ولاء الدين بدوي يكتب: حكاية الأوبرا التي أبهرت العالم "عايدة مارييت"

بوابة الفجر


في إطار حفل افتتاح قناة السويس في عام 1869م، تم تشييد دار الأوبرا الخديوية في ظرف خمسة أشهر فقط لتكون جاهزة لاستقبال ضيوف الخديوي إسماعيل من الملوك والرؤساء وقد بلغت تكاليف إنشائها 160 ألف جنيه، وقد كلف الخديوي إسماعيل المهندسين الإيطاليين أمثال "أفوسكانى" و"روسى" بوضع تصميم لها يراعي الدقة الفنية والروعة المعمارية والبيئة المصرية واختار لها مكان فى وسط العاصمة الخديوية، حيث اهتم الخديو بالزخارف والأبهة الفنية فاستعان بعدد من الرسامين والمثالين والمصورين من جميع أنحاء العالم لتزيين الأوبرا وتجميلها.

وبدأ البحث عن قصة من صفحات التاريخ الفرعوني القديم تصلح نواة مسرحية شعرية لتفتتح بها دار الأوبرا، وقد كتب قصة أوبرا عايدة مارييت باشا عالم الآثار الفرنسي الشهير الذي تم تعيينه مديرًا لمصلحة الآثار المصرية عام 1858م وقام بنظم شعرها الشاعر الإيطالي "جيالا أنزوني" وعهد الخديوي إسماعيل إلى الموسيقار "جوزيبي فيردي" بوضع موسيقاها الرفيعة وكان "فيردي" قد وضع موسيقى أوبرا عايدة مقابل 150 ألف فرنك من الذهب الخالص دفعها إسماعيل باشا خديوي مصر لتقديمها في حفل افتتاح قناة السويس ودار الأوبرا الخديوية 1869، وقد قام بتصميم الملابس والديكور التي اختارها من فرنسا مارييت باشا، كذلك قام بنسخ بعض المجوهرات والحلي من متحف الآثار ببولاق في ذلك الوقت، فكانت الأوبرا الخالدة "عايدة".

وعلى الرغم من أن فيردي نجح في إنجاز عمله لموسيقى "أوبراعايدة" في الموعد المحدد فإن عدم وصول ملابس وديكورات العمل التى صممها وكانت تصنع فى فرنسا بسبب حصار القوات البروسية للعاصمة الفرنسية" وهى الحروب السبعينية نسبة إلى عام 1870م التى على إثرها احتلت فرنسا وانتهى عرش الإمبراطورة أوجينى ونابليون الثالث من بروسيا التى تحول اسمها بعد ذلك إلى ألمانيا" وهذا هو السبب الرئيسى لعدم عرض أوبرا عايدة وليس لعدم انتهاء فيردى من تلحينها، وأيضا لعدم مجيئ الإمبراطور نابليون الثالث إمبراطور فرنسا إلى احتفالات قناة السويس إلى جانب تخوفه من إعلان استقلال مصر من جانب الخديو إسماعيل وخروجها من تحت مظلة الدولة العثمانية فى حضوره الافتتاح؛ كل هذا أدى إلى استبدال عايدة بعمل أخر هو أوبرا ريجوليتو المأخوذة عن قصة لفكتور هوجو عنوانها "الملك بلمو". 

والثابت هو أن تقديم عايدة للمرة الأولى في العالم كان في 24 ديسمبر عام 1871م، وفي ليلة الافتتاح قاد الأوركسترا المايسترو جيوفاني بوتزيني، وظلت مصر تقدم فن الأوبرا الراقى بأصوات أجانب منذ عام 1840 وحتى قبل بناء أول دار أوبرا مصرية عام 1869م، حيث أن الأوبرا القديمة كانت هي الأولى في قارة أفريقيا واعتبر مسرحها واحدًا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادًا وفخامة حيث كان يتسع لـ 850 شخصا. 

وفى فجر 28 أكتوبر 1971 احترقت دار الأوبرا المصرية القديمة بأبهتها وعظمتها وكانت الأخشاب المستخدمة فى بنائها بالكامل من عوامل سرعة انتشار النيران وعدم إمكانية السيطرة عليها فلم يتبق من الأوبرا القديمة سوى تمثالى الرخاء ونهضة الفنون وهما من عمل الفنان محمد حسن، والتهمت النيران مناظر الأوبرات والباليه التى تركتها الفرق الأجنبية هدية للدار اعترافًا منها بالدور الرائد لمصر فى نشر تلك الفنون الرفيعة، كما احترقت لوحات كبار المصورين التي كانت معلقة على جداران الأوبرا والآلات الموسيقية ونوتات مئات الأوبرات والسيمفونيات، وبعد 17 عاما تم بناء "دار الأوبرا المصرية" بأرض الجزيرة بمنحة يابانية. 

والأسماء المختلفة التى تولت رئاسة الأوبرا الخديوية على مدى قرن ونصف من الزمان تقريبا كان أولها بافلوس اليونانى الجنسية والذى يعتبر أول من تولى الإشراف على بنائها وتقديم أوبرا عايدة، ثم تولاها المؤلف الموسيقى بسكوالى كلمنته من عام 1886م إلى عام 1910م، تلاه جنارو فورنارنو من عام 1911م إلى عام 1931م، وقد توقف الموسم فى هذه الفترة بسبب الحرب العالمية الأولى، ثم تولاها معلم الأميرات نورتاتوتو كانتونى من عام 1932م إلى عام 1937م. 

أما أول مصرى يرأس الأوبرا الخديوية فكان منصور غانم ولم يستمر أكثر من عام ثم الفنان سليمان نجيب خلال الفترة من 1938 إلى عام 1954، ثم تولاها الشاعر عبد الرحمن صدقى، ثم المهندس محمود النحاس عام 1956، وتعتبر فترة رئاسته من أزهى فترات البالية الروسى، ثم كانت فترة صالح عبدون وهو من هواة الموسيقى الذي شهدت فترة رئاسته حريق الأوبرا فى أكتوبر 1971م.