإقلاع عن ارتكاب هذا العار جاز إبادتها، ويقول دي هوسن عن هذه الإجابة "فظاعة الجواب هنا لا تضاهي سوى حماقة السؤال"، وتلك مجرد فتوى نجح سليم في توظيفها لأغراضه الدنيوية، والدليل أن سليمًا بعد أن دخل مصر ظلت النقود المملوكية متداولة لفترات طويلة، وبالبحث نكتشف أنهم سمحوا للمصريين باستخدام النقود المملوكية التي تحمل كتابات ونصوص سبق وأن اعتبرها فيتهم "تستحق إبادة من يستخدمها"، بل إن النقود التي تم سكها في السنوات الأولى من الحكم العثماني لمصر نُعتت بأسماء مملوكية، مثل الدينار الأشرفي – الأشرف برسبايهي – الأشرف قايتبايهي.

وختم فوزي كلماته أن ما وقع من سليم في حق مصر هو غزوً لا فتحًا كما يردد البعض، فمصر بلد إسلامية، وأي بلد مسلم تهاجم بلد أخرى عنوة فهي بلد غازية وليست فاتحة، هذا غير ما فعله سليم في الأشهر الأولى للتواجد العثماني في مصر، وهذا ليس سلوك الفاتحين، والذي قابله المصريون برف واستهجان كبيرين.