مي سمير تكتب: أقراص تقطع رغبة المتعافي فى العودة إلى الإدمان!

مقالات الرأي



بشرة خير تحملها أحدث دراسة أمريكية على الإدمان

جهود العشر سنوات الأخيرة لم تزد من فرص العلاج بأكثر من 20% لن تزيد فى العشر سنوات القادمة عن 40% ولكن لا يأس مع العلم!

الحشيش يضعف القدرات العقلية العليا التى يحتاجها الباحثون والمبدعون ويصيبهم بالبلاهة!

علاج أنواع من السرطان أسهل من علاج أنواع من المخدرات!

الإدمان ينتقل وراثيا لسابع جيل والسمنة المرضية تحرض عليه والمرأة فى أيام دورتها الشهرية تقع فى شباكه!


حياتنا سلسلة من الإدمان. ثدى الأم.. مص الإصبع.. التهام الحلوى.. جنون الطعام.. شرب الخمر.. تدخين السجائر.. شم الكوكايين.. لعب القمار.. الأقراص المخدرة.. ممارسة الجنس.. جمع الأنتيكات.. المنشطات.. مثلا. لو تعلقت بواحدة من تلك الأشياء وعجزت عن مقاومتها فأنت مدمن عليك بقراءة هذه الدراسة العلمية الأمريكية الحديثة لتعرف نقاط ضعفك تجاه إغراءات المتعة التى تحاصرنا من جميع الجهات وكيفية النجاة منها حتى لا تصبح عبدا لها.

تقريبا.. معظم الأشياء التى تشعرنا بالنشوة يمكن أن تسقطنا فى بئر الإدمان.. بالطبع لن يصبح الجميع مدمنين.. لدينا فى المخ مناطق واعية قادرة على تقييم الأخطار والابتعاد عن المتعة الخطرة كى لا نقع فى الفخ المنصوب لنا فى سيجارة حشيش أو فى كازينو قمار أو فى بيت دعارة أو فى التهام الدهون والنشويات التى تؤدى بنا إلى السمنة المرضية.

والمؤكد أن الإدمان سهل جدا.. أسأل أصدقاء السوء عنه ألف من يدلك عليه.. ولكن علاجه صعب جدا.. إن لم يكن مستحيلا.

وحتى وقت قريب كنا نعتبر مدمن المخدرات مجرما يستحق العقاب بسجنه ولم نعتبره مريضا إلا منذ سنوات قليلة تعاطفنا معه بعد أن نفرنا منه.

سبقتنا الولايات المتحدة إلى ذلك التغيير بسنوات طوال.. فى عام 1950 أقرت الجمعية الطبية الأمريكية بأن الإدمان ليس انحرافا أخلاقيا وإنما نوع من المرض له أعراض محددة ويمكن التنبؤ بتغيرها نحو الأسوأ بما فى ذلك الموت وحيدا بجرعة زائدة بجوار مستودع قمامة تنسف المكانة الاجتماعية وتدمر العائلات المستقرة.

تكونت جماعات الدعم والعلاج من شخصيات لها خبرة فى الإدمان وبعضها كان مدمنا ونجا منه.. يحضر المدمنون جلسات جماعية يتحدثون فيها بصراحة عن متاعبهم النفسية وظروفهم الشخصية التى أوقعتهم فى الشرك.. المكاشفة دون مواربة شرط يفرضه الاشتراك فى تلك الجماعات.. الفاشل يعترف بفشله.. الشاذ يقر بشذوذه.. الخائنة تشرح ما فعلت.. الهدف أن يوضع المدمن أمام نفسه.. يرى صورته على حقيقتها.. فيسعى جاهدا للتمرد عليها.. والتحول لشخصية أفضل يحبها ويتعايش معها.

لكن على الرغم من فعالية هذه الجماعات بشكل مذهل بالنسبة للبعض فإنها لا تصلح للجميع.

أجمعت دراسات متعددة على أن نسبة نجاحها لا يزيد عن 20% مثلها مثل أنواع أخرى من العلاج النفسى السلوكى.

