محمود فوزي يكتب : روشتة الرضا الوظيفي بين العلاقات العامة والعلوم الاجتماعية

ركن القراء

محمود فوزي
محمود فوزي


تشير دراسات المسئولية الاجتماعية للمنظمات والشركات إلي خمسة جوانب رئيسية ترتكز عليها استراتيجية العلاقات العامة بالمنظمة، وهي الجانب الإنساني أو الخيري، والجانب البيئي، والجانب التشريعي أو القانوني، والجانب الخاص بجودة وكفاءة المنتج، بينما يكمن الجانب الخامس والأخير في رفاهية الموظف أو العامل؛ الذي يمثل بالتأكيد الجمهور الداخلي للمنظمة،  وذلك انطلاقًا من فرضية رئيسية وجوهرية مؤداها؛ أن العلاقات العامة الجيدة تبدأ من داخل المنظمة؛ كأولي خطوات التسويق غير المباشر؛ الذي يمارسه الموظف لسلع وخدمات وأفكار منظمته؛ التي يعمل بها.    
ويرتكز جوهر المسئولية الاجتماعية للموظفين؛  في اهتمام الإدارة العليا برفاهية الموظف، وتوفير فرص للارتقاء بمهاراته وقدراته، وإشراكه في جوانب صناعة القرار الإداري، وتوفير فرص للارتقاء الوظيفي، إلي جانب سرعة حل مشاكل الموظفين والعاملين.
كما تتفق دراسات المسئولية الاجتماعية في تأثير هذه البرامج علي سمعة المنظمة داخليًا وخارجيًا، وأن مشاركة الموظفين في هذه البرامج يؤدي لتنمية مفهوم الفخر الوظيفي لديهم؛ حيث يتاح لهم فرص فهم قيم الشركة، والتوافق مع رسالتها وثقافتها، وهو ما يمثل ميزة تنافسية؛ تنعكس بالضرورة علي إنتاجية المنظمة وربحيتها، ومن ثم توصي الدراسات بتضمين المنظمات لمبادئ حقوق الإنسان والموظف، ومعايير الصحة والسلامة المهنية بمكان العمل؛ كاعتراف واضح وصريح من المنظمة بمسئولياتها الاجتماعية نحو موظفيها.   
وفي منتصف الخمسينات وعقب اندلاع ثورات الشباب بأوروبا ، كان لعلماء الاجتماع رؤي تنظيرية متسقة مع جوانب الاتصال التنظيمي التي نادت بها علوم التنمية البشرية والعلاقات العامة؛ حيث فسر العلماء مبررات اندلاع هذه الثورات بعدم إتاحة أنظمة العمل الرأسمالية فرصًا للشباب للتعبير عن آرائهم والمشاركة في رسم خططهم المستقبلية .
 فكتب عالم الاجتماع "ماركيوز" مقالاً بعنوان "نقد التسامح التام" قال فيه : أن التسامح الذي تدعيه الديموقراطيات الصناعية المتقدمة ما هو إلا شكلًا من أشكال الوهم والخداع، فسماح هذه الأنطمة للأقليات بالتعبير عن رأيها،لا يأتي إلا بعد تأكدها من أن ليس لهذه الآراء أي أثر فعال. 
كما طرح "ماركيوز" فكرة لجوء النواة الصلبة من المتعسفين والمضطهدين والعاطلين وغير القادين علي العمل إلي الاحتجاج والنقد الثوري ، كرد فعل لمظاهر البيروقراطية التي تمارسها أنظمة العمل ، ووجدت هذه الفكرة اتساقا مع كتاب "مجتمع الوفرة" لخبير الاقتصاد الأمريكي "جالبراث" الذي عاصر ذات الفترة ليطرح في كتابه روشته تحقيق راحة العامل وإشباعه الوظيفي؛ متمثلة في تقسيم العمل و زيادة أوقات الفراغ ، وتقليل ساعات العمل ، والاهتمام بشكل أكبر بالمهن القائمة علي الذكاء الفطري والابتكار  بالإضافة إلي التدخل الحكومي  العادل في توزيع الموارد والدخول علي الموظفين لضمان الشفافية والحياد  . 
لقد اتسقت معايير بلوغ الرضا الوظيفي التي نادي بها الاقتصاديون وعلماء الاجتماع ومنظرو الغرب  في الخمسينات مع ذويها من المعايير التي قدمتها علوم الاتصال والتنمية البشرية؛ حيث أكد الفريقان على حقيقة واحدة مؤداها؛ أن الصراع الإنساني وثورات المجتمع؛ إنما هي نتاج تلاشي العدل الاجتماعي وهيمنة مظاهر التعسف الإداري، وندرة فرص الاتصال المثمر بين المواطنين؛ سواء داخل أروقة العمل أو بمنظمات المجتمع ومؤسساته المدنية.