"القهوة وتبغ الغليون"... ثروة خزنها المماليك وحارب العثمانيون تهريبها

أخبار مصر

القهوة
القهوة


قالت نادية طه باحثة أثرية، ومفتشة آثار في القاهرة التاريخية، إن للقهوة أهمية كبيرة كمشروب اجتماعي وانعكس ذلك في شدة ازدياد الطلب على البن خاصة بعد أن أصبحت مشروبًا شعبيًا في القرن الـ 17م، وظهر ذلك واضحًا بعد بعد أن أبدت الدولة العثمانية اهتمامًا استثنائيًا بـ "البن القهوة" والتي أصبحت ضمن السلع المهمة التي أخضعتها لفرمانات الباب العالي منذ الربع الأخير من القرن 17م، وذلك على إثر إتساع ظاهرة التهريب حيث فقدت مصر أربعة آلاف وخمسة آلاف طن من البن، وهو كان يمثل آنذاك ربع الكمية الواردة إلى مصر سنويًا.

وأضافت: يعتقد آخرون أن كلمة قهوة اشتقاق من القدرة أو القوة، وقيل أنها مشتقة من كلمة "كافا - Kava" وهو اسم منطقة بالحبشة والتي من المحتمل أنها إحدى مواطن البن، ومن ناحية أخرى أُطلق على القهوة لفظة البُن، حيث يعتقد البعض أن لفظة البُن، تعني رائحة القهوة، وكانت طريقة عمل حبات البُن أن تُحمص على صوان حديدية (مقلاية)، ثم تُطحن بواسطة مدق حديدي، ويُطلق على الصانع (دقاقين البُن)، ويضاف إليها الحبهان، وبعض الأثرياء يضيفون إليها العنبر.

القهوة فاقت الشاي شهرة ومكانة 

وأشارت طه إلى أن القهوة مرت بتطورات مرحلية منذ ظهورها كعادة استهلاكية جديدة في مطلع القرن واحتلت القهوة دلالة ورمزية خاصة في آداب الاستقبال والضيافة، لم ينالها أي مشروب آخر في مصر خلال الحقبة العثمانية، بما في ذلك الشاي، الذي ظهر بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م، فقد اكتسبت القهوة نسقًا كاملًا من التقاليد والآداب، كما كان لها حضور واضح في مختلف المناسبات واعتبرت وسيلة لإظهار حُسن الاستقبال والقيام بواجب الضيافة إلى حد أنه قد يُساء فهم وتقدير المضيف لضيوفة في حال لم تُقدم له القهوة.

ارتباط القهوة بالغليون 

قالت نادية طه إن ارتباط القهوة بالغليون صار ظاهرة واضحة للعيان منذ أواخر القرن الـ 16م بل صارت ممارستة تقليدًا لا غنى عنه مما أدى إلى شيوع ظاهرة "ادخار البن والتبغ" التي تحولت إلى قيمة كبيرة في حد ذاتها فقد حرص بكوات المماليك على تخزين كميات كبيرة من البن في بيوتهم خاصة مع ارتفاع الكمية المستهلكة، وصار "إدخار كميات من البن" داخل أروقة القصور المملوكية وبيوت النخبة بالقاهرة حتى أنها تجاوزت المعنى المادي لتنطوي على قيمة ثقافية ورمزية.

ظاهرة تخزين القهوة والتبغ

وأشارت طه إلى أن العديد من المصادر التاريخية أثبتت كميات البن الكبيرة المخزنة في بيوت المماليك والتي كانت تظهر حين يُهزم أمير مملوكي أو يقتل وينهب بيته، كما تعطينا وثائق تركات المماليك المسجلة بالمحكمة الشرعية فكرة عن حجم مان كان يحوزونه من البن فيذكر لنا المستشرق آندريه ريمون أن تركة عثمان كتخدا القاذدوغلي المتوفي عام 1736م ما قدره 200 فرق بن، كذلك للعلماء فايذكر لنا الجبرتي أنه عقب وفاة الشيخ السادات وقيام محمد علي باشا بوضع يده على بيته للبحث عن أصول ثروته النقدية وجدوا كمية كبيرة من "بن القهوة والصابون وشموع العسل" مخزنة في مخبأ سري.

يبدو أن ظاهرة ادخار كميات كبيرة من بن القهوة وراء إكتساب القهوة في المنظور الاجتماعي قيمة اعتبارية فصارت تُقدم في المناسبات المختلفة على سبيل "الهدية المعتبرة"، فتبين لنا المصادر التاريخية المعاصرة قيام البكوات المماليك بمهاداة بعضهم البعض بكميات من بن القهوة خلال المناسبات والإحتفالات المختلفة التي شاركوا في حضورها، كذلك كان الحال عند إعداد إحدهم استضافة خاصة لأحد البشاوات سواء عند توليه باشوية مصر، أو عند عزله واستعداده لمغادرة البلاد.

وختمت نادية طه الباحثة في علم الآثار قائلة إن الجبرتي أشار أنه من ضمن الهدايا التي أرسلها محمد علي باشا لدار السلطنة صحبة " قهوجي باش" كميات كبيرة من "بن القهوة"، وهو ما يعكس أن القهوة استعملت كوسيلة للتعبير عن القيمة التبادلية، ولم تقتصر هذه العادة على دائرة السلطة السياسية، وإنما شاعت كذلك بين عامة بين عامة الناس حيث أقبل الأهالي على تقديم القهوة إلى جانب "الشربات وقناديل الشمع" على سبيل الهدية والتحية في بعض المناسابات جتماعية الخاصة.