يقول الدكتور مارتن بولوس أستاذ الطب النفسى فى جامعة كاليفورنيا: «إن المحزن فى الأمر أنك إذا نظرت إلى أسلوب علاج الإدمان قبل عشر سنوات فإن الأمر لم يتحسن كثيرا».

وسوف تثار دهشتنا جميعا إذا ما عرفنا أن فرص النجاة من أنواع عديدة من السرطان أكبر من فرص التخلص من بعض أنواع المخدرات.

المخدرات المستحيل علاج إدمانها تلك المصنعة كيميائيا.. بخلاف المخدرات الطبيعية مثل الحشيش.. وإن كان ارتفاع تكلفته بسبب مكافحة تجارته أدى إلى خلطة بأقراص تضعه فى خانة الإدمان الصعب.

وربما دفع ذلك ببعض الدول (مثل هولندا) إلى إباحة بيعه كى تضمن نقاءه وتلغى فرص غشه بما هو أسوأ.

فى أمستردام سلسلة من المقاهى تسمى بولدوج تقدم لزبائنها قائمة بأنواع الحشيش (مغربى لبنانى أفغانى) وطرق تدخينه (فى سجائر أو بواسطة معدات زجاجية تشبه الشيشة ولكنها صغيرة الحجم) وتسمح بحمله والاتجار فيه.

وتحمست للقرار نفسه ولايات فى أمريكا منها كاليفورنيا كانت تسمح به علاجا لتثبيت المزاج لمرض القطب الثنائى ثم سمحت بتداوله علنا بكميات محدودة وضعت مواصفات قياسية صارمة لنقائها.

وفى مصر تكررت كثيرا دعوات إباحة الحشيش ولكن كان عدد الرافضين أكبر وتمتعت الحكومات المتعاقبة بفطنة جعلتها لا تستجيب.

والحقيقية أن الحشيش يؤثر فى القدرات العليا للمخ.. القدرات المسئولة عن الإبداع والابتكار.. فتصيب الكاتب والعالم والباحث ببلادة تقضى على مستقبله.

وربما تأتى العشر سنوات القادمة بنتائج أعلى وأفضل فى علاج الإدمان الصعب ولكنها لن تزيد فى أفضل الأحوال عن 40% إذا ما استمر العلاج فى جلسات جماعات الدعم لمدة طويلة من تناول الجرعة الأخيرة من تناول الخمر أو المخدر.

لا تزال هذه النسبة ضعيفة ولكن ليس على المدمنين أن لا ييأسوا من رحم العلم.

لقد أتاحت التكنولوجيا فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسى (أو التصوير المقطعى) لمعرفة ما الذى يحدث فى عقل المدمن وتحديد المناطق الأكثر تأثرا بالإدمان.. ساهم هذا التقدم العلمى فى فهم الكثير من الحقائق المخفية عن الإدمان.

هذه المعرفة أدت إلى تصنيع عقارات جديدة تبشر بالخير فى قطع الرغبة التى تدفع المدمن المتعافى إلى الانتكاسة والعودة من جديدة إلى تلك العادة القاتلة.

وتثبت كثير من الدراسات التى أشرفت عليها الدكتورة نورا فولكر مديرة المعهد القومى الأمريكى لتعاطى المخدرات: منذ العصر الحجرى والإنسان يجرب أشياء تشعره بالراحة دون أن يدرك خطورة التعود عليها.

وتضيف: ومن المهم أن ندرك أن العقاقير المخدرة تستغل وظائف المخ وتسيطر عليها وتعيد برمجتها بما يؤثر على مهارات التكيف وصنع القرار وتثير إحساسا مفرطا بالشغف يصعب السيطرة عليه.

ولدى بعض الأشخاص استعداد وراثى للإدمان وهنا يجب قياس هذا الاستعداد حتى يمكن تحذيرهم من الوقوع فى الشرك.

وبعض السلوكيات قد تنتهى إلى الإدمان مثل لعب القمار والتسوق وتناول الطعام.. تبدأ هذه السوكيات كعادات ثم تنزلق إلى شكل من أشكال الإدمان.

الرجل التعيس يضع همه فى الطعام حتى يصبح فيلا والمرأة المحرومة من السعادة تدمن التسوق وتشترى أشياء لا تحتاجها.. متعتها فى الشراء لا فى الاقتناء.. ولعب القمار يبدأ بالتسلية وينتهى بالإفلاس.

والحقيقة أن أى شىء ممتع جدا يمكن أن يتحول إلى إدمان.. بالطبع لن يصبح الجميع مدمنين لأن لدينا مناطق أخرى فى الدماغ قادرة على التحليل والتقييم وتجنب المخاطر بالابتعاد عن المتع الخطرة.

ويفرز المخ هرمون الدوبابين الذى يشعر الإنسان بالمتعة والسعادة ويخفف عنه الألم ويصفه العلماء بالمحفز مثل الكوكايين الطبيعى فإذا ما تناولنا مخدرا تقلص نشاط الدوبابين حتى يتوقف تماما ولحظتها لا يستطيع الإنسان أن يعيش دون مخدر بل يزيد من جرعته حتى يفقد حياته.

وأكثر ما يقضى على الدوبابين الكوكايين والميثامفيتامين والنيكوتين التى تفسح المجال أمام الرغبة فى المزيد منها لتنشيط الخلايا العصبية التى تصيب المدمن بالغثيان والألم والتوتر إذا لم يتناول جرعته من المخدرات.

ويستخدم عقار فيجاباترين المناسب لتجاوز نوبات الصراع فى قمع الخلايا العصبية ذات النشاط المفرط ويخفف من نشاطها وتجرى التجارب فى الولايات المتحدة لاستخدامه بجرعات مختلفة للتخفيف من آثار الكوكايين والخمر على المدمنين.

وتظهر كثير من الدراسات أن الإجهاد يمكن أن يزيد الرغبة فى المخدرات للتخفيف عن الإنسان المجهد وهنا يجب الانتباه.. المجهد يستريح.. لا أن يبحث عن مخدرات تريحه.. لو شعرت بالتعب أو عدم النوم لا تسمع نصيحة مدمن بتدخين سيجارة حشيش أو تناول قرص مخدر.. ستتعود على ذلك كلما شعرت بالإجهاد.. والحل السهل أن تأخذ حماما ساخنا يجنبك كارثة الإدمان.

وأظهرت الدراسات أن النساء قد يكن أكثر عرضة للشغف بالنيكوتين خلال الفترة الأخيرة من الدورة الشهرية عندما تطلق هرمونى البرجستيرون والأستروجين.

دفع ذلك الباحثين إلى التساؤل عن الاختلافات البيلوجية الأخرى التى تؤثر فى طرق إدمان الرجال والنساء وهو ما ينعكس على الاختلاف فى طرق العلاج.

وثبت مثلا أن المرأة تدمن الخمر أسرع من الرجل بسبب الطريقة التى يتفاعل بها الخمر مع جسم المرأة حيث ينتج جسم المرأة كميات قليلة من ديهيدروجينيز وهو أول إنزيم فى بطانة المعدة فيزيد من سرعة تركيز الكحول فى الدم ومن ثم تدمن المرأة الخمر أسرع من الرجل الذى ينتج كميات أكبر من ذلك الإنزيم.

ولكن الدماغ وليس القناة الهضمية مازال يحظى باهتمام أكبر فى قضية الإدمان. فى عام 1985 بدأ تصوير الدماغ بالأشعة المقطعية لتسجيل ما يجرى فى أدمغة المدمنين وخلاياهم العصبية بما فى ذلك تجفق الدم ونسبة الدوبامين واتضح أن التغييرات التى يسببها الإدمان لا تنطوى على نظام واحد.. هناك مناطق تتأثر على الفور.. وهناك مناطق يتأخر تأثيرها.. وتحدد المناطق المصابة نوع العلاج وكثافته. إن الخطوة الأولى فى العلاج رسم الدماغ بالأشعة المقطعية وهو ما لم يفكر فيه أحد فى مراكز العلاج المصرية حيث يتساوى الجميع فى العلاج ولذلك لا يشفى إلا ما رحم الله.

الأسبوع المقبل.. حقائق ومفاجآت عن الإدمان